مختارات اقتصاديةمنوعات اقتصادية

هبوط اضطراري لأيقونة الصناعة الأمريكية

كانت بوينج بمثابة أيقونة الصناعة الأمريكية ورمزًا لقوتها وجودتها لفترة طويلة من الزمن، لكنها مُنيت في السنوات الأخيرة بسلسلة من الأزمات والعثرات والتحقيقات التي أضرت بسمعتها وأدت لتآكل ثقة عملائها.

 ما دفع “بوينج” لحافة الانهيار ولم يعد بيع بعض الأصول لتعزيز وضعها المالي أو حتى إفلاسها أمرًا لا يمكن تصوره.

ولم تكن صانعة الطائرات الأمريكية فريسة للمنافسة الأجنبية، لكنها كانت ضحية لأخطائها وإعطاء الأولوية للأداء المالي على التميز الهندسي، إذ اعتقدت أن إضافة محرك أكثر كفاءة لطائرتها الأكثر مبيعًا 737 بمساعدة برنامج سيكون أقل تكلفة وأسرع من إعادة تصميم الطائرة بالكامل أو استبدالها، ما ساهم في وقوع حادثين قاتلين.

إلى جانب مساهمة الاستعانة بمصادر خارجية لسلسلة التوريد ومغادرة عمال الماكينات ذوي الخبرة خلال الوباء في حدوث مشاكل في الجودة.

وبعد أزمات السلامة البارزة والمشاكل التشغيلية، حدد مديرها التنفيذي “كيلي أورتبيرج” تآكل الثقة وزيادة الديون والثغرات الخطيرة في الأداء التي خيبت آمال العملاء، باعتبارها التحديات الرئيسية التي تواجهها “بوينج”.

وأضاف “أورتبرج” في رسالة للموظفين: هذه سفينة كبيرة ستستغرق بعض الوقت حتى تحول مسارها، ولكن عندما يحدث ذلك، فإن لديها القدرة على أن تكون عظيمة مجددًا، وبينما أشار إلى الفرص المحتملة أمام الشركة مع تراكم هائل للطلبات إلا أنه أوضح أن التعامل مع مشاكلها الحالية يتطلب إصلاحًا شاملاً.

الإضراب وتفاقم المشاكل

تضخمت الخسائر الفصلية -في الأشهر الثلاثة المنتهية في الثلاثين من سبتمبر- إلى ما يقرب من 6 مليارات دولار، وسط إضراب شامل لأكثر من 30 ألف موظف والذي بدأ في الثالث عشر من سبتمبر، ما أدى إلى توقف إنتاج طائرات “737ماكس” و767، و777، ما عزز الضغط على مواردها الضعيفة بالفعل.

وتم تقديم اقتراح من قبل الشركة بزيادة الأجور بنسبة 35% على مدى أربع سنوات، لكن تعرضت “بوينج” لضربة إضافية عندما أعلن اتحاد عمال الماكينات والطيران الدولي “آي إيه إم” -الذي يمثل عمال ماكينات الشركة- أن 64% من أعضائه صوتوا ضد الصفقة المقترحة.

وقال ممثلو النقابات في بيان: “بعد 10 سنوات من التضحيات لا يزال أمامنا فرصة للتعويض ونأمل في ذلك من خلال استئناف المفاوضات على الفور”، وهذه هي المرة الثانية التي يرفض فيها العمال المضربون صفقة مقترحة في تصويت رسمي، إذ تم رفض العرض السابق في سبتمبر من قبل 95% من العمال.

كما أنه بسبب الإضراب لن تتمكن “بوينج”من تسليم كافة طائراتها في موعدها وهو ما يضر بشركات الطيران وربما يكون له تأثير متواضع على عدد المقاعد المتاحة وخاصة الرحلات الداخلية في الولايات المتحدة.

وحسب وكالة التصنيف الائتماني “ستاندرد أند بورز” فإن الإضراب يضيف مليار دولار من الخسائر شهريًا للشركة، إذ حرم بوينج المثقلة بالديون من الأموال التي تحتاجها بشدة والتي تحصل عليها من تسليم طائرات جديدة لشركات الطيران بما في ذلك “لوفتهانزا” و”يونايتد إيرلاينز”.

وبالتالي فإن هذا الإضراب المستمر والمطول وحالة الجمود الحالية تشكل تحديًا كبيرًا لـ “أورتبرج” -الذي وعد بتحسين العلاقات مع عمال المصانع منذ توليه منصبه في أغسطس- ويضيف طبقة من عدم اليقين بشأن خطط التعافي المالي للشركة وجهود الإصلاح التي تبذلها.

بوينج من أزمة لأخرى

لكن تعود مشاكل صانعة الطائرات الأمريكية عندما نزفت أموالاً على مدار أكثر من خمس سنوات، وتحديدًا منذ أواخر 2018 وأوائل 2019 عندما أدت حادثتان لطائرة “737 ماكس” إلى مقتل 346 شخصًا وأدت إلى إيقاف تشغيل تلك الطائرة الأكثر مبيعًا بالنسبة للشركة لمدة 20 شهرًا.

وتأتي أزمتها الحالية مع العاملين خلال عام صعب على الشركة بالفعل، إذ أصبحت محور تحقيقات فيدرالية أمريكية متعددة، بعدما اضطرت طائرة طراز “737 ماكس 9” التابعة لشركة “آلاسكا إيرلاينز” في يناير للهبوط اضطراريًا عندما اقتلع جزء من بابها أثناء التحليق جوًا.

ومنذ ذلك الحين غادر مديرها التنفيذي الشركة وعُين “أورتبرج” خلفًا له، وتباطأ إنتاجها مع قيام الجهات التنظيمية بالتحقيق في ثقافة السلامة، ثم أضرب عامليها عن العمل، مع وسع الفجوة بينها وبين منافستها الأوروبية “إيرباص”.

مقارنة بين بوينج وإيرباص

النقطة

بوينج

إيرباص

تسليمات الطائرات التجارية في سبتمبر 2024

33

50

إجمالي تسليمات العام الحالي حتى الآن

291

497

إجمالي الطلبات لسبتمبر 2024

65

235

إجمالي الطلبات للعام الحالي حتى الآن

315

667

كما عانت أعمالها المتعلقة بالفضاء ضربة سمعة بعدما اضطرت المركبة الفضائية “ستار لاينر” التي صنعتها “بوينج” للعودة إلى الأرض في سبتمبر دون أن تحمل رائدي الفضاء اللذين نقلتهما لمحطة الفضاء الدولية.

تأثيرها على الاقتصاد الأمريكي

تراجعت القيمة السوقية الإجمالية للشركة في السنوات الخمس الماضية إلى النصف، وهذا لا يمثل محنة للمساهمين في الشركة فقط بل للاقتصاد الأمريكي ككل.

بوينج – هي أكبر مُصدر في الولايات المتحدة – وبالتالي فإن مشاكلها المالية تؤثر سلبًا على الاقتصاد الأكبر في العالم، إذ تقدر مساهمتها السنوية في الاقتصاد بحوالي 79 مليار دولار، وتدعم 1.6 مليون وظيفة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.

إلى جانب تأثير مشكلاتها المالية والإضراب على الموردين لها، حيث لديها عشرة آلاف مورد في أنحاء البلاد، وحسب تحليل مجموعة “أندرسون” الاقتصادية فإن الخسائر التي تكبدها موظفو الشركة والمضربون والموردون والشركة نفسها فضلاً عن الحكومات المحلية بلغت 5 مليارات دولار في الشهر الأول من الإضراب.

هل يمكن لبوينج التحليق مرة أخرى؟

وبعدما خيبت الثغرات الحرجة في أداء الشركة آمال العملاء وأدت لتآكل ثقة العامة، أكد “أورتبرج” على الحاجة لمنع تفاقم  المشكلات والعمل معًا بشكل أفضل، وأعرب عن مخاوفه بشأن ثقافة “بوينج” موضحًا أن على قادتها التواجد في المصانع، والورش وفي مختبرات الهندسة.

لكن تسوية الإضراب المُنهك والتوصل لاتفاق، لن تكون سوى بداية فقط لطريق طويل يستلزم على الشركة قطعه بما يشمل تحقيق استقرار أعمالها وتحسين تنفيذ برامج التطوير.

وستكون المهمة الأولى بعد ذلك هي إعادة تشغيل المصانع وتنشيط سلسلة التوريد، لكن حذر “أورتبرج” المستثمرين من أن إعادة تشغيل مصانع الشركة -عند انتهاء الإضراب- سيكون أمرًا صعبًا، لأن التشغيل أصعب بكثير مقارنة بالإيقاف،  لكن لدى “بوينج” خطة مفصلة للعودة للعمل.

كما يتعين على “أوتبرج” أيضًا أن يقرر ما إذا كانت ستمضي الشركة قدمًا في تصنيع طائرة “بوينج” الجديدة متوسطة المدى التي خططت لها منذ فترة طويلة والتي أطلقت عليها اسم “797” بتكلفة تطوير تقدر عند 50 مليار دولار.

وذكر “أورتبرج” أن “بوينج” في الوقت المناسب في المستقبل تحتاج لتطوير طائرة جديدة لكن هناك الكثير من العمل الذي يتعين عليها القيام به قبل ذلك.

ومؤخرًا أفادت صحيفة “وول ستريت جورنال” بأن الشركة تستكشف بيع أصول في محاولة لتعزيز وضعها المالي الهش عن طريق التخلص من وحداتها غير الأساسية والتي تعاني ضعف الأداء.

وأوضحت الصحيفة عن مصادر على دراية بالأمر أن صانعة الطائرات توصلت لاتفاق للتخلص من وحدة دفاعية صغيرة تصنع معدات مراقبة للجيش الأمريكي.

ومؤخرًا، أعلنت الشركة خطط شاملة لتقليص حجمها من خلال خفض 17 ألف وظيفة أو 10% من قوتها العاملة حول العالم، بهدف تقليل التكاليف، وتأخير أول تسليم لطائرة “777 إكس” لمدة عام واحد.

كما تتطلع لجمع ما يصل إلى 25 مليار دولار لمساعدتها على تجاوز العاصفة الحالية من خلال الاقتراض الإضافي إلى جانب بيع الأسهم والديون.

لكن التصنيف الائتماني للشركة في خطر إذ قد يهبط للمستوى الخردة غير الاستثماري وفي هذه الحالة يزيد المشاكل المالية عن طريق رفع تكلفة الاقتراض، وزيادة خطر التخلف عن السداد وربما الإفلاس.

وحتى إذا اضطرت “بوينج” لإعلان إفلاسها فهذا لا يعني نهايتها، لأنها قد تستخدم عملية الإفلاس للتخلص من بعض ديونها، وهو مصير واجهته شركات كبرى أخرى منها “جنرال موتورز”.

وذلك لأن “بوينج” و”إيرباص” هما الوحيدتان اللتان تصنعان الطائرات ذات الحجم الكامل، وبالتالي فإن استمراريتهما ونجاحهما أمر حيوي لصناعة الطيران العالمية.

المصادر: أرقام – وول ستريت جورنال –  رويترز – بي بي سي –  سي إن إن –موقع “فايت بلان”.

Show More

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button