«ميد»: أسواق الدين الخليجية تترك بصمتها
يثبت ظهور أسواق الدين الخليجية كعنصر ثابت على رادارات المستثمرين العالميين أنه أحد التطورات الاقتصادية الإقليمية الأكثر أهمية في الآونة الأخيرة، إذ أدى حجم الإصدارات المتزايد باستمرار من دول الخليج إلى بناء مجموعة كبيرة من رأس المال لا يمكن للمستثمرين تجاهلها.
قال تقرير على مجلة «ميد» إنه بعد إدراجها لأول مرة في مؤشر جي بي مورغان لسندات الأسواق الناشئة (EMBI) العالمي المتنوع في يناير 2019، تشكل دول الخليج الآن ما يقرب من %25 من المؤشر، والذي يتتبع أدوات الدين السائلة ذات الأسعار الثابتة والمتغيرة للأسواق الناشئة بالدولار، بعد أن كانت قبل خمس سنوات فقط تمثل أقل من %2 من المؤشر.
ويشير كبير مسؤولي الاستثمار في شركة فرانكلين تمبلتون للدخل الثابت، محي الدين قرنفل: «الانتقال من %2 إلى %25 هو تحول مادي. لذا، حتى في سياق الأسواق الناشئة العالمية، فإن المنطقة لديها بالتأكيد حجم وبسبب هذا الحجم، ستستمر في رؤية زيادة المشاركة».
تعميق أسواق الدين
وأوضح التقرير أن دول الخليج كانت نشطة بشكل متزايد في سوق رأس المال الدين (DCM)، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الحاجة إلى تمويل برامج التنويع الاقتصادي، وكان العام الماضي نشطاً بشكل خاص لسوق رأس المال الدين.
ويضيف قرنفل «في ما يتعلق بأسواق الدين، كان عام 2024 عاماً قوياً للغاية من حيث النمو والتطوير، وإذا نظرت إلى إصدارات دول الخليج، استناداً إلى بيانات بلومبيرغ، فإننا نتطلع إلى 135 مليار دولار هذا العام، وهو ما يمثل زيادة بنسبة %48. هذا رقم كبير، والسعودية مسؤولة عن أكثر من نصف هذا الإصدار، بنسبة %53».
وتابع «كما تتزايد الإصدارات بالعملات المحلية، حيث بدأت كل من السعودية والإمارات في الإصدار بالعملة المحلية. وفي عام 2024، كان ما يقرب من %16 من إصدارات دول الخليج بالعملة المحلية، وبشكل أساسي بالريال السعودي».
وتلاحظ وكالة فيتش للتصنيف الائتماني نموًا بنسبة %11 على أساس سنوي في رأسمال الدين المستحق لدول الخليج حتى نهاية نوفمبر 2024. وهذا على الرغم من عام من التقلبات الجيوسياسية والاقتصادية، فضلاً عن عدم اليقين بشأن أسعار الفائدة.
ويقول رئيس التمويل الإسلامي العالمي في وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، بشار الناطور: «أصبح رأسمال الدين المستحق لدول الخليج الآن قريباً من تريليون دولار، وهذا إنجاز مهم لدول التعاون. وتمثل الصكوك (السندات الإسلامية) حوالي %40 من ذلك، أي حوالي 400 مليار دولار، وهو ما يخبرك أن هذه الأداة أصبحت الآن أداة تمويل رئيسية للمنطقة».
وبحسب وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، فإن الإصدارات الكبيرة في الأشهر الستة الأولى من عام 2024 جعلت السعودية أكبر مصدر للديون بالدولار في الأسواق الناشئة العالمية، باستثناء الصين. وكانت المملكة أيضاً أكبر مصدر للصكوك على مستوى العالم في النصف الأول من عام 2024.
وعي المستثمرين
وتطرق تقرير «ميد» إلى زيادة وعي المستثمرين الأجانب بالجهات المصدرة الخليجية، إذ شكلت هذه الجهات %7.2 من إصدارات الحكومة السعودية المحلية في نهاية النصف الأول من عام 2024، مقارنة بنحو %0.2 فقط في عام 2022.
وفي الإمارات، كانت القصة مماثلة. فقد ارتفعت أرصدة رأس المال المدين القائمة بنسبة %11.8 إلى 281 مليار دولار في نهاية النصف الأول من عام 2024 ومن المتوقع أن تصل إلى 300 مليار دولار.
مدخلات إيجابية
وفقاً للناطور، فإن نمو الإصدارات يرجع في الغالب إلى قصة سيادية، حيث تحتاج المشاريع الرئيسية إلى تمويل في المنطقة وتحاول الأسواق السعودية والإماراتية تطوير سوق الدين بشكل عام.
ويقول: «إن البنوك الخليجية تعمل أيضاً على تنويع التمويل من خلال قنوات البيع بالجملة مثل سوق الدين، كما أنها مستثمرون رئيسيون في الديون. كما أن تقليل الاعتماد على البنوك ودفع الحكومة لتطوير سوق الدين يدفعان أيضاً إصدارات الشركات».
وهناك عامل آخر يتمثل في إدراج ديون دول الخليج في العديد من مؤشرات الأسواق الناشئة العالمية، في حين يتمثل العامل الثالث في التمويل الطموح وتطوير المشاريع في دول مثل السعودية والإمارات.
ويلاحظ الناطور أن النضج المتزايد لسوق الدين في المنطقة يساهم في قصة نمو السوق نفسها. ويضيف: «نتوقع خفض أسعار الفائدة على أموال الاحتياطي الفدرالي الأمريكي بمقدار 125 نقطة أساس إلى %3.5 بحلول نهاية عام 2025، وقد يكون ذلك داعماً لقصة الأسواق الناشئة ككل، وليس فقط دول الخليج».
ومن المرجح أن تؤدي الاتجاهات الاقتصادية على مستوى المنطقة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى تسريع جاذبية أسواق رأس المال الدين كمصدر للتمويل للجهات السيادية.
ومع ذلك، فإن صورة أسواق رأس المال الدين في دول الخليج مجزأة. فعُمان والكويت والبحرين أقل نضجاً نسبياً مقارنة بالسعودية والإمارات. ويقول الناطور: «تهدف الحكومة الجديدة في الكويت إلى تحديث قانون السيولة، والذي من المفترض أن يسمح بالاقتراض في أسواق رأس المال. ومع ذلك، فإن الجدول الزمني غير مؤكد».
دوافع مستمرة
بيَّن التقرير أنه بالنظر إلى المستقبل، ستستمر الدوافع الاقتصادية الكلية في تشكيل سوق الدين الإقليمية. ويقول قرنفل: «إذا افترضت أن أسعار النفط ستظل عند مستوياتها الحالية، فسوف ترى عجزاً، على سبيل المثال في السعودية، يحتاج إلى تمويل. أتوقع أن يكون إصدار الديون متسقاً على الأقل مع عام 2024. وإذا كانت أسعار النفط أقل قليلاً، فقد تشهد هذه الزيادة بشكل أكبر. وإذا كانت أسعار النفط أقل قليلاً، فإن 150 مليار دولار لعام 2025 هو توقع معقول».
دعم مبادرات الحوكمة
أفاد التقرير بأن نمو الصكوك، بدعم من مبادرات البيئة والمجتمع والحوكمة في المنطقة، هو موضوع رئيسي آخر سيظهر في عام 2025، حيث يلاحظ الناطور أن حجم السندات البيئية والاجتماعية والحوكمة في دول الخليج يبلغ نحو 46 مليار دولار، منها %42 مقومة بصيغة الصكوك. وتمثيل الصكوك في السندات البيئية والاجتماعية والحوكمة أعلى من تمثيل سوق الدين الأوسع.