تفكيك جوجل وتهديد الهيمنة المطلقة
إذا رغب أي شخص حول العالم في البحث عن معلومة ما أو عن مكان بيع إحدى السلع التي يرغب في شرائها أو حتى تحديد موقع المكان الذي يرغب في الذهب إليه فإنه يتوجه في الغالب إلى “جوجل”، لدرجة أن أسمها أصبح مرادفًا للبحث عبر الإنترنت.
من أجل تزويد المستخدمين بإجابات صحيحة عن كل ما يبحثون عنه تجمع الشركة الأمريكية أولاً معلومات حول كل الصفحات المتاحة عبر الإنترنت.
ثم تستخدم قاعدة بياناتها من مواقع الويب والكلمات الرئيسية المستخدمة في البحث وما يفضله الأشخاص الآخرون عادة كإجابة على استفسارات مماثلة، وما تعرفه من معلومات عن المستخدم نفسه لترتيب الإجابات المحتملة.
أبرزت بيانات صدرت عن شركة التحليلات “سميلار ويب” في يونيو 2023 مدى هيمنة “جوجل” كمزود للبحث عبر الإنترنت، على الرغم من أن حصة الشركة في السوق لم تتغير بصورة كبيرة على مدى السنوات الماضية.
وولدت أعمال الإعلان التي كونتها الشركة حول أنشطة البحث الخاصة بها إيرادات هائلة بلغت 175 مليار دولار في 2023، أي أكثر من نصف إجمالي الإيرادات البالغ 307 مليارات دولار.
كما أنفقت بسخاء لحماية مكانتها، بإجمالي مدفوعات قدمتها لشركات مثل “آبل” و”موزيلا” لجعل محرك البحث الخاص بها أساسيًا ما يزيد عن 26 مليار دولار في عام 2021 فقط.
جوجل تهيمن على سوق محركات البحث العالمي |
|
محرك البحث |
الحصة السوقية العالية |
جوجل |
%90.7 |
بينج |
%3.2 |
ياهو |
%3.2 |
محركات البحث الأخرى |
%2.9 |
رياح معاكسة
لكن اليوم تواجه “جوجل” رياحًا معاكسًا قد تغير مكانتها منها صعود منصات بحث بديلة مثل “تيك توك” إلى جانب الأدوات المدعومة بالذكاء الاصطناعي مثل “شات جي بي تي” وتزايد المنافسة مع شركات رائدة مثل “أمازون” إلى جانب جهود جهات مكافحة الاحتكار.
يدرس مسؤولو مكافحة الاحتكار بالولايات المتحدة التفكيك المحتمل للشركة الأمريكية من أجل تخفيف همينتها بمجال البحث.
في خطوة هي الأكثر أهمية لوضع حدود لهيمنة كبرى شركات التكنولوجيا بسبب الاحتكار غير القانوني منذ أن سعت السلطات – دون جدوى في النهاية – لتفكيك شركة البرمجيات “مايكروسوفت” قبل عقدين.
واستهدفت بالفعل وزارة العدل ولجنة التجارة الفيدرالية الأمريكية هيمنة الشركات الكبرى من قبل وفحصت الصفقات والاستثمارات الخاصة بها.
وفي وقت سابق من هذا العام رفعت الوزارة دعوى قضائية ضد “آبل” بسبب إحباط الابتكار عن طريق منع المنافسين من الوصول إلى ميزات الأجهزة والبرامج الخاصة بها.
وأرسلت لجنة التجارة الفيدرالية استفسارات إلى “مايكروسوفت” و”ألفابت” و”أمازون دوت كوم” بشأن استثماراتهم بشركات الذكاء الاصطناعي الناشئة وتأثيرها على المنافسة.
تفكيك محتمل
حاليًا تدرس وزارة العدل الأمريكية نوع الإجراءات التي يمكن مطالبة “جوجل” بها من أجل استعادة المنافسة في مجال البحث على الإنترنت بما يشمل التفكيك.
وقد يأمر القاضي ” أميت ميهتا” الشركة بتوفير الوصول للبيانات الأساسية التي تستخدمها لتقديم نتائج البحث ومنتجات الذكاء الاصطناعي.
تتراوح الخيارات المحتملة بين القيود السلوكية والتفكيك بهدف إنهاء ما وصف بأنه احتكار غير قانوني لـ “جوجل” في مجال البحث.
وذلك بعدما قضى “ميهتا” في أغسطس بأن “جوجل” رسخت احتكارها من خلال دفع مليارات الدولارات لمشغلي متصفحات الويب وشركات صناعة الجوالات كي تصبح محرك البحث الأساسي لديهم.
وأوضح الملف أن الحكومة تدرس مجموعة كاملة من الأدوات لاستعادة المنافسة بما يشمل التغييرات “البنيوية” في أعمال الشركة التابعة لـ “ألفابت” والتي من شأنها منعها من استخدام منتجات مثل متصفح “كروم” أو نظام التشغيل “أندرويد” لصالح محرك البحث التابع لها.
ويرى المسؤولون أن “جوجل” اكتسبت منافع من اتفاقات التوزيع غير القانونية مع شركات تقنية أخرى التي جعلت محرك البحث الخاص بها هو الخيار الافتراضي على الجوالات الذكية ومتصفحات الويب.
و يخطط “ميهتا” لعقد محاكمة بشأن العلاج المقترح في الربيع المقبل وإصدار قرار بحلول أغسطس 2025، ورغم ذلك تخطط “جوجل” لاستئناف القرار المرتقب.
في منشور على مدونتها، قالت “جوجل” أن الاقتراح الأولي لوزارة العدل لإصلاح سوق محركات البحث جذري وشامل وربما يكون له عواقب سلبية غير مقصودة على الابتكار في أمريكا وعلى المستهلكين.
وترى “جوجل” أن محرك البحث الخاص بها جذب المستخدمين من خلال جودته، وقالت إنها تواجه منافسة قوية من “أمازون” ومواقع أخرى حيث يذهب المستخدمون مباشرة للبحث عن السلع أو الخدمات، وأن المستخدمين يمكنهم اختيار محركات بحث أخرى.
هل التفكيك ممكنًا؟
عملية تفكيك أو تقسيم الشركات الكبرى القائمة من أجل مكافحة الاحتكار نادرة في التاريخ الأمريكي لأنه كان من الصعب إداراتها وإنجاحها.
لم تقم هيئات مكافحة الاحتكار الأمريكية بتفكيك شركة منذ أربعين عامًا مضت تقريبًا، إذ حدثت معظمها في أوائل القرن العشرين عندما تم تقسيم “ستاندرد أويل” و”أمريكان توباكو”
كان آخرها في عام 1984، عندما تم تفكيك شركة الاتصالات “إيه تي أند تي” التي كانت تسيطر آنذاك على خدمات الجوالات المحلية .
ذكر “جوناثان كانتر” رئيس مكافحة الاحتكار بوزارة العدل أن عمليات الفصل السابقة كانت ضرورية لإنهاء وإصلاح الضرر الناجم عن الاحتكارات طويلة المدى.
أما في حالة “مايكروسوفت”، فقد تم في النهاية نقض الحكم – بعد الاستئناف – الذي أمر في عام 2000 بتفكيكها لقمعها بسبب المنافسة غير القانونية، ثم توصلت الشركة لاحقًا إلى تسوية مع الإدارة الجديدة الأكثر ملائمة للأعمال التجارية تحت قيادة الرئيس “جورج دبليو بوش”.
وستكون الخطوة الأشد قسوة من جانب وزارة العدل هي المطالبة بتفكيك “جوجل” أو فصل متصفح “كروم” أو نظام التشغيل “أندرويد”.
وذكر “ويليام كوفاسيك” الرئيس السابق للجنة التجارة الفيدرالية: لا شك أن هذه خطوة أولى مهمة في اتجاه فرض ضوابط أكبر على “جوجل”، لكن هناك العديد من الأنهار التي يجب عبورها.
وهو ما يتضح في الجهود التي بذلتها المفوضية الأوروبية للحد من قوة “جوجل” السوقية على مدار سنوات، لكن رغم مواجهة عقوبات بمليارات الدولايات إلا أن الشركة احتفظت بمكانتها المهيمنة في المنطقة.
فحسب بيانات “ستات كونتر”، لا تزال “جوجل” تمثل أكثر من 90% من حركة البحث عبر الإنترنت في أوروبا اعتبارًا من يوليو من هذا العام.
لكن رغم الجهود الحالية والرياح المعاكسة إلا أنها قد تكون ضئيلة نسبيًا أو ربما متأخرة لكبح جماح “جوجل” خاصة في مجال البحث، أو قد تنجح في وضع قيود لواحدة من أكثر الشركات هيمنة في العالم.
المصادر: أرقام – وول ستريت جورنال – فاينانشال تايمز – Inc – بلومبرج – سي إن إن – ذا كونفرزيشن – سميلار ويب