انتبه من فضلك .. إشارات السوق ودقتها عن انهيار الشركات
يفاجأ كثيرون بانهيار حاد يحدث لإحدى الشركات، أو حتى إفلاسها أو خروجها تدريجيًا من إطار المنافسة لتتحول إلى شركة هامشية بعد أن كانت شركة ذات صيت ونجاح واسع، لتظهر العديد من التكهنات حول أسباب هذا التراجع الحاد أو “الانهيار” وعما إذا كان له مقدمات كان يمكن رصدها ولم يرها كثيرون.
ويمكن القول إن سوق الأسهم كثيرًا ما يكتشف “علامات” تراجع الشركات وانحدارها قبل أن تظهر للعامة، وذلك لاهتمام المتعاملين في سوق الأسهم بما يلي:
تحليل البيانات المالية: يستخدم المحللون تقنيات متقدمة لتحليل البيانات المالية للشركات. أي انخفاض حاد في الأرباح، أو زيادة كبيرة في الديون، أو تراجع في التدفقات النقدية، كلها مؤشرات قد تدل على مشاكل عميقة داخل الشركة.
تقييم أداء الشركة: يتم تقييم أداء الشركة مقارنة بقطاعها وبالشركات المنافسة. إذا كان أداء شركة ما أسوأ بكثير من نظيراتها، فقد يكون ذلك مؤشراً على مشاكل جوهرية.
تقييم المخاطر: يتم تقييم المخاطر التي تواجه الشركة، سواء كانت مخاطر اقتصادية أو صناعية أو حتى تنظيمية.
تحليل السيولة: يتم تقييم قدرة الشركة على سداد ديونها والتزاماتها المالية الأخرى.
تحليل مضاعف الربحية: إذا كان الرقم مرتفعًا جدًا، فقد يكون ذلك مؤشراً على أن السوق يتوقع نموًا كبيرًا في المستقبل، ولكن إذا لم يتحقق هذا النمو، فقد ينخفض سعر السهم بشكل حاد.
نتائج خادعة أحيانًا
وعلى الرغم من هذه التحليلات التي غالبًا ما تعطي نتائج “مبكرة” لحالة أو وضع الشركات، إلا أن سوق الأسهم قد يعطي إشارات خادعة في بعض الأحيان لمستقبل شركة أو عدة شركات، حيث تخطى مؤشر “ناسداك” للشركات التكنولوجية مستوى 16 ألف نقطة (وهو مستوى قياسي وقتها) في نوفمبر 2021، وقتما انخرط العديد من غير المتخصصين في سوق الأسهم.
إلا أن المؤشر عاد بعدها ليسجل مستويات تقل عن 10.2 ألف نقطة في ديسمبر 2022 بما يعني أنه فقد قرابة 37% من قيمته خلال13 شهرًا، قبل أن يعاود الارتفاع إلى مستوى 18.5 ألف نقطة تقريبًا في إغلاق يوم 18 أكتوبر 2024، أي أنه تخطى المستويات القياسية السابقة وحقق أخرى جديدة، وذلك على الرغم من خروج الكثير من رؤوس الأموال “المبتدئة” من السوق.
ففي المرة الأولى لم يقدم أداء سوق الأسهم مؤشرات واضحة عن أداء شركات مثل “ميتا” و”أبل” و”ألفابت” و”إنفيديا” وغيرها، ولكنه قدم مؤشرات مضللة في هذا الشأن، لا سيما مع وصول أسعار الكثير من الأسهم إلى مستويات ارتفع فيها مضاعف الربحية عن 100 وهو رقم كبير للغاية، ويعكس أن الرهانات في السوق لم تكن مبررة.
أما في المرة الثانية فقد كان هناك نهج أساسي واضح لصعود المؤشر وشركاته، ويتعلق بالأساس بالذكاء الاصطناعي، فمع أي تقدم وتقارير إيجابية ولو من شركة واحدة يرتفع السوق، وعندما تأتي التقارير سلبية -خاصة مع شركات محورية في المجال مثل “ميتا”- ينخفض السوق بالكامل، حتى أن البعض بدأ يشير إلى أن أسهم “ألفابت” تتأثر بإخفاقات الشركات الأخرى المنخرطة بشدة في عالم الذكاء الاصطناعي.
فمن ضمن المؤشرات الواضحة على تذبذب أداء شركة والشك حول مستقبلها وجود تقلبات سعرية شديدة في سعر السهم، فعلى الرغم من أن سهم “ميتا” ارتفع في الفترة بين أكتوبر 2019 وأكتوبر 2024 -أي خلال الخمس سنوات الأخيرة- بنسبة 210% إلا أن السهم أيضًا شهد حالة الانخفاض الأكبر في القيمة السوقية لشركة أمريكية في يوم 3 فبراير 2021 بخسارة الشركة لـ233 مليار دولار من قيمتها السوقية.
ويعكس التقلب الشديد في سعر سهم “ميتا” تخوفًا حول مستقبلها، فالشركة دخلت في العديد من المجالات في الوقت نفسه، فمن الذكاء الاصطناعي، إلى عالم “ميتا” الافتراضي”، إلى تصنيع نظارات العالم الافتراضي، إلى مجالها الرئيس كشركة لشبكات التواصل الاجتماعي، وخسارتها لرهاناتها في أي من تلك المجالات قد يكون لذلك آثار كبيرة على الشركة بما يبرر تذبذب سعرها سوقيًا ويحذر من مستقبل غير مؤكد.
إشارات المتداولين
كما أن الإشارات التي تصدر من بعد أكثر المتداولين خبرة في السوق قد تكون خاطئة، ومن ذلك شراء “وارين بافت” لأسهم “كونوكو فيليبس” عام 2008 بسعر سهم يقترب من 70 دولارًا للسهم، وذلك وسط صعود سعر برميل البترول لـ100 دولار والتوقعات باستمرار هذا الارتفاع، غير أن التعثرات المالية والمخاوف الاقتصادية أدت لتراجع سعر النفط بشكل حاد لاحقًا.
غير أن “بافت” اضطر لبيع السهم نفسه بعد أقل من عام بنصف السعر تقريبًا بما شكلت واحدة من أكبر الخسائر التي تكبدها المتداول الأشهر في “وول ستريت”، وبلغ سعر السهم في منتصف أكتوبر 2024 حوالي 105 دولارات أي أنه إذا احتفظ “بافت” بالسهم لـ16 عامًا كان ليحقق عائدًا في حدود 50% فحسب بما يؤكد أن قرار الشراء لم يكن موفقًا سواء احتفظ بالسهم أو باعه.
وعلى الرغم من أن شراء “بافت” لسهم الشركة كان خادعًا، فإن بيعه لأسهمها كان مؤكدًا على فترة من انعدام الوزن والخسائر أو الأرباح الهامشية التي استمرت الشركة في تحقيقها حتى منتصف 2014، بل إنها عادت بعدها لدوامة الخسائر والنتائج المخيبة حتى عام 2021، أي أن بيع الأسهم كان مؤشرًا حقيقيًا عن الحالة السيئة التي تعيشها و”ستعيشها” الشركة.
لماذا تنكشف الشركات وقيمتها؟
ويرجع كشف سوق الأسهم للشركات المزدهرة من غيرها إلى حقيقة أن المتداولين الكبار عادة ما يسألون أنفسهم سؤالًا محوريًا لدى تقييمهم لسهم يحوزونه “لماذا اشتريت هذا السهم؟ وهل لا تزال الأسباب التي اشتريت من أجلها هذا السهم قائمة؟ وعندما تختفي هذه الأسباب سواء بوجود منافسة جديدة أو تراجع إيرادات أو سبب آخر يلجأون لبيع الأسهم فينخفض سعره فيقدم ذلك مؤشرًا على معاناة الشركة.
ومن أهم العوامل التي تشير إلى أن الشركة تتراجع وفي سبيلها للفشل حجم التداول لأسهم الشركة، فلطالما كانت شركة “نوكيا” مثالاً صارخًا على تبعات التخلف عن ركب التطور، وانعكس هذا التراجع واضحًا على أداء سهم الشركة، حيث شهدت الفترة بين 2000 و2001 تداولًا مكثفًا غير مسبوق تزامنًا مع هبوط حاد في سعر السهم من 62 يورو إلى نحو 14 يورو.
وزاد حجم التداول في تلك الفترة بنسبة كبيرة -بين 70% و140%- مقارنة بالعام السابق، ويعود ذلك إلى عدة عوامل أثرت على ثقة المستثمرين، منها ظهور منافسين أقوياء، وتأثر القطاع التكنولوجي بفقاعة “دوت كوم”.
وتكرر هذا السيناريو مع “نوكيا” مرة أخرى بين عامي 2008 و2009، حيث شهدت الشركة زيادة قياسية في حجم التداول بالتزامن مع هبوط حاد في سعر سهمها من فوق 26 يورو إلى أقل من 9 يوروات.
في كلا الحالتين، يشير الارتفاع الكبير في حجم التداول إلى حالة من عدم الاستقرار وعدم الثقة في سهم الشركة.
فالتذبذب المستمر بين فترات هبوط سريعة وأخرى بطيئة يعكس حالة من الهلع والتشكك لدى المستثمرين، مما يدفعهم إلى البيع المكثف.
وبالفعل، استمر سعر سهم نوكيا في الانخفاض على المدى الطويل، كما يتضح من سعره الحالي الذي لا يزال دون 5 يوروات في أكتوبر 2024.
وبشكل عام فإن هناك أسبابًا تؤدي لمؤشرات خادعة من سوق الأسهم من بينها العامل النفسي، حيث يلعب العامل النفسي دورًا كبيرًا في سوق الأسهم، ويمكن أن يؤدي إلى تقلبات كبيرة في أسعار الأسهم حتى بدون وجود أسباب اقتصادية جوهرية، كما أن انهيار الشركات العامة بشكل كامل أمر لا يتكرر كثيرًا فقد تنكمش أو تخسر لكنها تبقى على قيد الحياة، كما يجب ملاحظة أن السوق غالبا ما يكون “دفاعيًا” أي أنه يتجنب المخاطر المحتملة وليست الواقعة.
كما أن سوق الأسهم يقوم بالربط بين الشركات والقطاعات وبعضها بشكل أسرع، ومن ذلك ما كشفت عنه دراسة للسوق الصينية وكذلك الكورية بأن الشركات التي تعمل على توفير احتياجات “تسلا” من بطاريات ولدائن وغير ذلك، تعاني من ارتباط أسعار أسهمها بسعر عملاق السيارات الكهربائية الأمريكية، فإذا انخفض سعر سهم “تسلا” 1% فإن أسعار تلك الشركات تنخفض بنسبة 1.5%، وبالتالي فإن أي كبوة كبيرة لـ”تسلا” تعني معاناة أكبر لتلك الشركات.
المصادر: أرقام- كتاب “ Wisdom on Value Investing: How to Profit on Fallen Angels“- وول ستريت جورنال- الإيكونوميست- بنك ريت