190 مزرعة ريفية في السعودية .. نمو أقل من النسب العالمية وعراقيل في التسويق والتراخيص
تشهد المزارع الريفية في السعودية تزايدا في اهتمام المستثمرين بدعم من تنامي عدد السياح في السنوات الأخيرة، حيث تجمع فكرة المزارع الريفية بين الاستثمار في المنتجات الزراعية وكذلك كونها نزلاً سياحية توفر للسياح من الداخل والخارج بيئة الأرياف بهدوئها وطبيعتها البسيطة.
وبحسب خبراء تحدثوا لـ”الاقتصادية” أدت التغيرات السريعة والبيئة الاستثمارية الواعدة في السعودية، إلى بروز أنشطة اقتصادية نوعية، كالمزارع الريفية التي لم تكن شيئاً مذكورا قبل وقت قريب، لكن التحولات الاقتصادية الكبيرة التي شهدتها السعودية في العقد الأخير، خلقت فرصاً استثمارية، برزت كنتيجة لحالة النهوض والتنوع الاقتصادي في المملكة.
يقف وراء مشروع المزارع الريفية جهات حكومية داعمة، تعاضد المستثمرين بكثير من التسهيلات والدعم المادي، وتبرز أسئلة حول إلى أي مدى وصلت المزارع الريفية، وما هو مستوى الدعم الذي تحظى به اليوم، وما هي الصعوبات التي تواجهها؟
واقع المزارع الريفية
في الوقت الذي يتنامى فيه توجه الأفراد إلى الاستثمار في المزارع الريفية، تبدو وزارة البيئة والمياه والزراعة في السعودية هي الجهة الأقرب للمزارع الريفية، حيث كشفت الوزارة لـ “الاقتصادية” عن إصدار 190 ترخيصًا لمزارع ريفية في مختلف مناطق السعودية، للمساهمة في زيادة الاستثمارات الزراعية، ودعم المحتوى المحلي.
الوزارة قالت إن برنامج التنمية الريفية الزراعية المستدامة (ريف السعودية)، يقدم للمزارعين الممارسين لنشاط المزارع الريفية دعمًا ماديًا مباشرًا غير مسترد، يصل إلى 54 ألف ريال.
وحول نوعية الأنشطة الزراعية في المزارع الريفية، أكدت أن جميع الأنشطة الزراعية تمارس في المزارع الريفية، مبينة أنها تعد فرصة لإضافة قيمة للحيازة الزراعية، وكذلك تسويق المنتجات الزراعية بأسعار مناسبة، وممارسة الأنشطة الترفيهية المختلفة داخل المزرعة، مثل قطف المنتجات، وإطعام الحيوانات، وصيد الأسماك، وتناول المأكولات والمشروبات، والمشاركة في الصناعات التحويلية المختلفة.
دعم كبير إضافي
على الجانب الآخر، يقف صندوق التنمية الزراعية كداعم للمزارعين المستثمرين في المزارع الريفية.
المتحدث الرسمي للصندوق حبيب الشمري قال لـ”الاقتصادية”: إنه يتم منح المزارعين الريفيين مبلغ تمويل يصل إلى مليون ريال، مشيرا إلى أن الصندوق يستقبل طلبات التمويل من خلال الموقع الإلكتروني للصندوق بعد تقديم الترخيص من قبل وزارة البيئة والمياه والزراعة.
وأكد أن صندوق التنمية الزراعية قدم بالفعل نحو 21 قرضا، مبينا أنه من أهداف التمويل دعم المزارع الريفية وتنويع مصادر دخلها وضمان استدامتها، ورفع معدل السياحة البيئية والريفية.
الشمري أوضح أن التمويل يقتصر على المزارع الريفية المنتجة فقط، إذ يكون قبول التمويل بعد تقييم ومراجعة وإجازة دراسة الجدوى المقدمة من العميل.
وقال: إن أبرز الصعوبات التي تحد من الحصول على التمويل، تتعلق بمساحة الأرض، وكذلك وجود تعثر لدى الكفيل عند طلب التمويل، أو أن تكون الأرض أرضاً غير زراعية، وكذلك عدم وجود نزل ريفية في المزرعة.
المزارع النزل
وصف الخبير الوطني لتطوير السياحة الريفية الدكتور حذيفة مدخلي، المزارع الريفية بأنها تلك المزارع التي تقع في المناطق الريفية وتتوفر بها أنشطة زراعية مختلفة، كما يمكن إضافة أنشطة سياحية بها كالزيارات والتجارب وخدمات الأغذية والمشروبات، وكذلك الإقامة.
وأكد أن التوجه المعتمد فيما يخص المزارع الريفية أن يبقى نشاطها الأساسي في الزراعة وأن تكون الأنشطة السياحية مضافة لها كتعزيز لدخل أصحاب المزرعة، وكممكن للاقتصاد والمجتمع الريفي.
مدخلي قال “للأسف، فإن أغلبية المزارعين الذين أضافوا أنشطة ترفيهية إلى مزارعهم، خرجوا عن المفهوم الصحيح للسياحة الريفية”، مشيرا إلى أن أغلب المزارع تحولت إلى منتجعات أكثر من كونها مزارع ريفية.
وطالب مدخلي بأن تكون جميع الأنشطة داخل المزرعة قائمة على الزراعة، كركوب الحيوانات وإطعامها، وحلب الأبقار، والأكل الطازج من المزرعة ومحيطها الريفي، ليصبح النشاط السياحي داعم للزراعة وليس منافسا لها.
وقال: قمنا بتدريب قرابة 80 مزارعا في مناطق مختلفة على تطوير وإدارة الأنشطة السياحية في المزارع الريفية، وهذه كلها كانت تحديات عملنا على معالجتها من خلال التعاون المشترك بين برنامج ريف السعودية ومنظمة الأغذية والزراعة بالأمم المتحدة.
مدخلي أشار إلى أن التحدي القائم الآن هي التراخيص، والحل بالنسبة لهذا التحدي بيد وزارة البلديات والإسكان، حيث إن كثير من المزارع مملوكة بمكاتبات محلية أو ما يسمى بـ (الحُجج) وهذه عبارة عن مكاتبات قديمة تثبت ملكية صاحب المزرعة، لكنها لا تعد وثيقة رسمية بالنسبة للجهات الأخرى.
وأضاف: وزارة البيئة والمياه والزراعة لديها حلول لمثل هذه الوثائق وتقبلها لإصدار السجل الزراعي لكن وزارة البلديات والإسكان لا تقبلها لإصدار السجلات التجارية، وأي ترخيص لنشاط سياحي يتطلب ابتداءً إصدار السجلات التجارية.
أقل من الطموحات
قال راضي الفريدي مالك مزرعة ريفية ورئيس مجلس إدارة جمعية السياحة الزراعية والريفية (ريفنا) إن السياحة الزراعية والريفية ظهرت عام 1960 في إيطاليا وبدأت بالنمو والتوسع حول العالم تدريجيا لتصبح ذات تأثير كبير في الاقتصاد العالمي، مشيرا إلى أن السياحة الزراعية والريفية مشروعًا جديدًا نسبيًا على مجتمعنا السعودي عامة والمزارعين خاصة.
وأشار إلى أن المزارع الريفية تهدف إلى فتح المزرعة للزوار وجعلها وجهة سفر يقصدها الجميع لهدف المتعة والترفيه والتجربة وشراء المنتجات الزراعية والريفية، مؤكدا بأنها نشاط واستثمار واعد ومستدام.
وقال الفريدي: تقدم المزارع الريفية السياحية عديد من الانشطة والبرامج والفعاليات الزراعية والثقافية داخل المزرعة وخارجها، كالجولات السياحية بالمزرعة، وتذوق الأطعمة المحلية من خيرات المزرعة والإقامة والمشاركة بالاحتفالات والمناسبات والمهرجانات الزراعية والوطنية والخاصة، والشراء المباشر للمنتجات الطازجة من خلال المشاركة في قطف المنتجات الزراعية أو الشراء من متجر أو مطعم المزرعة.
وأشار إلى أن عدد المزارع التي حصلت على رخصة تشغيلية وفتحت أبوابها للزوار بلغت 15 مزرعة من أصل 185 مزرعة تقدمت للحصول على ترخيص مزرعة ريفية، بمتوسط استثمارات بلغت 250 مليون ريال.
الفريدي قال: إن نسبة نمو الاستثمار بالمزارع الريفية بالسعودية أقل بكثير من النسب العالمية التي نشرتها بعض المراكز المتخصصة في أمريكا التي ذكرت أنها تتجاوز 12 % نمو سنوي وبحجم استثمارات تجاوز 60 مليار دولار.
التسويق التحدي
قال محمد المالكي، مالك مزرعة ريفية: إن المزارع الريفية تشكل اهمية كبير للنشاط الزراعي كونها تعد قيمة مضافة للزراعة، كما أنها في الجانب السياحي تعد داعما للقطاع السياحي كونها نزلاً سياحياً في بيئة الأرياف.
وبين أن المزارع الريفية هي مزارع عادية، ولكن الفرق أنها تقدم خدمات للسياح، فقد يوجد بها مطعم أو مقهى أو مسارات الهـايكنق أو برامج سياحيه وكذلك تخييم وبرامج تدريب بأسلوب مشوق أو أي عنصر جذب للسياح.
وحسب محمد المالكي فإن أكبر معوق يواجه نمو المزارع الريفية هو آلية التصاريح لهذا النشاط، وكذلك عدم وجود تنظيم واضح من وجهة نظره.
وأشار إلى أن عدم وجود تغطية لشبكات الاتصال لبعض المزارع في الأرياف، تعد عائقاً للوصول للمواقع والاستمتاع بها من قبل السياح.
وأشاد المالكي بالعوائد المجزية للاستثمار في المزارع الريفية، مؤكدا أن لها عوائد مالية كبيرة، مبيناً في الوقت ذاته أن الصعوبات التي تواجه ملاك المزارع الريفية تكمن في القدرة على تسويق منتجاتهم الزراعية والترويج لمزارعهم كنزل ريفي سياحي.