منوعات اقتصادية

مكاسب البيتكوين والإيثريوم الأخيرة .. هل تغير مشهد أسواق الأسهم التقليدية؟

منذ إعلان فوز الرئيس “دونالد ترامب” بولاية جديدة في شهر نوفمبر الماضي، أصبحت العملات المشفرة، وعلى رأسها بيتكوين وإيثريوم، محط أنظار المستثمرين على مستوى العالم.

وخلال الأسابيع التي أعقبت إعلان النتائج، شهدت الأسواق قفزات هائلة في أسعار هذه العملات وتدفقات نقدية ضخمة، ما دفع العملتَين إلى تحقيق مكاسب تجاوزت 50%.

هذه المكاسب دفعت العديد من المستثمرين التقليديين في الأسهم المدرجة بالبورصات العالمية إلى إعادة تقييم استراتيجياتهم، إذ قاموا بتحويل أجزاء ملحوظة من أموالهم المستثمرة في البورصات التقليدية إلى أسواق العملات المشفرة، التي تقدم فرصًا كبيرة للنمو.

وجاء هذا التحول في ظل السياسات المؤيدة للعملات الرقمية التي أعلنها “ترامب”، والتي تشمل تعزيز ودعم الابتكار في مجال العملات المشفرة، ما أعطى دفعة قوية للسوق​.

وأصبحت العملات المشفرة بالنسبة للكثيرين الملاذ الجديد للاستثمار في ظل التقلبات الاقتصادية العالمية، مدفوعة بوعود الإدارة الأمريكية الجديدة بتحويل الولايات المتحدة إلى “عاصمة العملات المشفرة”.

هذه التحولات أدت إلى إثارة التساؤلات بشأن إمكانية أن تتسبب تلك العملات في تغير مشهد أسواق الأسهم الدولية، وهل من الممكن أن يحدث مثل هذا الأمر في القريب العاجل.

العملة المشفرة كسوق بديل

قبل عدة أيام تمكنت بيتكوين من تخطي مستوى 100 ألف دولار أمريكي للمرة الأولى في تاريخها، بعد أن كانت أقل من مستوى 70 ألف دولار عند بداية الانتخابات الأمريكية.

ولجأ “ترامب” حينها إلى وسائل التواصل الاجتماعي للاحتفال بهذا الإنجاز، ونشر عبرها كلمات مثل “تهانينا لعشاق البيتكوين” و”مرحبًا بكم”.

وكان الرئيس المنتخب قد تعهد سابقًا بجعل الولايات المتحدة “عاصمة التشفير” و”القوة العظمى للبيتكوين” في العالم، ما ساعد في دفع سعر العملة المشفرة الأكثر قيمة في العالم إلى الارتفاع بمجرد انتخابه رئيسًا.

واخترقت بيتكوين حاجز 100 ألف دولار بعد أن قال ترامب إنه سيرشح المفوض السابق بول أتكينز لمنصب رئيس هيئة الأوراق المالية والبورصة لإدارة هيئة تنظيم وول ستريت.

ويُنظر إلى أتكينز على أنه أكثر تأييدًا للعملات المشفرة من الرئيس الحالي “جاري جينسلر”.

وكان نهج “جينسلر” أقل ودية بشكل واضح تجاه قطاع العملات المشفرة، وكان يعتبرها صناعة “مليئة بالاحتيال والمحتالين والمخادعين” على حد وصفه، وتحت قيادته اتخذت لجنة الأوراق المالية والبورصة 46 إجراءً وُصفت بالعدائية تجاه العملات المشفرة خلال 2023.

وقال “جينسلر” في نوفمبر إنه سيتنحى عن منصبه 20 يناير، وهو يوم تنصيب ترامب في منصب الرئاسة.

وبالنسبة للإيثريوم، فقد سجلت منتجات الاستثمار القائمة عليها رقمًا قياسيًا لعام 2024، إذ وصلت إلى 2.2 مليار دولار، متجاوزة أعلى مستوى بلغ 2 مليار دولار في عام 2021، وفقًا لشركة كوين شيرز.

وفي الأسبوع الأخير من شهر نوفمبر الماضي، تدفق 466.5 مليون دولار إلى منتجات الإيثريوم، مدفوعة إلى حد كبير بصناديق الاستثمار المتداولة في البورصة التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرًا لها.

ويمثل هذا تحولًا في معنويات المستثمرين، ويؤكد على الجاذبية المتزايدة لتلك العملة، بدعم من مراهنات المستثمرين على القواعد التنظيمية المحتملة التي تعتزم الولايات المتحدة إنتهاجها لهذا القطاع.

بالطبع الأمر ليس متعلقًا فقط بالبيتكوين والإيثريوم، إذ إنهما تأتيان من بين العديد من العملات المشفرة الأخرى، التي يُنظر إليها كأصول توفر للمستثمرين بديلًا عن أسواق الأسهم التقليدية.

بعيد المنال

تلك المعطيات جعلت البعض يعتقد أن العملات المشفرة قد تصبح بديلًا رئيسيًا لأسواق الأسهم التقليدية، لكن يبدو أن هذا الأمر قد يظل بعيد المنال، على الأقل في الوقت الحالي.

ففي الفترة نفسها التي شهدت فيها العملات المشفرة مكاسب قياسية، تمكنت العديد من مؤشرات البورصات العالمية من تحقيق مكاسب قوية هي الأخرى، خاصة في وول ستريت.

وارتفع مؤشرا ناسداك وستاندرد آند بورز 500 إلى مستويات إغلاق قياسية يوم الجمعة الماضية، في أعقاب توقعات متفائلة بأداء العديد من الشركات المدرجة، وسط توقعات متزايدة بأن مجلس الاحتياطي الفيدرالي سيخفض أسعار الفائدة هذا الشهر.

وسجل مؤشرا ستاندرد آند بورز 500 وناسداك نحو 6090 و19859 نقطة على التوالي، وبذلك فإن الأول سجل أعلى إغلاق قياسي له للمرة الـ57 في 2024، في حين سجل ناسداك أعلى إغلاق قياسي للمرة الـ36 في هذا العام.

كما ضخ المستثمرون ما يقرب من 140 مليار دولار في صناديق الأسهم الأمريكية منذ انتخابات الشهر الماضي، إذ يراهن المتداولون على أن إدارة “دونالد ترامب” ستطلق العنان لتخفيضات ضريبية وإصلاحات شاملة تصب في مصلحة الشركات الأمريكية.

وحققت صناديق الأسهم الأمريكية تدفقات بقيمة 139.5 مليار دولار منذ فوز ترامب في الخامس من نوفمبر.

وساعد تدفق الأموال الجديدة في دفع مؤشرات الأسهم الأمريكية الرئيسية إلى سلسلة من مستويات قياسية مرتفعة، مع تجاهل المتداولين مخاوف متعلقة بارتفاع التضخم قد تهدد خطط بنك الاحتياطي الفيدرالي الخاصة بخفض أسعار الفائدة.

وقال “ديك مولاركي”، المدير الإداري في شركة إدارة الصناديق إس إل سي مانجمنت: “إن خطة النمو التي يسعى ترامب لتحقيقها يتم تبنيها بالكامل”، مضيفًا أن اختيارات “ترامب” للمناصب العليا في الإدارة كانت “صديقة للسوق إلى حد كبير”.

أبرز مخاطر العملات المشفرة

في الوقت الذي تجتذب فيه أسواق العملات المشفرة مزيدًا من الاستثمارات، يظل هناك العديد من التحديات تهدد نمو تلك الأسواق.

ولعل أحد أكبر العوائق التي تواجه العملات المشفرة في مقابل أسواق الأسهم التقليدية هو تقلباتها الشديدة.

فعلى الرغم من أن البعض أصبح ينظر الآن إلى البيتكوين والإيثريوم باعتبارهما أصولًا “مستقبلية”، فإن أسعارهما غالبًا ما تشهد تقلبات كبيرة قد تزعج بعض المستثمرين التقليديين الذين يبحثون عن استثمار أكثر استقرارًا.

مكاسب وخسائر مؤشر ستاندرد آند بورز 500 السنوية مقابل بيتكوين (في الفترة من عام 2014 إلى 2023)

السنة

ستاندرد آند بورز 500

بيتكوين

2014

%13.7

(%50.2)

2015

%1.4

%49.7

2016

%12

%131.6

2017

%21.8

%1162

2018

(%4.4)

(%72.1)

2019

%31.5

%97.8

2020

%18.4

%270.3

2021

%28.7

%72.7

2022

(%18.1)

(%62)

2023

%26.3

%146.8

وفي بداية جائحة كوفيد-19، كان سعر البيتكوين أعلى بقليل من 5 آلاف دولار، ثم ارتفع ليبلغ نحو 69 ألف دولار بحلول نوفمبر 2021، لكنه انهار لاحقًا بعد سلسلة عدوانية من زيادات أسعار الفائدة من قِبل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.

وأدى انهيار سوق العملات المشفرة في أواخر عام 2022 إلى تقويض الثقة في العملات المشفرة بشكل كبير، إذ انخفض سعر البيتكوين إلى أقل من 17 ألف دولار.

ومع ذلك، يرى البعض أن هذه التقلبات قد تكون فرصة للمستثمرين الذين يسعون لتحقيق عوائد مرتفعة في فترة قصيرة، ما قد يسهم في جذب فئة جديدة من المستثمرين.

وإلى جانب التقلبات الحادة في الأسعار، تواجه سوق العملات المشفرة تحديًا يتعلق باستهلاك الطاقة، إذ إن إنتاج الأصول مثل البيتكوين يجرى من خلال عملية تُسمّى “التعدين”، وتستهلك الكثير من الطاقة.

ووجد بحث نشرته جامعة الأمم المتحدة ومجلة إيرث فيوتشر أن البصمة الكربونية لتعدين البيتكوين خلال عامي 2020 و2021 عبر 76 دولة كانت تعادل الانبعاثات من حرق أطنان من الفحم أو تشغيل نحو 190 محطة توليد كهرباء من الغاز الطبيعي.

ومع محاولة العديد من دول العالم السعي لمواجهة تغير المناخ والعمل على تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، فقد يؤثر مثل هذا الأمر على أنشطة التعدين، وبالتالي على العملات المشفرة.

كما لا يزال القلق حاضرًا بشأن كيفية تنظيم العملات المشفرة في المستقبل، إذ تبذل العديد من الحكومات والهيئات التنظيمية في العالم جهودًا لوضع قوانين وتشريعات تحُد من المخاطر المرتبطة بتقلبات العملات المشفرة، ووضع ضمانات تضمن حقوق المستثمرين بها.

فعلى سبيل المثال، تعتزم السلطات الأمريكية تنظيم سوق العملات الرقمية بشكل أكثر صرامة لضمان حماية المستثمرين، أما في الصين، فهناك حظر تداول للعملات المشفرة تمامًا.

هذه السياسات التنظيمية ستحدد مدى قدرة هذه العملات على التوسع ومدى تأثيرها على أسواق الأسهم العالمية في المستقبل.

العملات المشفرة قد تدعم أسواق الأسهم

التوسع في أسواق العملات المشفرة ليس بالضرورة يعني التأثير السلبي على أسواق الأسهم التقليدية، خاصة إذا استطاعت الحكومات التوصل إلى إطار تنظيمي يحقق إمكانية دمج العملات المشفرة بشكل أكثر تكاملًا مع أسواق الأسهم التقليدية.

وبدأت بعض البورصات المالية بالفعل في دمج العملات المشفرة ضمن أنشطتها الاستثمارية، مثل بورصة شيكاغو التجارية، مثل هذه الخطوات تشير إلى إمكانية تزايد التفاعل بين العملات المشفرة وأسواق الأسهم.

وبخلاف دورها كأصول رقمية، تمثل تكنولوجيا البلوك تشين التي تدعمها العملات المشفرة تحولًا جوهريًا في الطريقة التي تتم بها عمليات التداول وحفظ السجلات في الأسواق المالية.

قد تسهم هذه التكنولوجيا في تحسين الشفافية وتقليل التكاليف، ما قد يؤثر بشكل إيجابي على أسواق الأسهم الدولية، إذ يمكن أن تجعل هذه التقنية العمليات المالية أكثر أمانًا وفعالية، ما يعزز الثقة بين المستثمرين.

وبالفعل بدأت العديد من الشركات الكبرى في تبني تكنولوجيا البلوك تشين لتحسين أنظمتها الداخلية، فعلى سبيل المثال، في السنوات الأخيرة أطلقت شركات مثل جي بي مورجان وناسداك منتجات مالية مبنية على هذه التكنولوجيا.

ورغم المخاوف المرتبطة بتقلبات العملات المشفرة، فإن العديد من المستثمرين المؤسسيين بدأوا في الاستثمار فيها، فشركات مثل بلاك روك وفيدليتي دخلت في مجالات البلوك تشين والعملات المشفرة، ما قد يفتح المجال لمزيد من الاستثمارات المؤسسية في هذا المجال.

هذا الاستثمار المؤسسي قد يساعد في تقليل التقلبات وتحقيق المزيد من الاستقرار لهذه العملات، ما يسهم في تكاملها مع أسواق الأسهم.

إذًا فالإجابة المتعلقة بالآثار التي قد تخلفها المكاسب القياسية للعملات المشفرة على أسواق الأسهم التقليدية ليست واضحة بشكل قاطع، لكن من المؤكد أن استمرار التطور في أسواق العملات الرقمية قد يسهم في إعادة تشكيل أسواق الأسهم العالمية.

المصادر: أرقام- ديلي كوين- رويترز- بي بي سي- فايننشال تايمز- بيزنس إنسايدر- سي بي سي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى