حلقة الهلاك الاقتصادية أو كيف تتفاقم الأزمات المالية؟
– تشير حلقة الهلاك ‘doom loop’ في الاقتصاد إلى سلسلة مترابطة من الأحداث السلبية المتتالية، حيث يؤدي كل حدث إلى تفاقم الوضع الاقتصادي ويسهم في خلق حدث سلبي جديد.
– يسلط هذا المفهوم، الذي ذكره جيم كولينز في كتابه الشهير ‘من الجيد إلى العظيم’، الضوء على الطبيعة المتسلسلة للأزمات الاقتصادية وكيف يمكن أن تتفاقم بمرور الوقت إذا لم يتم اتخاذ إجراءات تصحيحية.
أسباب حلقة الهلاك
– عندما تعاني دولة من أزمة ديون، تبدأ سلسلة من التفاعلات السلبية التي تشبه كرة الثلج المتدحرجة، فمن انخفاض قيمة السندات الحكومية وتعرض البنوك للإفلاس، إلى ارتفاع أسعار الفائدة وتباطؤ النمو الاقتصادي، تتوالى الأحداث لتشكل تهديدًا حقيقيًا لاستقرار الاقتصاد بأكمله.
– تجد الحكومات نفسها في هذا السيناريو أمام خيارات صعبة، فمن جهة، عليها إنقاذ البنوك لتجنب انهيار النظام المصرفي، ومن جهة أخرى، فإن هذا الإنفاق الضخم يزيد من حجم الدين العام ويضعف التصنيف الائتماني للدولة.
– يؤدي ارتفاع أسعار الفائدة، كحل مؤقت لجذب المستثمرين، إلى تباطؤ النمو الاقتصادي وتراجع الإيرادات الضريبية، مما يدفع الحكومة إلى الاقتراض أكثر لتغطية العجز، وهكذا تستمر الحلقة المفرغة.
كيف يمكن للديون الحكومية أن تبدأ حلقة هلاك؟
– تُعد الأزمة المالية الآسيوية في عام 1997 مثالاً صارخاً على الكيفية التي يمكن أن تؤدي بها الديون الحكومية المتراكمة إلى خلق حلقة مفرغة مدمرة.
– إذ إن ارتفاع مستويات الدين العام في دول آسيا دفع المستثمرين إلى القلق بشأن قدرة هذه الدول على سداد ديونها، مما أدى إلى أزمة ثقة واسعة النطاق.
– ونتيجة لذلك، ارتفعت تكاليف الاقتراض الحكومي، مما أجبر البنوك المركزية على رفع أسعار الفائدة. أضعف هذا الارتفاع في أسعار الفائدة، بدوره، أوضاع البنوك وأدى إلى تقلص حجم القروض المتاحة، مما فاقم الأزمة الاقتصادية.
– وبهذه الطريقة، شكّلت الديون الحكومية المتراكمة شرارة الانفجار الذي أدى إلى أزمة مالية عميقة أثرت على المنطقة بأكملها.
كيف يمكن لسوق الأسهم المتدهورة أن تؤدي إلى حلقة الهلاك؟
– عندما تشهد أسواق الأسهم هبوطًا حادًا، تتعرض المؤسسات التي تعتمد على الهامش لضغوط شديدة. فتتلقى هذه المؤسسات ما يعرف بـ “نداءات الهامش”، والتي تلزمها بإيداع المزيد من الأموال كضمان.
– قد تدفع هذه النداءات المستثمرين إلى تصفية أصولهم، مما يؤدي إلى تفاقم الهبوط في السوق وخلق حلقة مفرغة.
– تزداد حدة هذه الأزمة عندما تكون السيولة محدودة، أي عندما يعجز المستثمرون عن الحصول على التمويل اللازم لتلبية نداءات الهامش.
– قد يؤدي هذا الوضع إلى انهيارات كارثية في السوق، كما حدث في انهيار سوق الأسهم عام 1929 الذي أدى إلى الكساد الكبير.
– يُذكر أن الاقتصاد الأمريكي قبل الانهيار قد شهد فترة ازدهار غير مسبوقة، مدفوعة بزيادة الصادرات والاستثمارات.
– وقد أدى هذا الازدهار إلى ارتفاع جنوني في أسعار الأسهم، حيث لجأ الكثيرون إلى الاستثمار بالهامش، أي بشراء الأسهم بقروض.
– عندما انهارت السوق، فُرضت على المستثمرين نداءات هامش ضخمة، مما أجبرهم على بيع أصولهم بأي ثمن. وقد تمخضت هذه المبيعات الجماعية عن انهيار السوق بشكل كامل، وخسر المستثمرون معظم ثرواتهم.
مثال على حلقة الهلاك
– تمثل أزمة الديون اليونانية مثالاً كلاسيكيًا على حلقة مفرغة مدمرة، ففي عام 2009، كشفت الحكومة اليونانية الجديدة أن الحكومات السابقة كانت تقدم تقارير خاطئة عن المعلومات المالية الوطنية، مما أظهر عجزًا في الميزانية يفوق التقديرات بأكثر من الضعف، ليصل إلى نسبة هائلة تزيد عن 12% من الناتج المحلي الإجمالي.
– زاد هذا الكشف المفاجئ، الذي تم تعديله لاحقًا ليصل إلى 15.4%، من تفاقم الأزمة، وتبع ذلك ارتفاع جنوني في تكاليف الاقتراض، مع تخفيض وكالات التصنيف الائتماني لتصنيف الديون اليونانية إلى مستوى غير مرغوب فيه.
– أدى فقدان الثقة هذا إلى انتشار موجة من الهلع بشأن الوضع المالي لدول منطقة اليورو الأخرى، مما دفع المقرضين إلى مطالبة الدول ذات الأساسيات الاقتصادية الضعيفة بأسعار فائدة مرتفعة على ديونها السيادية.
– ونتيجة لذلك، واجهت هذه الدول صعوبات بالغة في تمويل عجز ميزانياتها، مما اضطرها إلى اللجوء إلى إجراءات تقشفية قاسية، مثل رفع الضرائب وخفض الإنفاق، والتي بدورها أدت إلى تباطؤ النمو الاقتصادي وتراجع الإيرادات الحكومية، مما عمق الأزمة بشكل أكبر.
– يُذكر أن دولاً أوروبية عديدة، من بينها اليونان وأيرلندا والبرتغال، شهدت تخفيضاً في تصنيف ديونها السيادية إلى مستوى غير مرغوب فيه من قِبل وكالات التصنيف الائتماني العالمية.
– أدى هذا التخفيض إلى زيادة مخاوف المستثمرين، مما دفعهم إلى بيع سندات تلك الدول التي كانت البنوك المحلية تمتلك حصة كبيرة منها. وبالتالي، تكبدت هذه البنوك خسائر فادحة نتيجة هبوط قيمة هذه السندات.
– كما زاد التهديد بإنقاذ هذه البنوك من الضغوط على مالية الحكومات، مما أدى إلى زيادة حجم ديونها وارتفاع تكاليف الاقتراض.
– وهكذا، دخلت هذه الدول في حلقة مفرغة من الديون، مما أدى إلى تفاقم أزمة الديون السيادية في أوروبا.
– ولكسر هذه الحلقة، قرر البرلمان الأوروبي في أواخر عام 2010 إنشاء نظام أوروبي للإشراف المالي بهدف ضمان تطبيق معايير مالية موحدة في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي.
– كما تلقت اليونان عدة قروض إنقاذ من البنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي على مدار السنوات التالية، شريطة تطبيق إجراءات تقشف صارمة شملت تخفيض الإنفاق الحكومي وزيادة الضرائب.
كيف يمكن إنهاء حلقة الهلاك؟
– يتطلب كسر حلقة الديون المتراكمة عادةً تدخلاً خارجيًا لتوفير السيولة اللازمة لوقف التدهور المالي، مقرونًا عادةً بتطبيق مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية لضمان استعادة الاستقرار المالي.
المصدر: إنفستوبيديا