تجربة نمو .. بوتسوانا ورحلة صعود اقتصادي مذهلة
– تُعد بوتسوانا مثالاً نادراً لاقتصاد السوق الحرة المتوازن بتخطيط حكومي مركزي قوي. وقد حقق الاقتصاد نموًا متسارعًا منذ منتصف الستينيات، حيث ارتفع الناتج المحلي الإجمالي للفرد بشكل كبير.
– رغم هذا النجاح، يبقى التفاوت الاقتصادي واضحاً، خاصة في المناطق الريفية، إذ إن نصف الأسر الريفية تقريباً لا تملك ماشية، بينما تستحوذ أقلية صغيرة على نصف الثروة الحيوانية.
– يعتمد العديد من الأسر على التحويلات المالية من المدن أو الخارج، مما يترك عدداً كبيراً من العائلات التي تعولها النساء دون مصادر دخل ثابتة.
– وجهت عائدات تطوير قطاع التعدين في بوتسوانا إلى تمويل مشاريع البنية التحتية وتعزيز الخدمات الاجتماعية في المناطق الريفية، ودعم القطاعات الزراعية والحيوانية.
– ومع ذلك، استفادت الفئات الأكثر ثراءً في الريف بشكل أكبر من هذه الاستثمارات، مما زاد من الفجوة بين مختلف شرائح المجتمع.
– علاوة على ذلك، تواجه النقابات العمالية صعوبات كبيرة في تنظيم العمال في القطاع الرسمي.
نظرة على أهم القطاعات الاقتصادية في بوتسوانا |
|
الزراعة والغابات: تحديات وفرص |
– تُعتبر الأراضي الصالحة للزراعة في بوتسوانا محدودة للغاية، حيث تشكّل الزراعة أقل من عُشر الناتج المحلي الإجمالي.
– يرتكز الإنتاج الزراعي أساساً على الثروة الحيوانية التي تخدم الأسواق المحلية والتصدير.
– رغم الجهود المبذولة لتحسين إنتاج الحبوب، تعتمد البلاد بشكل كبير على الواردات الغذائية من جنوب أفريقيا وزيمبابوي.
– تشتهر بوتسوانا بتربية الماشية، حيث توفر بيئة ملائمة بفضل استثمارات حكومية في الوقاية من الأمراض وتحسين البنية التحتية.
– رغم الجهود المبذولة لتحسين إدارة المراعي، إلا أن التحديات ما زالت قائمة. ومع ذلك، فتحت أسواق الاتحاد الأوروبي آفاقًا واعدة لتصدير لحوم الأبقار.
|
الموارد الطبيعية والطاقة: كنوز تحت الأرض |
– تُعد بوتسوانا موطناً لأحد أهم اكتشافات الماس في العالم. في عام 2024، تم العثور على ماسة ضخمة تزن 2492 قيراطاً، مما يعزز مكانة البلاد كواحدة من أكبر منتجي الماس عالمياً.
– بدأ استغلال الماس في السبعينيات من القرن الماضي في مواقع ضخمة مثل أورابا وجوانينج، كما تُنتج البلاد النيكل والنحاس منذ عام 1974 والفحم لتوليد الطاقة في موروبولي.
– بالإضافة إلى ذلك، تُعد بوتسوانا رائدة في استخراج الملح ورماد الصودا منذ أوائل التسعينيات.
– تتركز الموارد المائية السطحية في البلاد في الشمال، حيث توجد الأراضي الرطبة والأنهار الدائمة، بالإضافة إلى ثلاث بحيرات صناعية رئيسية في جابورون وشاشي وموبيبي.
– أما المياه الجوفية، فتستغل بكثافة في المناطق الجنوبية، خاصة حول بالابي وجنوب جابورون.
– وتعتمد شبكة الكهرباء الوطنية، التي تغطي المناطق الشرقية بما فيها المناجم، بشكل أساسي على محطة توليد تعمل بالفحم في موروبولي، مع وجود وصلات بشبكتي الكهرباء في زيمبابوي وجنوب أفريقيا.
|
التصنيع: نمو محدود وطموحات كبيرة |
– رغم الجهود المبذولة، لا يزال التطور الصناعي محدوداً بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة والمياه، وضعف المهارات الإدارية، وصغر السوق المحلية. – اقتصرت الصناعات لسنوات على معالجة اللحوم، لكنها توسعت لاحقاً لتشمل فرز الماس وإنتاج المنسوجات.
– في عام 2008، افتُتح في جابورون أكبر منشأة لفرز الماس في العالم، ما يُبرز أهمية هذه الصناعة للاقتصاد الوطني.
|
التمويل والخدمات:
الاستقرار والنمو |
– يتولى بنك بوتسوانا المركزي تنظيم الاقتصاد وإصدار العملة الوطنية “بولا”. ورغم الفوائض المالية الكبيرة، واجهت البلاد تحديات في تمويل مشاريع البنية التحتية.
– استفادت البنوك التجارية من هذا الفائض لتعزيز الاستثمار، مما ساهم في طفرة البناء في أواخر القرن العشرين.
– شهدت البلاد في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات طفرة اقتصادية مدفوعة بالاستثمارات الضخمة في البنية التحتية، والتي تم تمويلها من الفوائض المالية المتراكمة في البنوك الخاصة.
– وشملت هذه المشاريع قطاعات حيوية مثل التعدين والبناء. وعلى الرغم من هذه التطورات، لا يزال اقتصاد البلاد يعتمد بشكل كبير على شركة دي بيرز إس إيه، التي تهيمن على قطاع التعدين.
– وعلى صعيد آخر، تستقطب بوتسوانا السياح الباحثين عن المغامرة والجمال الطبيعي، بفضل بيئاتها البكر والنائية، كالأراضي الرطبة والمناطق الجافة الشاسعة.
– اعتمدت الحكومة سياسة حكيمة تهدف إلى الحفاظ على هذه البيئات، وذلك بمنح تراخيص محدودة لشركات سفاري فاخرة، مما يساهم في الحد من التأثير السلبي للسياحة على البيئة.
|
التجارة: شراكات إقليمية واستراتيجيات توسع |
– يشهد قطاع التجارة المحلية في بوتسوانا سيطرة شركات الجملة الكبرى الأجنبية وتجار التجزئة الأجانب في المناطق الحضرية، بالتزامن مع تزايد عدد المتاجر الصغيرة المملوكة للمواطنين.
– تُعد بوتسوانا عضواً في الاتحاد الجمركي لجنوب أفريقيا ومجموعة تنمية جنوب أفريقيا، مما يُسهل التبادل التجاري الإقليمي.
– ومع ذلك، تتجاوز صادرات بوتسوانا حدود القارة الأفريقية لتصل إلى الأسواق العالمية.
– وتستورد بوتسوانا معظم احتياجاتها من دول الجوار، خاصةً الآلات والمعدات والمنتجات الغذائية، والتي غالبًا ما تكون من إنتاج شركات متعددة الجنسيات.
|
قطاع النقل |
– تم الانتهاء من بناء خط سكة حديد بطول 640 كيلومترًا على طول الساحل الشرقي للبلاد عام 1897، ليصل بين جنوب أفريقيا وزيمبابوي، إلا أن أثره على اقتصاد بوتسوانا ظل محدودًا حتى سبعينيات القرن العشرين عندما أُنشئت خطوط فرعية لخدمة مناطق التعدين.
– وعند الاستقلال في عام 1966، كانت الطرق المُعبَّدة شحيحة، حيث اقتصرت على المناطق الحضرية.
– ومنذ ذلك الحين، تم ربط المدن الرئيسية بشبكة طرق معبدة، إلا أن المناطق الرملية لا تزال تعتمد على المركبات ذات الدفع الرباعي.
– أما بالنسبة لحركة الطيران في بوتسوانا، فلم تشهد تطوراً كبيراً حتى افتتاح مطار سير سيريتسي خاما في جابورون عام 1984، والذي يخدم الآن العديد من شركات الطيران الدولية والإقليمية.
|
نحو مستقبل واعد
لا شكّ أن بوتسوانا تُعد مثالاً استثنائيًا لدولة أفريقية نجحت في تحقيق توازن بين استغلال الموارد الطبيعية والنمو الاقتصادي المستدام.
ومع استمرار الجهود لتحسين البنية التحتية وتنويع الاقتصاد، تبدو البلاد على أعتاب مرحلة جديدة من الازدهار، تجعلها نموذجاً يُحتذى في التنمية.
المصدر: الموسوعة البريطانية