عقب سنوات من التخطيط .. ما الدور الذي كلف به بافت أحد أبنائه بعد رحيله؟
يشغل “وارن بافت” – وهو في عمر الـ 94 عامًا – منصب رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي لـ “بيركشاير هاثاواي” التي حولها من شركة لتصنيع المنسوجات إلى مجموعة استثمارية كبرى.
تمتد أعمال “بيركشاير” إلى قطاعات واسعة من الاقتصاد بداية من التأمين إلى المرافق العامة والسكك الحديدية، وتمتلك حصصًا ضخمة في شركات منها “آبل” و”كوكاكولا” وغيرها، ولديها سيولة نقدية تزيد على 300 مليار دولار.
يعود نجاحها إلى “بافت” وعقليته الاستثمارية، لكن عندما يرحل ويغادر منصبه قد تواجه المجموعة ضغوطًا كبيرة سواء لبيع شركات تابعة أو تقديم توزيعات أرباح للمساهمين أو غيرها من الخيارات المحتملة.
لكن لم يترك “بافت” -الذي يشتهر بحكمته- الأمر للظروف أو الصدفة، بل ظل يخطط على مدار عقود زمنية لما سيحدث لشركته وثروته الضخمة بعد وفاته.
وأعلن أن كل ثروته المتبقية ستتوجه إلى صندوق خيري جديد، وحرص على ألا يرث أبناؤه الثلاثة (“سوزي” 71 عامًا و”هوارد” 70 عامًا و”بيتر” 66 عامًا) الجزء الأكبر من ثروته بل يتولوا إدارة الصندوق، وسيكونون معًا مسؤولين عن إدارة أسهم في الشركة بقيمة 140 مليار دولار تقريبًا للأغراض الخيرية.
أما عن “بيركشاير”، فقال: “أنا أهتم بمستقبل “بيركشاير” بعد وفاتي أكثر من اهتمامي بها في حياتي، إنها من ابتكاري”. ورغم عمره، إلا أنه أوضح أنه يشعر بالرضا وليس لديه خطط للتنحي، لكنه أشار إلى أن “جريج أبيل” -الذي من المتوقع أن يخلفه في منصب المدير التنفيذي- يدير عمليات الشركة غير التأمينية، بينما يشرف نائب الرئيس “أجيت جين” على أعمال التأمين.
وصرح بأنه يرغب في أن يخلفه ابنه الأوسط “هوارد” أو كما يطلق عليه “هوي”، الذي من المقرر أن يتولى منصب المدير غير التنفيذي للمجموعة الاستثمارية التي أسسها والده والتي تبلغ قيمتها تريليون دولار تقريبًا، من أجل الحفاظ على ثقافة الشركة.
من خليفة “بافت”؟
في مقابلة مع صحيفة “وول ستريت جورنال”، ذكر “هوارد” -الذي كان جزءًا من مجلس إدارة “بيركشاير” لأكثر من 30 عامًا- أنه عندما يحين الوقت، سيكون مستعدًا لتولي الدور، لأن “بافت” أعده لذلك على مدار سنوات.
وكعادته كان “بافت” صريحًا في الأسباب التي دفعته لاختيار “هوارد” لهذا المنصب، وصرح للصحيفة قائلاً: سيتولى “هوارد” هذا الدور لأنه ابني، وأنا محظوظ للغاية لأنني أثق بأبنائي الثلاثة.
وعلقت “سوزي بافت” قائلة: عندما يهتم “هوارد” بشيء ما، فإنه يهتم به بنسبة 110%، أما “بيتر” فأوضح أن شقيقه يشعر بالمسؤولية للحفاظ على إرث والده.
وفي طفولته، كان “هوارد” يستمع إلى محادثات “بافت” الهاتفية، ويطرح تساؤلات حول الأشياء التي لم يفهمها، وعلى مدار حياته كان يلجأ لوالده لطلب النصيحة.
نشأ “هوي” في أوماها، ورغم تفوقه في المدرسة الثانوية، إلا أنه عانى خلال سنوات دراسته الجامعية والتحق بالعديد من الكليات لكنه واجه صعوبة في التكيف.
وبناءً على نصيحه من “بافت” انتقل نجله إلى لوس أنجلوس للعمل لدى “سيز” See’s وهي شركة للحلوى مملوكة لـ “بيركشاير هاثاواي”، لاكتساب خبرة عملية في مجال الأعمال، ثم بدأ لاحقًا أعماله الخاصة في مجال الحفر قبل التحول نحو الزراعة.
اشترى الملياردير الملقب بـ “حكيم أوماها” مزرعة لنجله، لكن “هوارد” دفع لوالده إيجارًا بسعر السوق، وبمرور الوقت ركز على الحفاظ على التربة واتباع الممارسات الزراعية المستدامة.
وشغل منصب عمدة مقاطعة ماكون في إلينوي في الفترة من عام 2017 إلى 2018، بعد دوره السابق كنائب مساعد، كما كان عضوًا في مجلس إدارة الإيثانول في نبراسكا.
وعينته شركة “آرتشر دانييلز ميدلاند” الزراعية في مجلس إدارتها عام 1991، ثم أصبح نائب رئيس للشركة ومساعدًا لرئيس مجلس الإدارة، وأوضح أنه تعلم الكثير في مثل هذه الشركة الكبيرة.
هل هوارد الاختيار المناسب؟
منذ بداية عام 1993، شغل “هوارد” مقاعد في مجالس إدارات عدد من الشركات بما في ذلك “بيركشاير هاثاواي” و”كوكاكولا إنتربرايزز” و”ليندسي كوربوريشن” للري والبنية الأساسية وشركة تصنيع المعدات الزراعية “جي إس آي جروب” وغيرها.
وأسس مؤسسة خيرية تركز على الحفاظ على البيئة والحياة البرية وغيرها من القضايا ذات الصلة، ويقضي الكثير من وقته حاليًا في العمل على الأمن الغذائي من خلال “هوارد جي بافت” التي تمولها تبرعات والده من الأسهم.
وقدم مساعدات لأوكرانيا -بعد غزو روسيا لها عام 2022- كجزء من عمله الخيري، وأنفقت مؤسسته أكثر من 800 مليون دولار لدفع تكاليف المساعدات الغذائية وغيرها.
لكن قبل الاجتماع السنوي للمساهمين في 2013، دعا “بافت” “دوج كاس” مدير أحد صناديق التحوط لطرح بعض الأسئلة عليه، وكان أحدها يتعلق بتحول “هوارد” في النهاية إلى رئيس غير تنفيذي للشركة.
وتساءل “كاس”: لم يدير “هوارد” أي عمل متنوع، وليس خبيرًا في إدارة المخاطر المؤسسية، وعلى حد علمنا، لم يقم باستثمارات كبيرة في الأسهم، ولم ينخرط أبدًا في عملية استحواذ على شركة كبيرة؟ فكيف يكون مؤهلاً لهذا المنصب؟
وأجاب “بافت” بأن دوره ليس كما وصفه “كاس”، موضحًا: لن يضطر للتفكير في إدارة الأعمال، بل عليه فقط التفكير فيما إذا كان مجلس الإدارة قد يحتاج لتغيير المدير التنفيذي.
الوصي على ثقافة بيركشاير
يُعرف “هوي” الثقافة بأنها إبقاء الأمور بسيطة، والقيام بالمطلوب دون فعل الكثير من الأشياء غير اللازمة، ومعاملة الناس بصورة عادلة، واحترام المديرين والمساهمين، وإخطارهم بالأنباء السيئة، وأن تكون صادقًا.
وأشار إلى أن الكثير من هيكل الشركة لن يتغير، فالمقر الرئيسي على سبيل المثال سيظل في أوماها في نبراسكا، ويجب أن تواصل “بيركشاير” عقد اجتماعات سنوية يجيب خلالها القادة عن أسئلة مطولة من المساهمين.
وعن احتمالية فصل وحدات تابعة عن الشركة، أوضح “هوي” أنه سيكون من الصعب الحكم على هذه الفكرة دون دراية بالظروف المحيطة، وأنه يجب أن يكون هناك سبب منطقي للغاية للقيام بشيء مختلف عما اتبعته الشركة من قبل.
لكن عندما سئل “هوي” في المقابلة عن إمكانية دفع “بيركشاير” توزيعات أرباح نقدية للمساهمين، ضحك وقال: هذا سؤال خادع.
وبالتالي فإن “هوارد” سيكون بمثابة وصي فقط على ثقافة الشركة التي كافح والده على مدار عقود زمنية للحفاظ على أعمالها حتى أصبحت واحدة من أكبر الشركات في الولايات المتحدة.
المصدر: وول ستريت جورنال – إيكونومك تايمز