ستة مفاتيح للتغيير الكبير وقيادة المستقبل
كتب أسامة صالح
في عصر التحولات السريعة، يواجه القادة تحديات غير مسبوقة في مجالات الأعمال والقوى العاملة والتكنولوجيا. لكن السؤال يبقى: هل نبذل جهودًا كافية لبناء مستقبل مرن وجريء؟ كخبير عالمي في مستقبل القيادة ومؤلف “Thinkers50″، أكشف لكم عن ستة محركات رئيسية للتغيير، وأوضح لماذا يعد تجنب المخاطرة في حد ذاته مخاطرة كبيرة في هذه الأوقات المضطربة.
إن قدرتنا على تحويل هذه المحركات إلى فرص تعتمد على عقليتنا وخياراتنا وافتراضاتنا. حان الوقت لتحطيم الفكرة القائلة بأن القادة هم حماة الوضع الراهن؛ بل هم في الحقيقة من يتحدونه. أؤمن أن تغيير المنظور يعادل 100 نقطة ذكاء، لأن تصوراتنا الحالية مبنية على افتراضات الماضي. وكما قال الفيلسوف يو كوي: “لاستعادة المستقبل، علينا تعزيز علاقتنا بالمجهول.”
كل عمل ناجح يبدأ بالتغيير، لكن الحفاظ على الحيوية على المدى الطويل يتطلب إعادة تصور جذرية – وهي القوة البشرية التي تدفعنا عبر المجهول نحو مستقبل أكثر جرأة. فالسياقات الجديدة تتطلب رؤى مبتكرة.
قيادة المستقبل.. هناك ستة اتجاهات كبرى ستعيد تشكيل كل قطاع خلال السنوات الخمس المقبلة.
والسؤال الذي يجب أن يطرحه القادة على أنفسهم هو: “هل ستكتفي بمراقبة العالم وهو يتغير من حولك، أم ستكون أنت من يكتشف الجانب الإيجابي في هذا التغيير؟”
1- الذكاء الاصطناعي التوليدي
لقد وصلت الحوسبة فائقة السرعة والذكاء الاصطناعي التوليدي إلى نقطة تحول حاسمة، مع تزايد الطلب عالميًا عبر الشركات والصناعات والدول. سيحدث الذكاء الاصطناعي ثورة في كل جانب من حياتنا، بما في ذلك القيادة والعمل والإبداع والمنافسة. وما نشهده اليوم ليس سوى البداية.
يتميز الذكاء الاصطناعي بقدرتين استثنائيتين: توليد أفكار ومفاهيم جديدة بشكل مستقل، واتخاذ قرارات ذاتية. هذا سيعيد تشكيل مفهومنا للذكاء والإنتاجية، ويخلق تعاونًا جديدًا بين البشر والآلات. وبينما ستُنجز المهام بسرعات غير مسبوقة، ستمتد التأثيرات إلى ما هو أبعد من مجرد الكفاءة العالية.
يبشر الذكاء الاصطناعي بعصر جديد من التعاون بين البشر والآلات، مانحًا الموظفين قدرات خارقة مثل الوصول السريع إلى الرؤى، والابتكار المدفوع بالاستثناءات، والقدرة على استيعاب السياقات المبكرة واستغلالها قبل الآخرين. على القادة تعلم كيفية الاستفادة من هذا العصر الجديد من الذكاء المشترك للعمل كمنظمات محورها الإنسان ومدعومة بالذكاء الاصطناعي.
2- التقارب الصناعي
التقارب الصناعي هو محرك تغيير دائم يتعين على القادة التخطيط له والتكيف معه. اليوم، نشهد تأثير “الفائز يأخذ كل شيء” بسبب هذا التقارب، حيث تحصد 10% من الشركات ذات أعلى قيمة سوقية على 90% من الأرباح الاقتصادية.
الشركات الأعلى قيمة هي التي تمتلك الخوارزميات الأكثر قيمة. فشركات مثل ميتا وأمازون ومايكروسوفت وآبل ونفيديا وجوجل تبلغ قيمتها الإجمالية 8 تريليونات دولار، وتمثل أكثر من 22% من وزن مؤشرS&P 500، وحوالي نصف مؤشر ناسداك-100.
في عالمنا المترابط، كل شيء وكل شخص مرتبط الآن. التقارب الصناعي، مدعومًا بتأثيرات الشبكة واقتصاديات الحجم وسرعة التغيير، يعني أن شركة مثل أمازون يمكنها بسهولة إحداث ثورة في سوق توزيع الأدوية الذي تبلغ قيمته تريليون دولار من خلال متجرها الشامل. الشركات الكبرى تواصل نموها، مدعومة بالاندماجات والذكاء الاصطناعي والحواجز العميقة والواسعة التي تحميها.
3- ندرة المواهب
في اليونان القديمة، كان “الموهبة” وحدة نقدية. أما اليوم، فإن استراتيجية الاستعداد للمستقبل تعتمد على مهاراتنا ومواهبنا. يمكن تلخيص القيادة في مواجهة التغيير بشعار “المواهب، المواهب، المواهب.”
تعد المواهب من أفضل الوسائل للتفوق على قوى الذكاء الاصطناعي والتغيير الصناعي. يقول القادة: “مواهبنا هي أعظم أصولنا”، لكن الحرب على المواهب قد انتهت – والمواهب هي الفائز.
نشهد اليوم ذروة الخوف والهلع في إدارة ندرة المواهب. لدينا ما يسمى بـ “الاستقالة الكبرى”، وهو مصطلح صاغه البروفيسور أنتوني كلوتز، إلى جانب السباق لإعادة تأهيل القوى العاملة. ليس من المستغرب أن 80% من القادة يعربون عن قلقهم بشأن ارتفاع معدلات دوران الموظفين والمخاطر المتعلقة بالمواهب.
قدر المنتدى الاقتصادي العالمي أن 90% من القوى العاملة العالمية ستحتاج إلى إعادة تأهيل بحلول عام 2030 لتلبية متطلبات اقتصاد ما بعد الصناعة الذي يركز على الذكاء الاصطناعي. الفشل في القيام بذلك قد يكلف ما يصل إلى 15 تريليون دولار في الناتج المحلي الإجمالي المفقود. يقع على عاتق القادة دور كبير في سد فجوة ندرة المواهب وبناء مستقبل شامل ومرن تقوده المواهب.
4- العملاء الجدد
في عالمنا المترابط اليوم، يطالب العملاء الجدد الشركات بتقديم أشياء ذات معنى في كل تفاعل. إنه التخصيص بسرعة الضوء: الشخص المناسب، في الوقت المناسب، مع الرسالة المناسبة، وفي السياق المناسب.
لقد سرعت جائحة كورونا، التي وُصفت بأنها “آلة زمن من المستقبل”، من وتيرة التحولات في الأعمال وإعادة تصور نماذج العمل بسرعة تفوق قانون مور، الذي أشار إلى أن قدرة معالجات الحواسيب تتضاعف كل ثمانية عشر شهرًا. شهدنا تسارعًا في التجارة الإلكترونية والأتمتة والعمل عن بعد ونماذج الأعمال المعاد تصورها، وأصبح التغيير أفقيًا وعالميًا.
نسمع يوميًا عن شركات عريقة تفشل في مواكبة سرعة تعلم العملاء، مثل ديزني وبيلوتون وتشارلز شواب وشيفرون. يريد العملاء الجدد منتجات وخدمات لا تقتصر على كونها عملية فحسب، بل تحمل معنى وتخلق شعورًا بالانتماء إلى هدف مشترك – ما أطلق عليه الطبيب النفسي الراحل أوليفر ساكس “الثلاثة باء”: الترابط والانتماء والتحول.
5- المنافسون الجدد
دائمًا ما يقدم التغيير للقادة خيارين: فرصة وتجديد إذا تم استغلال الجانب الإيجابي للتغيير كرياح دافعة، أو تراجع وانحدار إذا تم التعامل مع التغيير كعائق أو تم تجاهله كظاهرة عابرة في السوق.
أحيانًا، يكون من الصعب ملاحظة التغيير. قال ستيف بالمر، المؤسس المشارك لشركة مايكروسوفت، ذات مرة أن جهاز آيفون الجديد من آبل كان مضيعة للمال: “خمسمائة دولار؟ شاشة زجاجية كبيرة وتغطية كاملة؟” ونعلم جميعًا ما حدث بعد ذلك.
التغيير، وقريبه الأقرب التعلّم، قدما للقادة فرصة غير مسبوقة لإعادة التفكير في منطق المنافسة الجديد. الآن، يتنافس القادة على سرعة التعلم، والمنصات الرقمية، والمواهب والمرونة، وسرعة الوصول إلى الرؤى من خلال الذكاء الاصطناعي كشريك في التفكير.
العقد القادم سيشهد استمرار هذا النمو الهائل، وسيقلب قطاعات بأكملها ويعيد تشكيل القطاعات الحالية، مع ما يزيد عن 60 تريليون دولار من القيمة السوقية معرضة لخطر التغيير.
6- اللوائح الجديدة
تتلاقى الاتجاهات الكبرى مثل الحد من الانبعاثات الكربونية والذكاء الاصطناعي وتتصاعد، مما يخلق مخاطر غير مسبوقة وضغوطًا تنظيمية متقاطعة بين الصناعات للقادة.
قانون الحد من التضخم بقيمة 740 مليار دولار هو تشريع تحويلي يعزز التحول العالمي نحو الطاقة المتجددة ويزيد الطلب على التكنولوجيا الخضراء. وفي الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، يقوم الاتحاد الأوروبي بتطبيق توجيه جديد للإبلاغ عن الاستدامة المؤسسية، كما أصبحت انبعاثات النطاق الثالث متطلبًا تنظيميًا جديدًا. معًا، ستساعد هذه الإجراءات في تقليل الانبعاثات عبر سلسلة التوريد والحفاظ على استدامة رحلة إزالة الكربون للشركات، في وقت نواجه فيه خطر تجاوز ارتفاع درجة حرارة الأرض بـ 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2040.
لقد ظهرت بوضوح المخاطر المرتبطة بالاعتماد الأعمى على التكنولوجيا دون ضوابط كافية. الهيئات التنظيمية مثل لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية (SEC)، بقيادة غاري جينسلر، تعبر بالفعل عن مخاوفها بشأن حماية البيانات، وقضايا مكافحة الاحتكار، واستقرار السوق. لذلك، يجب على القادة استبدال الثقة المفرطة بالتواضع لمقاومة إغراء التقدم السريع للذكاء الاصطناعي.
الجانب الإيجابي للتغيير
نحن نميل دائمًا إلى المبالغة في تقدير مخاطر تجربة شيء جديد، بينما نقلل من تقدير مخاطر البقاء على الوضع الراهن. الآن ليس الوقت المناسب لتبني استراتيجية “الانتظار والمراقبة”. كداعمين للشجاعة بدلاً من الامتثال الأعمى، حان الوقت للقادة لتمزيق كتاب القواعد التقليدية للقيادة وتحويل محركات التغيير الكبرى إلى فرص حقيقية.