اقتصاد دولي

هل تخلى الرئيس التركي عن أحلام التحول إلى “فائدة صفرية”

ضاعف البنك المركزي التركي تقريباً أسعار الفائدة إلى 15 في المئة خلال اجتماعه الأخير، في انعكاس دراماتيكي لسياسته غير التقليدية المتمثلة في خفض كلفة الاقتراض لترويض التضخم المرتفع بشكل مؤلم، إذ يرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن الفائدة المرتفعة شر يجب التخلص منه بشكل نهائي.

وفي سبيل تنفيذ سياسته، أطاح الرئيس التركي خلال السنوات الماضية بأكثر من محافظ للبنك المركزي، كما مارس ضغوطاً عنيفة على البنك المركزي حتى يواصل خفض أسعار الفائدة في الوقت الذي يحتاج فيه الاقتصاد التركي إلى رفع كبير في الأسعار لمواجهة التضخم المرتفع والانهيارات المتتالية لليرة التركية مقابل الدولار الأميركي.

وتشير البيانات الرسمية إلى انخفاض معدل التضخم السنوي لأسعار المستهلك من أعلى مستوى له في عقدين من الزمن عند 85.5 في المئة خلال أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي لكنه ظل عند مستوى 39.6 في المئة خلال مايو (أيار) الماضي.

وقال البنك المركزي التركي، إن هناك مؤشرات على أن التضخم الأساسي في تركيا أخذ في الازدياد، حتى مع اتجاه التضخم في عديد من البلدان الأخرى نحو الانخفاض.

وأوضح أن “المسار القوي للطلب المحلي وضغوط الكلفة وثبات تضخم الخدمات كانت العوامل الرئيسة”.

وهذا هو أول قرار في شأن سعر الفائدة من قبل البنك المركزي التركي منذ إعادة انتخاب الرئيس رجب طيب أردوغان الشهر الماضي، وهي أيضاً أول زيادة في الأسعار منذ أكثر من عامين، وأول قرار للبنك المركزي منذ تعيين المحافظ الجديد حفيظة غاي إركان في وقت سابق من هذا الشهر، وهي مصرفية سابقة في بنك “غولدمان ساكس” وأول امرأة تشغل هذا المنصب في تركيا.

الليرة تسجل خسائر جديدة مقابل الدولار

وقال البنك المركزي التركي، في بيانه إنه رفع أسعار الفائدة لخفض التضخم “في أقرب وقت ممكن”، وأنه سيواصل القيام بذلك تدريجاً “حتى يتم تحقيق تحسن كبير في توقعات التضخم”.

في غضون ذلك قال كبير الاقتصاديين في الأسواق الناشئة في “كابيتال إيكونوميكس” ليام بيتش في مذكرة بحثية حديثة، إن هناك “إشارات مشجعة” من البنك المركزي على مزيد من رفع أسعار الفائدة في المستقبل، متوقعاً أن “ترتفع أسعار الفائدة التركية إلى 30 في المئة في وقت لاحق من هذا العام”.

وعلى خلفية التحول الجديد في سياسات البنك المركزي التركي، انخفضت الليرة التركية في التعاملات الأخيرة بنسبة 2.5 في المئة مقابل الدولار بعد أن رفع البنك المركزي سعر الفائدة الأساسي 650 نقطة أساس إلى 15 في المئة، في خطوة تمثل تراجعاً عن سياسة الرئيس رجب طيب أردوغان الخاصة بخفض أسعار الفائدة لكنها جاءت أقل من التوقعات.

وسجلت الليرة مستوى قياسياً منخفضاً عند 24.25 مقابل الدولار، في انخفاض سريع لم يستغرق سوى نحو نصف ساعة بعد إعلان قرار سعر الفائدة، وزاد ذلك خسائر الليرة مقابل العملة الأميركية هذا العام إلى ما يقرب من 23 في المئة.

وتراجعت الليرة بنحو 2.36 في المئة بعد قرار المركزي التركي برفع أسعار الفائدة إلى 15 في المئة، مقارنة بمتوسط التوقعات عند 21 في المئة.

ووفق الإحصاء الذي أعدته “اندبندنت عربية” سجل الدولار الأميركي مكاسب تتجاوز نسبتها 480 في المئة منذ بداية الولاية السابقة للرئيس التركي أردوغان في 2018، إذ قفز سعر صرف الورقة الأميركية الخضراء من مستوى 4.18 ليرة إلى نحو 24.25 ليرة في الوقت الحالي، بمتوسط مكاسب سنوية تبلغ نسبتها 96 في المئة.

ورفع البنك المركزي التركي، أسعار الفائدة بما يقارب الضعف بنحو 650 نقطة أساس، إذ قرر زيادة الفائدة إلى 15 في المئة على عمليات إعادة الشراء “الريبو” لأجل أسبوع، في دليل على تراجع البنك عن السياسات النقدية للأعوام الماضية.

اضطراب اقتصادي عنيف

كان الرئيس التركي قد أمر بنكه المركزي بخفض أسعار الفائدة تسع مرات متتالية منذ أواخر عام 2021، ليهوي بها إلى مستوى 8.5 في المئة، حتى مع بدء التضخم في جميع أنحاء العالم في التسارع وكانت معظم الاقتصادات تفعل العكس وواصلت البنوك المركزية على مستوى العالم تشديد سياستها النقدية منذ بداية العام الماضي، ومن حينها قفز سعر صرف الدولار الأميركي في السوق التركية بأكثر من 170 في المئة.

وأدى ضعف الليرة إلى تفاقم أزمة كلفة المعيشة في تركيا من خلال زيادة كلفة الواردات الأجنبية، ودفع الحكومة إلى استخدام مليارات من احتياطاتها من العملات الأجنبية في محاولة لتعزيز قيمة العملة، وهو ما تسبب في خسارة كبيرة لاحتياطات البلاد من النقد الأجنبي.

ومنذ ذلك الحين، حاول أردوغان الذي أقال أربعة محافظين للبنوك المركزية في سنوات عدة طمأنة المستثمرين بأنه يعتزم تطبيع السياسة الاقتصادية التركية من خلال ملء المناصب الرئيسة بمزيد من الشخصيات الأرثوذكسية مثل إركان، كما عين أيضاً محمد شيمشك، نائب رئيس الوزراء التركي السابق ووزير المالية، والمتخصص في الشأن الاقتصادي السابق لشركة إدارة الثروات الأميركية “ميريل لينش”، وزيراً لماليته الشهر الجاري.

في تعليقه لاحظ كبير محللي السوق في “أواندا”، كريغ إيرلام، أن رفع أسعار الفائدة جاء في نهاية منخفضة لتوقعات السوق، ولم يكن بإمكان المستثمرين تحمل الاسترخاء في وقت قريب جداً.

وكتب إيرلام في مذكرة بحثية حديثة قائلاً “أردوغان لم يتردد حقاً في إقالة محافظي البنك المركزي الذين رفعوا أسعار الفائدة في الماضي، لذلك لن يشعر المستثمرون بالراحة التامة ما دام هو رئيساً، خصوصاً أن هاجس الفائدة الصفرية يسيطر على تفكيره بصرف النظر عن النظريات والمدارس الاقتصادية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى