مختارات اقتصادية

قصة نمو .. الاقتصاد الفنلندي والتطور من الزراعة إلى التكنولوجيا والابتكار

يعتمد الاقتصاد الفنلندي بشكل رئيسي على الملكية الخاصة والمبادرات الفردية، مع دور محدود للحكومة في بعض القطاعات الحيوية.

بعد الحرب العالمية الثانية، كانت فنلندا لا تزال دولة زراعية إلى حد كبير، ولكن مع مرور الوقت، شهدت البلاد تحولات تدريجية في اقتصادها، حيث انتقلت من الاعتماد على الإنتاج الأوّلي إلى الصناعي، ثم إلى قطاع الخدمات والمعلومات.

في الثمانينيات، ازدهر الاقتصاد الفنلندي مدعومًا بعلاقات تجارية قوية مع كلٍ من شرق وغرب أوروبا. ومع ذلك، توقفت مسيرة النمو فجأة في التسعينيات بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، الذي كان شريكًا تجاريًا رئيسيًا لفنلندا، إلى جانب تأثير الركود الاقتصادي العالمي.

ومع حلول منتصف التسعينيات، استعادت فنلندا عافيتها الاقتصادية بفضل إعادة هيكلة الصناعة وتوجيه التجارة نحو أوروبا الغربية.

سوق العمل الفنلندي: من البطالة إلى التعافي

شهد سوق العمل الفنلندي استقرارًا نسبيًا حتى بداية التسعينيات، حيث ارتفعت معدلات البطالة لتصل إلى 20% في عام 1994.

إلا أنه مع نهاية القرن العشرين، تعافت فنلندا تدريجيًا وانخفضت معدلات البطالة لتصل إلى مستوياتها الطبيعية.

الدور الدولي لفنلندا

على الصعيد الدولي، انضمت فنلندا إلى العديد من المنظمات الاقتصادية الدولية، فمنذ عام 1949 وهي عضو في اتفاقية التجارة العامة والتعريفات الجمركية (الجات)، كما انضمت إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عام 1969.

نظرة على أهم القطاعات الاقتصادية في فنلندا

قطاع الزراعة والغابات

– يشهد قطاع الزراعة الفنلندي تراجعاً ملحوظاً، بعد أن انخفضت حصة القوى العاملة فيه بشكل مستمر، مما يعكس تراجع أهميته في الاقتصاد الوطني.

– كما انخفضت المساحات المزروعة بشكل كبير، وباتت معظم المزارع صغيرة الحجم.

– ورغم ذلك، نجحت فنلندا في تحقيق الاكتفاء الذاتي من المواد الغذائية الأساسية منذ أوائل الستينيات، مع تباين في إنتاج الحبوب بين الاستيراد والتصدير حسب النوع.

– وهنا تجدر الإشارة إلى أن العوامل المناخية تؤثر في تحديد المناطق الصالحة للزراعة، حيث تقتصر زراعة الحبوب بشكل رئيسي على المناطق الجنوبية والغربية من البلاد.

– تغطي الغابات نحو ثلاثة أرباع مساحة فنلندا، وهي تعتبر واحدة من أهم ثرواتها الطبيعية.

– كما تتمتع البلاد بموارد غنية من أشجار الصنوبر والتنوب والبتولا، وتبذل الدولة جهودًا كبيرة للحفاظ على هذه الثروة البيئية وتجديدها.

قطاع الموارد والطاقة

– تتميز فنلندا باستهلاك مرتفع للطاقة للفرد، ويعود ذلك إلى المناخ البارد والنشاط الصناعي المكثف.

– تلبي المصادر المحلية نحو ثلث احتياجات البلاد من الطاقة، بينما يتم استيراد باقي الاحتياجات، خاصة الوقود الأحفوري.

– وتعتمد فنلندا بشكل كبير على الطاقة الكهرومائية والطاقة النووية لتلبية احتياجاتها من الكهرباء، كما تسعى إلى تطوير مصادر الطاقة المتجددة الأخرى مثل طاقة الرياح.

قطاع التصنيع

– شهدت فنلندا نموًا ملحوظًا في قطاع التكنولوجيا، لاسيّما في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.

– تُعد صناعة المعادن والهندسة من القطاعات الرئيسية الأخرى في فنلندا، حيث تتميز البلاد بقدراتها في بناء السفن المتخصصة، مثل كاسحات الجليد والبواخر الفاخرة، وكذلك في تصنيع معدات معالجة الورق.

– كما شهدت الصناعة الكيميائية في فنلندا نموًا سريعًا، وأصبحت أحد أهم روافد الاقتصاد.

– ومن أبرز فروعها تكرير النفط الذي يلبي احتياجات السوق المحلية ويحقق فائضًا للتصدير.

قطاع التمويل

– شهد السوق المالي الفنلندي منذ عام 1980 تحولات جذرية، فقد تقلص دور الدولة فيه، واتجه الاقتصاد نحو آليات السوق بشكل متزايد.

– وفي خطوة تاريخية، سمحت فنلندا في أوائل الثمانينيات للبنوك الأجنبية بالعمل على أراضيها، ثم أتاحت لها في عام 1991 فتح فروعها.

– يُعد بنك فنلندا، المنشأ عام 1811 والمخوّل من البرلمان منذ عام 1868 بالإشراف عليه وضمان استقراره، البنك المركزي للبلاد وعضوًا فاعلاً في النظام الأوروبي للبنوك المركزية.

– وفي عام 2002، تبنت فنلندا اليورو، العملة الموحدة للاتحاد الأوروبي، لتحل محل الماركا الفنلندية التي كانت سائدة منذ عام 1860.

– ومن الملاحظ أن حجم التعاملات النقدية في فنلندا أقل مقارنة بدول أوروبية أخرى، وذلك لاعتداد الفنلنديين بالمعاملات المصرفية الإلكترونية.

– أما تداول الأوراق المالية فيتم عبر بورصة هلسنكي التي فتحت أبوابها للمستثمرين الأجانب في أوائل الثمانينيات.

قطاع التجارة

– تعتمد فنلندا بشكل كبير على التجارة الخارجية لدفع عجلة اقتصادها، وذلك بسبب صغر حجم السوق المحلي الفنلندي مقارنة بالأسواق العالمية، وتخصص إنتاجها، بالإضافة إلى محدودية مواردها الطبيعية من الطاقة.

– على الرغم من أن الورق ومنتجاته والأخشاب لا تزال تشكل ركيزة أساسية للصادرات الفنلندية، فإن الآلات الثقيلة والمنتجات المصنعة قد حلت محلها لتتصدر قائمة الصادرات الفنلندية.

– أما الواردات الفنلندية، فتتركز بشكل رئيسي على المواد الخام اللازمة للصناعة، والسلع الاستهلاكية، والوقود.

قطاع الخدمات

– في مطلع القرن الحادي والعشرين، شكّلت الخدمات الحكومية ثلث قطاع الخدمات في فنلندا، إلا أن الشركات الخاصة، لا سيّما في مجالَيْ الأعمال وتكنولوجيا المعلومات، شهدت نموًا أسرع.

– وعلى عكس معظم الدول الأوروبية، لم تشهد حصة قطاع الخدمات في الناتج المحلي الإجمالي والعمالة الفنلنديين زيادة طردية مع زيادة حصة التصنيع.

– اتبعت الحكومة الفنلندية نهجًا غير مباشر لدعم القطاعات الواعدة، حيث قدمت منحًا وقروضًا واستثمارات في الأسهم، بالإضافة إلى برامج لتطوير وإعادة تأهيل الكوادر العاملة.

– وقد لعب مركز تطوير التكنولوجيا، الذي تأسس عام 1983، دورًا محوريًا في التسعينيات في دفع عجلة التقدم التكنولوجي في البلاد من خلال دعم البحث والتطوير.

العمالة والضرائب

– يشكّل قطاع الخدمات العمود الفقري للاقتصاد الفنلندي، حيث يعمل فيه غالبية القوة العاملة (نحو ثلثيها).

– يأتي قطاع الصناعة في المرتبة الثانية من حيث حجم العمالة، وإن كانت أهميته تتراجع تدريجياً مقارنةً بالقطاع الأول.

– أما القطاع الزراعي فيشهد تقلصاً مستمراً، إذ يعمل فيه نسبة ضئيلة للغاية من السكان.

– لطالما حظيت المرأة الفنلندية بحقها في العمل، حيث تحتل البلاد مرتبة متقدمة على مستوى أوروبا في نسبة مشاركة المرأة في القوى العاملة.

– تعمل غالبية النساء الفنلنديات بدوام كامل، ويتمتعن بمستوى تعليمي أعلى قليلًا من الرجال، كما أنهن أكثر ميلاً إلى الانضمام إلى النقابات العمالية.

– ومع ذلك، لا تزال فجوة الأجور بين الجنسين قائمة، إذ تحصل المرأة على نحو 70% مما يحصل عليه الرجل مقابل العمل نفسه.

– تتميز فنلندا بنظام ضريبي تقدمي، حيث تفرض ضرائب أعلى على الدخول المرتفعة، وتعد ضريبة القيمة المضافة في فنلندا من أعلى الضرائب في الاتحاد الأوروبي.

النقل والاتصالات

– عانت فنلندا حتى منتصف القرن العشرين من تحديات جغرافية كبيرة عرقلت تطوير شبكات النقل والاتصالات الداخلية.

– فقد أدت التضاريس الوعرة والظروف المناخية القاسية إلى عزلة العديد من المناطق.

– كما اقتصرت الاتصالات الخارجية بشكل أساسي على النقل البحري، وهو ما يفسر كثافة الموانئ المتقدمة على خليج بوثنيا وخليج فنلندا.

– ومع ذلك، شهدت فنلندا تطورات ملحوظة في مجال النقل، ففي عام 1963، تم افتتاح قناة سايما التي ربطت بين البحيرة وخليج فنلندا، مما ساهم في تسهيل حركة التجارة.

– وباتت فنلندا تمتلك أسطولاً تجارياً قوياً ينقل معظم بضائعها، إلى جانب شبكة طرق واسعة ومتطورة، ونظام حافلات كثيف، وشبكة سكك حديدية تربطها بروسيا.

المصدر: الموسوعة البريطانية

Show More

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button