في ظل اقتصاد الحرب .. الزبدة أحدث رمز لأزمة التضخم في روسيا
تُبرز سرقات عبوات الزبدة مع ارتفاع أسعارها مدى إعطاء “فلاديمير بوتين” الأولوية للإنفاق الدفاعي لتمويل حربه في أوكرانيا على حماية الضروريات اليومية للمواطنين من تأثير العقوبات الغربية.
وأصبح الاقتصاد يعاني بالفعل من التضخم ونقص السلع، على الرغم من تصريح الرئيس من قبل أن اقتصاد الحرب متوازن بشكل جيد لتوفير كل من الأسلحة والزبدة.
وأصبحت السلطات الروسية حاليًا تراقب الوضع عن كثب الوضع في ظل جهودها لمحاولة ضمان عدم تأثير الحرب في أوكرانيا على الحياة اليومية للمواطنين.
الروس يعانون من نقص الزبدة
ارتفع سعر عبوة الزبدة بنسبة 25.7% منذ ديسمبر الماضي، حسب بيانات خدمة الإحصاء الحكومية، في ظل تشويه التضخم المتصاعد للاقتصاد البالغ 8.6%.
ووفقًا لما ذكره مراسلو “رويترز”، فإن فواتير التسوق أظهرت أن سعر عبوة زبدة “بريست ليتوفسك” عالية الجودة في موسكو قفز 34% منذ بداية العام إلى 239.96 روبل (2.44 دولار أمريكي).
وحذر خبراء اقتصاد على قناة “إم إم آي تليجرام” الشهيرة في روسيا من أن أزمة الزبدة تتصاعد، ولن يكون الأمر مفاجئًا إذا كررت الزبدة ما حدث العام الماضي مع البيض، في إشارة إلى قفزة الأسعار التي أثارت قلق المستهلكين.
وقبل عام قدم “بوتين” اعتذارًا عامًا نادرًا بعد احتجاجات على سعر البيض الذي ارتفع بأكثر من 50% منذ غزو روسيا لأوكرانيا، وبالتالي فإن أسعار الزبدة المرتفعة قد تتحول إلى صداع جديد للرئيس.
ومع الارتفاع الحاد للأسعار، ظهرت موجة من حالات سرقات الزبدة في بعض المتاجر الكبرى، حسبما ذكرت وسائل الإعلام الروسية، ولجأ بعض تجار التجزئة إلى وضع عبوات الزبدة داخل حاويات بلاستيكية مغلقة لردع السرقة.
وأوضحت لقطات أمنية في مدينة يكاترينبورغ ملثمين يتسللان لمتجر ألبان، وبينما كان أحدهما يسرق صندوق النقود، سرق الآخر 20 كيلوجرامًا من الزبدة.
تأثير العقوبات الغربية
روسيا – التي يزيد عدد سكانها على 140 مليون نسمة – منتج زراعي عالمي رئيسي، لكنها تعتمد على الواردات في بعض المنتجات الحيوية منها الدجاج والفواكه المختلفة.
أشارت وكالات الأنباء إلى أن ربع استهلاك الزبدة في روسيا يأتي من الخارج، ورغم ذلك فإنه منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022 قام العديد من المصادر التقليدية بما في ذلك نيوزيلندا وأمريكا اللاتينية بوقف شحنات الزبدة.
وذلك إما في خطوات هادفة لمعاقبة روسيا، أو بسبب تأثير العقوبات على المدفوعات والخدمات اللوجستية.
انخفضت واردات الزبدة من أمريكا اللاتينية إلى 2800 طن هذا العام، مقارنة مع 25 ألف طن قبل عقد زمني، وفقًا لبيانات الهيئة التنظيمية الزراعية “روسيلخوزنادزور”.
وألقت الهيئة باللوم على العقوبات الغربية، موضحة أن ركود الواردات ربما يكون مرتبطًا بمشكلات النقل والخدمات اللوجستية والعقوبات والافتقار إلى الاتفاقيات بين الشركات.
وذكرت وسائل الإعلام المحلية أن واردات الزبدة من بيلاروسيا – التي تعد أكبر مورد للزبدة للبلاد وارتفعت صادراتها بنسبة 9% هذا العام إلى 110 آلاف طن – ليست كافية.
تعمل روسيا على الوصول إلى سبل جديدة للإمدادات لتعويض النقص وضمان توافر السلعة في سوقها المحلية للتعويض عن عزلتها عن الغرب، وبدأت بالفعل في أكتوبر استيراد الزبدة من الإمارات وتركيا.
وفي الثالث والعشرين من أكتوبر، ذكر “ديمتري باتروشيف” نائب رئيس الوزراء المسؤول عن الزراعة أن الحكومة ستراقب أسعار الزبدة، والتقى مع كبار منتجي الألبان وتجار التجزئة، وأوضح أنه يتم تكثيف الواردات.
في حين ألقت منظمة “سويزومولوكو” التي تمثل منتجي الألبان في روسيا باللوم في تلك الأزمة على ارتفاع تكاليف الإنتاج، إلى جانب زيادة الطلب على الآيس كريم والجبن في رفع أسعار الزبدة.
وذلك لأن المنتجين يستخدمون نفس المواد لصنع هذه المنتجات كما يفعلون في صنع الزبدة، وهو ما دفع الأسعار للارتفاع.
لكن الأزمة لا تقتصر على الزبدة
لا يتعلق الأمر بالزبدة فقط، لأن أسعار سلع أخرى ترتفع أيضًا منها البطاطس 50% والثوم 30%، وحتى أسعار السيارات قفزت بأكثر من 40%، بناءً على بيانات البنك المركزي.
ذكر البنك المركزي الروسي في تقرير عن أسعار المستهلكين: استمرت أسعار منتجات الألبان وخاصة الزبدة في الارتفاع بشكل أسرع في سبتمبر، واستمرت ضغوط التكلفة المتزايدة في الانتقال إلى أسعار هذه الفئة من السلع.
كما حذر من الأسعار قد تواصل الارتفاع، مع توقع تراوح معدل التضخم بين 8% و8.5% هذا العام، أي ضعف مستهدفه البالغ 4%.
ورفع البنك الفائدة إلى 21% في أكتوبر، مسجلة أعلى مستوياتها منذ عام 2003، وأشار إلى إمكانية تشديد السياسة النقدية في المستقبل مع مواجهة صانعي السياسات للتضخم المستمر.
وذكرت رئيسة البنك “إلفيرا نابيولينا” للبرلمان أن ارتفاع التضخم المستمر هو إشارة إلى أن الطلب تجاوز بصورة كبيرة القدرة الإنتاجية للاقتصاد، وأضافت أن في بعض القطاعات، لم يتبق أي معدات خاملة تقريبًا بما يشمل الآلات القديمة.
وذلك بالتزامن مع الإنفاق الدفاعي الباهظ وتراجع العائدات من صادرات السلع الروسية وصعوبات تحويل الروبل، والضغوط الأمريكية.
من المتوقع أن تنفق روسيا 140 مليار دولار على صناعتها الدفاعية هذا العام، وما يصل إلى 145 مليار دولار في العام المقبل أو 6.3% من ناتجها المحلي الإجمالي.
وقد يعني ذلك المزيد من الضغط على الاقتصاد والمستهلكين، ويثير مخاوف من عودة روسيا لمعدلات التضخم المرتفعة المسجلة في 2022 أو ربما الركود.
المصادر: موسكو تايمز – رويترز – تيليجراف – فاينانشيال تايمز – بلومبرج