تدفق الوافدين إلى دبي يرهق بنيتها التحتية
أظهرت دبي مدى انتعاشها الاقتصادي بعد الجائحة في نهاية الشهر الماضي، ففي نفس اليوم الذي أعلن فيه أغنى رجل في أفريقيا عن خططه لفتح مكتب عائلي في المدينة، أصبحت “سانتاندير” (Santander) أحدث شركة تعزز من خدماتها المالية في الإمارة.
لكن بينما يؤدي تدفق المغتربين الباحثين عن وظائف برواتب عالية إلى تعزيز اقتصاد المدينة الذي يقترب حجمه من 115 مليار دولار، فإنه يكشف أيضاً عن محدودية البنية التحتية في دبي. المدينة تحتضن الآن 3.8 مليون نسمة، ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى 5.8 مليون بحلول 2040.
هذا النمو سيقرب دبي من معدلات سكان سنغافورة ويشير إلى تحول عن سنوات الجائحة. منذ عام 2020، وصل حوالي 400 ألف شخص إلى دبي، مستفيدين من الضرائب المنخفضة والأمان والقرب من الأسواق الرئيسية.
هذا النمو عزز الاقتصاد وساهم في دفع مؤشر دبي القياسي ليكون من بين الأفضل أداءً عالمياً هذا العام، بقيادة الجهات الحكومية المدعومة مثل “بنك الإمارات دبي الوطني”، ومشغلة البوابات “سالك”، و”هيئة كهرباء ومياه دبي”. ولكن لهذا النمو تكلفة.
أسعار العقارات
العدد الكبير من المتداولين والمحامين والمصرفيين المستعدين لدفع أسعار مرتفعة يساهم في زيادة قيمة العقارات والإيجارات، بينما يزيد من حدة المنافسة على القبول في المدارس. وسائل النقل العامة محدودة، والطرق تغص عادةً بالازدحام المروري، ومع ذلك، فإن دبي لا تزال أفضل من لندن ونيويورك والرياض من حيث الوقت الضائع سنوياً بسبب أزمة حركة المرور، وفقاً لبيانات من “توم توم”.
ترى مونيكا مالك، الخبيرة الاقتصادية الرئيسية في بنك “أبوظبي التجاري”، أن وتيرة النمو ستستمر خلال هذا العقد. وقالت: “نمط الحياة وسهولة ممارسة الأعمال والبيئة المتعلقة بالضرائب الشخصية كلها عوامل تدعم هذا التوسع المستمر، ونتوقع رؤية استثمارات كبيرة لدعم متطلبات العيش في المدينة”.
لدى دبي طموحات لتكون واحدة من أفضل ثلاث مدن في العالم من حيث مستوى المعيشة، وفقاً لمتحدث باسم المكتب الإعلامي لحكومة دبي. يهدف المخطط الحضري للمدينة لعام 2040 إلى جعل دبي أكثر استدامة، بينما تركز “أجندة دبي الاجتماعية 33″، التي أُطلقت هذا العام، على تعزيز التعليم والرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية. من بين مشاريع الإمارة توسيع شبكة المترو بقيمة 5 مليارات دولار وإنشاء شبكة صرف صحي بقيمة 8.2 مليار دولار، وذلك بعد الأمطار الغزيرة التي هطلت في أبريل وغمرت الطرق والمنازل والشركات.
مركز مالي
تتجلى الطفرة الاقتصادية بشكل واضح في المركز المالي بدبي. ارتفع عدد العاملين في مركز دبي المالي العالمي بنسبة 70% خلال السنوات الخمس الماضية، وذلك وفقاً لبيانات من المنطقة الحرة، مع انتقال شركات تحوط مثل “ميلينيوم مانجمنت” (Millennium Management) وبنوك مثل “ستيت ستريت” (State Street) إلى هناك.
يتوقع مركز دبي المالي العالمي تسجيل عدد قياسي من الشركات التي ستباشر أنشطتها هذا العام، ويقوم ببناء ثلاثة أبراج مكتبية جديدة. على مستوى المدينة، ارتفعت نسب إشغال المكاتب لتتجاوز 91% في الربع الثاني، ما يشكل تبايناً حاداً مع ركود العقارات التجارية الذي يشهده العديد من المراكز المالية العالمية.
بدأ التحول خلال فترة الجائحة، حينما استقبلت دبي -مستفيدةً من معدلات التطعيم العالية- الزوار قبل أن ترفع معظم الدول إجراءات الإغلاق. أدى ذلك، بالإضافة لتخفيف متطلبات الحصول على التأشيرات، إلى جذب أصحاب الملايين من قطاع العملات الرقمية ومصرفيين من آسيا ورحّالة رقميين. كذلك أسفر الغزو الروسي لأوكرانيا في 2022 عن تدفق آخر من الوافدين حيث انتقل الروس الأثرياء إلى الإمارة لحماية أصولهم.
ويرى سكوت ليفرمور، كبير الاقتصاديين في “أكسفورد إيكونوميكس ميدل إيست” (Oxford Economics Middle East)، أن النزاعات في الشرق الأوسط وحرب روسيا على أوكرانيا لم تؤثر بشكل كبير في الاقتصاد العالمي كما كان يخشى.
وصرح ليفرمور قائلاً: “هذا صحيح في دول الخليج ودبي، حيث لا يزال النمو قوياً. ويجب أن نتوقع استمرار هذا الاتجاه ما لم يحدث تصعيد كبير في الصراع يجر عدداً أكبر من الدول”.
أسعار المساكن
ساهم تدفق الأفراد إلى دبي في تحرير قطاع العقارات من دورته المعتادة بين الازدهار والركود. ارتفعت قيمة المنازل لمدة 16 ربعاً متتالياً، وقفزت إيجارات الفيلات بنسبة 86% منذ بداية الجائحة، وذلك وفقاً لشركة الاستشارات العقارية “جيه إل إل”.
تجاوزت أسعار العقارات في دبي منذ أوائل 2019 مثيلاتها في لندن وسنغافورة، حسب البيانات التي جمعتها “بلومبرغ”. يستجيب المطورون العقاريون لهذا الطلب المتزايد، حيث من المتوقع أن تشهد السوق حوالي 90 ألف منزل جديد خلال العامين المقبلين.
بعض الوافدين، الذين يجدون أنفسهم غير قادرين على تحمل الأسعار في دبي، يتجهون لاستئجار أو شراء منازل في الشارقة، إحدى الإمارات السبع في دولة الإمارات. شين برين، رئيس مكتب “سافيلز” في الشارقة، لاحظ أن الانتقال من دبي بدا واضحاً في مبنى جديد تديره شركته، حيث إن أكثر من ثلثي الساكنين انتقلوا من دبي.
الازدحام المروري
الأمر السلبي هو زيادة حركة المرور على الطرقات المزدحمة أساساً. مئات الآلاف من العمال ينتقلون إلى دبي من الإمارات المجاورة، بما في ذلك الشارقة، ويمكن أن تزيد مدة القيادة أكثر من الضعف خلال ساعات الذروة.
كما أن المنافسة على المدارس قد ازدادت مع ارتفاع معدلات التسجيل بنسبة 8% حتى الآن في 2024 مقارنة بالعام السابق، وفقاً لجيمس مولين، الشريك المؤسس لموقع “ويتش سكول أدفايزور دوت كوم” (WhichSchoolAdvisor.com). ويجد الوافدون، الذين يشكلون نحو 90% من السكان، أنفسهم فعلياً خارج المدارس الحكومية، ما يدفع الآباء لدفع مبالغ كبيرة من رواتبهم لتغطية مصاريف الدراسة.
وقال مولين: “المدارس الجيدة باتت مكتظة بالفعل وغالباً ما تكون لديها قوائم انتظار طويلة”. ويتوقع افتتاح حوالي 15 مدرسة جديدة خلال السنوات الثلاث المقبلة بالإضافة إلى الـ220مدرسة الموجودة بالفعل، حيث تسعى الشركات لاستغلال تدفق العائلات الوافدة، بحسب قوله.
وجهة سياحية
يرتكز اقتصاد دبي بشكل كبير على السياحة، وهذا القطاع يشهد ازدهاراً ملحوظاً. فقد زار دبي حوالي 10.6 مليون شخص حتى شهر يوليو من هذا العام، ما يشكل زيادة سنوية بنسبة 8%، وفقاً لبيانات دائرة السياحة في المدينة. يدعم هذا النمو مكانة دبي كمركز رئيسي للطيران، حيث يتوقع مطار المدينة استقبال عدد قياسي يبلغ 91.8 مليون مسافر هذا العام.
رغم أن قفزة عدد السكان في دبي -والذي كان يبلغ 40 ألف نسمة فقط في عام 1960ـ قد يشهد تباطؤاً، تسعى الإمارة لجذب المزيد من الاستثمارات والأعمال، وتخطط لتنفيذ مشاريع بقيمة عشرات المليارات من الدولارات لتلبية احتياجات المواطنين والمقيمين والسائحين.
وفقاً لسكوت ليفرمور من “أكسفورد إيكونوميكس ميدل إيست”، قد تتباطأ وتيرة النمو خلال السنوات القليلة القادمة مع نضوج الانتعاش بعد الجائحة. حقق النمو السريع ضغطاً على بعض البنية التحتية في دبي، لكن يبدو أن السلطات لديها خطة للتعامل مع التحديات المترتبة على ذلك”.