زيادة تدفقات الإستثمار الأجنبي المباشر الوارد لدولة الكويت بنحو 14.7%
النفط والخفض والأحداث الجيوسياسية
زيادة تدفقات الإستثمار الأجنبي المباشر الوارد لدولة الكويت بنحو 14.7%
تبلغ القيمة السوقية للسوق الأول في بورصة الكويت نحو 82.3% من إجمالي قيمة بورصة الكويت كما في نهاية يوم الأربعاء الفائت، وتبلغ نسبة استثمارات الأجانب فيه نحو 14.7% أو ما قيمته نحو 16.9 مليار دولار أمريكي. ذلك ما يسمى بالاستثمار الأجنبي غير المباشر، ويتصف ذلك النوع من الاستثمار بالسرعة في الدخول والسرعة في الانسحاب، لذلك يدعى بالاستثمار الساخن، أو الأموال الساخنة. وسبب اقبال الأجانب على الاستثمار في الأسهم المحلية هو سلامة والتزام المنظومة المسئولة عنها، أو هيئة أسواق المال وشركة بورصة الكويت والشركة الكويتية للمقاصة، فهي منظومة تعمل وفق معايير الأسواق المالية المتقدمة. ولكنه استثمار، على أهميته، يفتقر إلى المزايا التي يحققها الاستثمار الأجنبي المباشر، لذلك تتنافس الدول بشدة على زيادة حصيلتها من الأخير، وكان له دور أساسي في نهوض الصين منذ ثمانينات القرن الفائت، وملاذات الضرائب الآمنة مثال آخر وهي وسيلة الدول المتقدمة للمنافسة على جذبه.
مزايا الاستثمار الأجنبي المباشر عديدة، فهو استثمار طويل الأمد يخلق فرص عمل حقيقية، ونظم إدارة متقدمة، وتقنيات حديثة، وإنتاج سلعي أو خدمي منافس للواردات أو قابل للتصدير ما يعني وفر في خروج العملة المحلية أو حصيلة نقد أجنبي. وإن تواجد واستقر الاستثمار الأجنبي المباشر في بلد، ذلك يعني أن بيئة الاستثمار فيه صحية، له وللمستثمر المحلي، ويعني أن تلك البيئة محل مراجعة وتطوير في تنافس مشروع مع دول استقبال مثل تلك الاستثمارات. ولاحقاً، عندما تتوسع حصيلة تلك الاستثمارات وتبدأ في تحقيق عوائد، تنضم إلى مصادر الدخل القابلة للجباية الضريبية، ما يعني ردف المالية العامة، أو ركن أساس في تنويع مصادر الدخل.
وفي الكويت، وفي قرار صحيح، تأسس في عام 2013 ما كان يسمى بجهاز تشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر، وكان الغرض من تأسيسه هو الارتقاء بحصيلة الاستثمارات الأجنبية المباشرة الداخلة، ويبدو أنه عمل حثيثاً لتحقيق مستهدفاته، ولكنه لم ينجح. فتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر قبل سنة من تأسيسه، أي في عام 2012، كانت نحو 2.873 مليار دولار أمريكي، انخفضت إلى أدناها أو نحو 204 مليون دولار أمريكي في عام 2018، وبلغت في عام 2023 نحو 2.113 مليار دولار أمريكي أو نحو 73.6% من حجم ما كانت عليه قبل تأسيسه. ومنذ تأسيسه وحتى عام 2023، تدهورت بيئة الأعمال العامة واصبحت طاردة للاستثمار المباشر بشقيه المحلي والأجنبي، وكان ذلك التدهور في معظمه خارج قدرة الجهاز على مقاومته، ناهيك عن إصلاحه. وجاء الحل للتعامل مع عزوف الأجانب، غير موفق، أو محاولة هروب عن القتال والإصلاح، وتحقق بإزاحة كلمة الأجنبي من عنوان تعريف الجهاز، لتصبح تسميتها هيئة تشجيع الاستثمار المباشر. وحتى لا تتخلف الكويت عن قريناتها في الإفادة من المزايا المباشرة وغير المباشرة للاستثمار الأجنبي المباشر، والكويت الأعلى أحادية مصدر الدخل والأشد حاجة لتنويعه، سوف نذكر بعض التحفظ على مسار الهيئة الجديد في الفقرة اللاحقة.
النفط والخفض والأحداث الجيوسياسية
في اجتماع لها في نوفمبر 2023، اتخذت منظومة أوبك+ قرارها الثاني لنفس السنة بخفض إنتاجها بنحو 2.2 مليون برميل يومياً على أن يبدأ نفاذه في شهر يناير 2024، وكان قرار الخفض الأول وبنحو 1.04 مليون برميل يومياً في مايو من نفس العام. ذلك يعني خفض لإنتاج أوبك+ مرتين بنسبة 12.7% أو 3.25 مليون برميل يومياً بغرض دعم مستوى الأسعار، وبينما كان من المقرر استعادة حصة إنتاج الخفض الثاني في أكتوبر القادم، تم تأجيلها إلى يناير 2025. ولم يفلح قرارا الخفض بدعم أسعار النفط، فقد انخفض سعر برميل خام برنت من معدل 75.5 دولار أمريكي في شهر مايو 2023، إلى 74.2 دولار أمريكي لمعدل الأيام الـ 25 التي مضت من شهر سبتمبر الجاري، رغم الدعم الجيوسياسي الناتج عن حرب إسرائيل على غزةولبنان واستمرار الحرب الروسية الأوكرانية واحتمالات توسع تلك الحروب.
ويبدو أن عامل التحكم في الإنتاج، أي خفضه، بات أداة ضعيفة للتأثير على حركة أسعار النفط، ذلك صحيح من واقع ما يعرضه الرسم البياني المرافق لتلك الحركة،وذلك واضح من مستواه معبدء نفاذ قرار الخفض الثاني لأوبك+مع بداية العام الجاري. مبررات ضعف تأثير الخفض يمكن تفسيرها بضبابية عالية حول مستقبل نمو الاقتصاد العالمي، فخفض أسعار الفائدة على الدولار الأمريكي بدأ بما يرجح انتقال قلق الفيدرالي الأمريكي من التضخم إلى النمو في أكبر اقتصادات العالم. سبقته الصينفي قلقها على النمو، أو ثاني أكبر اقتصادات العالم، فهي منذ زمن تتبنىسياسات توسع نقدي ومالي استباقاً لمخاطر انخفاض معدلات نموها ومخاطر قطاعها العقاري، ووضع منطقة اليورو نمواً ومخاطر أسوأ من الإثنين. يضاف لها التطورات التقنية في خفض تكاليف الطاقة البديلة، والقلق البيئي ما أدى إلى تسارع كبير في انتشار المحركات الكهربائية وتحديداً تفوق الصين في هذا المجال ما خلق مشكلات إضافية للاقتصادين الأمريكي والأوروبي. وقطعاً هناك دائماً العلاقة غير المتكافئة بين المستهلكين والمنتجين ما يجعل الموقف التفاوضي للمستهلكين دائماً الأقوى، وهو موقف، حتى لو كان باطلاً، يشكل ضغطاً إلى الأدنى على أسعار الوقود الأحفوري.
وعودة إلى الرسم البياني المرافق، ومنذ فبراير من عام 2022 وحتى شهر سبتمبر الجاري، باتت حركة أسعار النفط أكثر تأثراً بسخونة أو هدوء الأحداث الجيوسياسية. والأحداث الجيوسياسية، ومهما طال أمدها، تعتبر عامل تأثير مؤقت، بينما حركة الاقتصاد والتقدم التقني والموقف التفاوضيإضافة إلى دعم عامل البيئة، عوامل تأثير دائمة ومستمرة. والغرض من تلك المقدمة هو التحذير من ارتفاع متصل للمخاطر المالية والاقتصادية كلما ارتفعت نسبة اعتماد المالية العامة والاقتصاد في أي بلد على النفط الذي يبدو أن استمرار هبوط أسعاره قضية وقت وليس تساؤل حول ما إذا كانت سوف تهبط أو لا تهبط.