اقتصاد كويتي

بريق الذهب لا ينطفيء مع تواصل المستويات القياسية

قبل عشرة أعوام وتحديدًا في الحادي والعشرين من أكتوبر 2014، كان سعر أوقية الذهب حوالي 1250  دولارًا، بناءً على تاريخ أسعار المعدن النفيس من مجلس الذهب العالمي، وبالتالي فإن استثمار مبلغ 1000 دولار في ذلك التاريخ يعني شراء ما يقرب من 0.8 أوقية.

أما بعد مرور عقد زمني، فإن سعر الذهب للتسليم الفوري يزيد عن 2751 دولارًا – وقت كتابة التقرير في الثالث والعشرين من أكتوبر 2024 – أي أن نفس المبلغ ألف دولار يستطيع حاليًا شراء 0.36 أوقية فقط.

كما أنه إذا احتفظ المستثمر بما اشتراه في استثماره الأولي بقيمة الألف دولار، فإن قيمته الحالية ستعادل 2200 دولار – دون حساب تأثير التضخم – وهذا المثال البسيط يوضح سبب اهتمام المحافظ الاستثمارية بالذهب واعتباره أداة تحوط.

تحطيم الأرقام القياسية

يواصل المعدن الأصفر تحطيم الأرقام القياسية بعدما بدأ ارتفاعه هذا العام في أوائل مارس عندما سجل 2160 دولارًا بزيادة 8% عن السعر القياسي السابق المسجل في ديسمبر 2023.

ثم استمر في مساره الصعودي منذ ذلك الحين وحتى الآن، مما حقق مكاسب كبيرة لمن اشتروا الذهب في الأعوام السابقة أو حتى في بداية 2024.

تعد أسعار الذهب  – الأصل المعروف بتحقيق نمو على المدى الطويل وليس القصير – مرتفعة بأكثر من 30% منذ بداية العام الحالي، متجاوزة المكاسب التي سجلها مؤشرا الأسهم الأمريكية “إس أند بي 500″ و”ناسداك” البالغة 23% و28% تقريبًا في نفس الفترة.

عوامل داعمة

يواصل المعدن الارتفاع مع اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية المقرر عقدها في الخامس من نوفمبر، والتي تشكل حالة من عدم اليقين لأن نتائجها بالطبع تؤثر على الأسواق والعالم، وبالتالي يلجأ المستثمرين للمعدن النفيس – الذي يُنظر إليه كأداة تحوط محصنة ضد التلقبات العالمية – كوسيلة لحماية مدخراتهم.

وفسر ذلك “جيم وايكوف” كبير محللي السوق لدى “كيتكو ميتالز” لشبكة “إيه بي سي نيوز” قائلاً: لا يوجد إجماع بين قوى السوق أو الشعب حول المرشح الذي سيفوز بالانتخابات، وهو ما يسبب حالة من عدم اليقين، والتي تحفز الطلب على الذهب كملاذ آمن.

بينما يرى “أولي هانسن” رئيس استراتيجية السلع الأساسية لدى “ساكسو بنك” أنه رغم أن نتيجة الانتخابات الأمريكية لا تزال غير مؤكدة – مع احتدام السباق الرئاسي بين “هاريس” و”ترامب” – إلا أن الذهب والفضة أصبحا محاصرين برهانات فوز الجمهوريين.

إلى جانب أن التدابير الأخيرة التي قدمتها الصين بهدف إنعاش النمو الاقتصادي قد تؤدي إلى تعزيز ثقة المستهلكين والاقتصاد، وبالتالي زيادة الطلب على الذهب في البلاد.

فضلاً عن سعي المستثمرين لحماية أموالهم ومدخراتهم في ظل تصاعد التوترات في الشرق الأوسط والتحوط من عدم اليقين الاقتصادي مما يعزز الطلب على الذهب.

كما من المعلوم أن أسعار الفائدة المرتفعة تجعل الذهب – الذي لا يقدم عائدًا- أقل جاذبية للمستثمرين، لذلك فإن بدء البنوك المركزية الكبرى على رأسها الفيدرالي الأمريكي – الذي خفض الفائدة في سبتمبر للمرة الأولى في أكثر من أربع سنوات –  تخفيف السياسة النقدية قد يدفع المستثمرين إلى سوق الذهب.

تراجع نفوذ الدولار

لكن يرى الخبير الاقتصادي “محمد العريان” حسبما كتب في مقال للرأي لصحيفة “فاينانشال تايمز” أن الغرب بحاجة لإيلاء المزيد من الاهتمام بالمسار الصعودي للذهب.

موضحًا أن الزيادات الأخيرة في أسعاره انفصلت عن العوامل الاقتصادية التقليدية مثل الفائدة والتضخم، وترجع بصورة كبيرة إلى عمل دول مثل الصين على تنويع احتياطاتها بعيدًا عن الدولار.

وأشار إلى ارتفاع سعر أوقية الذهب في الأسواق الدولية من 1947 دولارًا إلى أكثر من 2700 دولار خلال فترة الإثنى عشر شهرًا الماضية، أي بارتفاع 40%، في حين ارتفع مؤشر الأسهم الأمريكية “إس أند بي” بحوالي 35% في نفس الفترة.

كما أوضح رئيس كلية “كوينز” بجامعة كامبريدج أن ذلك الارتفاع اتبع مسارًا خطيًا إلى حد ما رغم التقلبات القوية في الفائدة وعائدات السندات الأمريكية وتراجع التضخم وتحركات العملة الخضراء.

وأضاف أن تعزيز البنوك المركزية لمشترياتها من الذهب يعكس فقدانًا أوسع نطاقًا للثقة في قيادة الولايات المتحدة للنظام العالمي، بما يشمل استخدام التعريفات الجمركية والعقوبات.

وحذر من أن ذلك قد يؤدي إلى تفتت النظام العالمي بشكل ملموس وتآكل النفوذ الدولي للدولار والنظام المالي الأمريكي، ونصح الحكومات الغربية بمراقبة هذا الوضع المتطور عن كثب بسبب تداعياته على الأمن القومي والاستقرار الاقتصادي العالمي.

مشتريات البنوك المركزية

أقبلت البنوك المركزية على شراء الذهب في السنوات الأخيرة  وتحديدًا منذ عام 2022 عند غزو أوكرانيا، سعيًا من بعض الدول على رأسها الصين لتقليل اعتمادها على الدولار في ظل التوترات بين البلدين.

سجل صافي مشتريات البنوك المركزية 483.33 طن في النصف الأول من العام الحالي متجاوزًا المستوى القياسي السابق البالغ 460 طنًا المسجل في نفس الفترة من 2023، وذلك حسب بيانات مجلس الذهب العالمي حتى الثلاثين من يونيو 2024.

وذلك رغم تباطؤ عمليات شراء الذهب من قبل البنوك المركزية بشكل حاد في الربع الثاني إلى 183 طنًا – بعد البداية القياسية للعام – بعدما أوقف البنك المركزي الصيني مشترياته من المعدن الأصفر على مدى الأشهر الخمسة الماضية، لكنه أيضًا لم يظهر أي علامات على بيع الاحتياطات بعد.

مشتريات البنوك المركزية

العام

صافي المشتريات
(طن)

2024 (النصف الأول من العام فقط)

485.33

2023

1037.38

2022

1081.88

2021

450.11

تأثير ترامب على الذهب

صرح الرئيس الأمريكي السابق “ترامب” في مقابلة أجريت معه في يوليو من أن الدولار القوي يمثل مشكلة كبيرة وعبء هائل على الشركات المحلية، مما يعكس رغبته في إضعاف العملة.

لكن الأجندة الاقتصادية التي قدمها المرشح الجمهوري ويخطط لتنفيذها حال عودته للبيت الأبيض مرة أخرى بدأت بالفعل في دعم الدولار وليس إضعافه.

وبالتالي ربما ساهمت احتمالية فوز “ترامب” بمنصب الرئيس في انتخابات نوفمبر المقبل في الارتفاعات القياسية لأسعار الذهب.

كما يحذر بعض الخبراء من أن مقترحات “ترامب” التي تشمل رفع الرسوم الجمركية على الواردات ستؤدي إلى ارتفاع التضخم، وبالتالي فإن ذلك يدفع المستثمرين للمزيد من شراء الذهب باعتباره ملاذ آمن.

وهو ما أكده الملياردير “بول تيودور جونز”  الذي نصح بشراء الذهب – إلى جانب البيتكوين والسلع الأساسية الأخرى” لأنه يرى أنه سواء أسفرت الانتخابات الأمريكية عن فوز “ترامب” أو منافسته الديمقراطية “هاريس” فإن التضخم سيرتفع.

هل يستمر الارتفاع طويلاً؟

يرى بعض المحللين والخبراء أن الذهب قد يصل إلى 3000 دولار للأوقية بحلول نهاية هذا العام أو بعد ذلك بفترة وجيزة بدعم من طلب البنوك المركزية، ومحدودية المعروض، والتوسع في الاستخدام الصناعي للمعدن والتحوط ضد عدم اليقين الاقتصادي، والتوترات الجيوسياسية، والصراع في الشرق الأوسط.

وهو ما قد  يجعل الاستمرار في الاستثمار في الذهب منطقيًا حاليًا مع تداول الأسعار عند أعلى مستويات في تاريخها، رغم القاعدة الاستثمارية الذهبية التي تنص على: اشتر عند انخفاض الأسعار وبع عند ارتفاعها.

يتوقع مجلس الذهب العالمي تسجيل المعدن متوسط عائد سنوي أعلى من 5% في الفترة من العام الحالي وحتى 2040، بعدما بلغ متوسط عائد الاستثمار فيه خلال الخمسين عامًا الممتدة من 1971 حتى 2023 مستوى 8%.

أما “مايكل ويدمر” محلل السلع الأساسية لدى “بنك أوف أمريكا” فيتوقع وصول سعر الذهب إلى 3 آلاف دولار للأوقية بحلول النصف الأول من عام 2025، في ظل ارتفاع مستويات الديون الأمريكية وعدم اليقين بشأن الاقتصاد الكلي.

كما رفع محللو “سيتي جروب” توقعاتهم لأسعار الذهب للأشهر الثلاثة المقبلة بنسبة 3.7% إلى 2800 دولار للأوقية، مع توقعات بارتفاع الطلب مع المزيد من التدهور في سوق العمل الأمريكي.

وذكر “بول وونغ” استراتيجي السوق لدى شركة إدارة الأصول “سبروت” أن الذهب يمر بمرحلة صعودية جديدة، بدعم من عدة عوامل، ويتوقع أنه مع زيادة الديون قد تلجأ الحكومات لطباعة النقود لمعالجة العجز المالي، وبالتالي تنخفض قيمة العملة.

ونظرًا لأن تآكل الثقة في العملة الورقية يعزز جاذبية الذهب كمخزن موثوق للقيمة فقد يشهد المزيد من الارتفاع.

ويتوقع “فيفيك دار” من “كومنولث بنك أوف أستراليا” وصول متوسط السعر إلى 2800 دولار في الربع السنوي الحالي، وإلى 3000 دولار للأوقية في الربع الرابع من العام المقبل نتيجة الضعف المستمر في الدولار.

وبالتالي فرغم مواصلة تحقيق الأرقام القياسية إلا أنه جاذبية الذهب قد تزداد بريقًا في ظل عالم يشوبه الكثير من عدم اليقين مما يساعد المعدن النفيس على الحفاظ على مكانته الفريدة في عالم الاستثمار سواء في صورة سبائك أو مجوهرات، أو عملات ذهبية أو صناديق استثمار متداولة أو غيرها.

المصادر: أرقام – مجلس الذهب العالمي – إيه بي سي نيوز – سي بي إس نيوز – فاينانشال تايمز – بنزينجا –  التليجراف- سي إن بي سي

Show More

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button