منوعات اقتصادية

هل قرارات ترامب مدروسة لصالح بلاده أم مجرد ضجة ووسيلة تهديد؟

بمجرد أن أدى «دونالد ترامب» اليمين الدستورية، بدأ في إصدار أوامر تنفيذية واسعة النطاق وأعلن خططا تضر الشركاء التجاريين لأمريكا، ما أثار مخاوف من أن تشعل تغييراته السياسية حربًا تجارية وتثير توترات جيوسياسية، فضلا عن زيادة الضغوط التضخمية.
وفي اليوم الأول من توليه منصبه، وقع الرئيس السابع والأربعون على قائمة من الأوامر التنفيذية التي تشمل الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، ومن منظمة الصحة العالمية، وهدد بزيادة الرسوم الجمركية. وفي التالي بعض أبرز القرارات والتعهدات التي قدمها «ترامب» بعد ساعات قليلة من توليه رئاسة أكبر اقتصادات العالم لفترة ولاية ثانية، ومدى قابلية تنفيذها أو المخاطر التي تشكلها سواء على بلاده أو على العالم أجمع.
التعريفات الجمركية
هدد «ترامب» خلال حملته الانتخابية بفرض تعريفات جمركية على السلع الواردة من الشركاء التجاريين وتحديدًا من كندا والمكسيك والصين بمجرد عودته للبيت الأبيض، لكنه لم يوقع أمرًا تنفيذيًا في يومه الأول يتعلق بهذا الشأن.
بل سكب مزيدًا من البنزين على النار التي قد تشعل حربًا تجارية، وهدد بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على الواردات من كندا والمكسيك بحلول الأول من فبراير تقريبًا، وأمر المسؤولين بمراجعة العلاقات التجارية الأمريكية بحثًا عن ممارسات غير عادلة مع المكسيك وكندا والصين.
وحذر في خطاب تنصيبه من أن أمريكا ستفرض رسومًا جمركية على الدول الأجنبية لإثراء مواطنيها، لأن الرسوم الجمركية جزء أساسي من رؤيته الاقتصادية، لأنه يعتبرها وسيلة لتنمية الاقتصاد الأمريكي وحماية الوظائف وزيادة عائدات الدولة. ردًا على ذلك، صرح وزراء في الحكومة الكندية بأن بلاده ستكون جاهزة للرد حال نفذ «ترامب» تهديده، وحذرت وزيرة الخارجية الكندية «ميلاني جولي» الأسبوع الماضي من أن الرسوم الجمركية قد تثير أكبر حرب تجارية بين كندا والولايات المتحدة منذ عقود.
يبرز التساؤل هنا، هل ذلك سيكون في صالح أمريكا؟ الإجابة لا حسب آراء الخبراء، لأن الرسوم الجمركية قد ترفع أسعار السلع اليومية للمستهلكين الأمريكيين إذا حملت الشركات التكلفة الإضافية الناتجة عن التعريفات على الأسعار، كما تلحق ضررًا بالشركات المتضررة من الرد الانتقامي من الدول المستهدفة.
وترى «دانييل سميث» زعيمة مقاطعة ألبرتا الكندية أن تأجيل «ترامب» لذلك القرار هو بمثابة اعتراف ضمني بأن هذه قضية معقدة وحساسة ولها آثار خطيرة على العمال والشركات والمستهلكين في كندا وأمريكا. بالنسبة للمكسيك، فهي أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة، حيث تستورد أمريكا منها منتجات تشمل قطاعات الثروة الحيوانية والنفط والغاز والزراعة والغابات، والسيارات والإلكترونيات.
أما كندا، فإنها من أكبر 3 شركاء تجاريين لأمريكا، وتصدر لها النفط والغاز وغيرها من منتجات الطاقة، لذلك فإنه حال نفذ «ترامب» تهديده فإن ذلك سيشكل ضغوطًا إضافية على تكاليف الطاقة في أمريكا. وعن الصين، فأشار «ترامب» إلى أن قراره بفرض رسوم جمركية على الصين قد يرتبط برد بكين على استحواذ شركة أمريكية على ما لا يقل عن 50% من «تيك توك»، بعدما قرر وقف حظر منصة التواصل الاجتماعي لمدة 75 يومًا.
الانسحاب من اتفاق باريس للمناخ
انسحب «ترامب» مرة أخرى من الاتفاق ما يعني استبعاد البلاد من الجهود العالمية لمكافحة تغير المناخ الذي ساهم بالفعل في حرائق لوس أنجلوس، كما يرى الخبراء.
وتضع تلك الخطوة الولايات المتحدة إلى جانب إيران وليبيا واليمن باعتبارها الدول الوحيدة في العالم خارج الاتفاق الذي وافقت فيه الحكومات على الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة، لتجنب أسوأ آثار تغير المناخ.
قرار الانسحاب يتوافق مع شكوك «ترامب» بشأن تغير المناخ الذي وصفه بالخدعة، ويتناسب مع أجندته بتحرير شركات النفط والغاز الأمريكية من القيود التنظيمية حتى يتمكنوا من زيادة الإنتاج، لكن هل يعني القرار تخلي الولايات المتحدة بالفعل عن الالتزام تجاه القضايا البيئية؟
صرح متحدث باسم الأمم المتحدة بأنه على الرغم من الانسحاب إلا أن الأمين العام «أنطونيو جوتيريش» واثق من أن المدن والولايات والشركات الأمريكية ستواصل إظهار الرؤية والقيادة من خلال العمل من أجل نمو اقتصادي مرن منخفض الانبعاثات الكربونية، ويضيف وظائف جديدة.
وأضاف أنه من المهم أن تظل الولايات المتحدة رائدة في القضايا البيئية، لكن يتعين على أمريكا إخطار «جوتيريش» رسميًا بانسحابها، والذي بموجب شروط الاتفاق سيدخل حيز التنفيذ بعد عام.
زيادة إنتاج النفط
أعلن «ترامب» حالة الطوارئ الوطنية للطاقة كجزء من الإجراءات المؤيدة للوقود الأحفوري والتي تهدف لإطلاق العنان لزيادة إنتاج النفط -المزدهر بالفعل في الولايات المتحدة- بما يشمل إلغاء القيود المفروضة على التنقيب في ألاسكا وإلغاء وقف صادرات الغاز.
وتسمح حالة الطوارئ للرئيس بتسريع إصدار التصاريح للبنية التحتية الجديدة للوقود الأحفوري، وذلك وسط مخاوف بشأن كفاح شبكة الطاقة في التعامل مع الزيادة المتوقعة في الطلب من مراكز البيانات وسط طفرة الذكاء الاصطناعي.
وذكر في خطاب التنصيب: لدينا ما لا تمتلكه أي دولة صناعية أخرى على الإطلاق، وهو أكبر كمية من النفط والغاز مقارنة بأي دولة أخرى، وسنستخدمها، سنكون أمة غنية مجددًا، وهذا الذهب السائل تحت أقدامنا هو الذي سيساعدنا في القيام بذلك.
كما ألغى معايير الحد من انبعاثات السيارات والقيود المفروضة على توسع النفط والغاز في ولاية ألاسكا، وتخلى أيضًا عن التوقف الذي فرضته الإدارة السابقة بشأن الموافقات على طلبات تصدير الغاز الطبيعي المسال.
وذلك رغم تحليل أصدره البيت الأبيض في ديسمبر، والذي حذر من أن أي توسع إضافي في الصادرات من شأنه رفع التكاليف بالنسبة للمستهلكين المحليين وإعاقة جهود مكافحة تغير المناخ.
كما حذر خبراء المناخ حول العالم منذ فترة طويلة من أن الاستخراج الإضافي للفحم أو النفط أو الغاز قد يعرض القدرة على تلبية أهداف المناخ للأمم المتحدة للخطر، وسيقرب العالم من كارثة مناخية.
وذكرت «وينونا هاوتر» المديرة التنفيذية للمنظمة غير الهادفة للربح والمعنية بالمناخ «فود أند وتر واتش»: إعلان «ترامب» حالة الطوارئ للطاقة يستغل فرضية خاطئة لتشجيع التوسع في إنتاج الوقود الأحفوري في وقت أصبحت فيه أمريكا بالفعل أكبر منتج للنفط والغاز في العالم.
وأضافت: بينما لا تزال الحرائق مستعرة في جميع أنحاء لوس أنجلوس، والمجتمعات المتضررة من الأعاصير والفيضانات تكافح من أجل التعافي، علينا العمل سريعًا على تقليل إنتاجنا من الوقود الأحفوري واعتمادنا عليه وليس زيادته.
موضحة أن تحركات «ترامب» لن تؤدي إلا لزيادة النفقات على الجميع من خلال فواتير أعلى للمرافق وتأثير التلوث الأكبر، والتكاليف الباهظة للكوارث الناجمة عن تغير المناخ، والتي تقع جميعها بصورة غير متناسبة على الأسر ذات الدخل المنخفض.
استيراد النفط من فنزويلا
صرح «ترامب» أمس بأن إدارته ستتوقف على الأرجح عن شراء النفط من فنزويلا، قائلاً: كانت لدينا دولة عظيمة قبل 20 عامًا، والآن أصبحت فوضى، لسنا مضطرين لشراء نفطهم.
وهو ما يتوافق مع التوقعات بتبني «ترامب» موقفًا أكثر صرامة ضد نظام الرئيس «نيكولاس مادورو» مقارنة بالرئيس السابق «بايدن».
لكن هل يمكن التوقف عن استيراد النفط من الدولة الواقعة في أمريكا الجنوبية، بعدما ارتفعت صادراتها النفطية إلى أمريكا بحوالي 64% إلى 222 ألف برميل يوميًا في العام الماضي، ما يجعلها ثاني أكبر سوق تصدير لفنزويلا بعد الصين. ربما يتمكن «ترامب» من تقليل ما تستورده بلاده من فنزويلا مع تنفيذ وعوده بالعمل على زيادة إنتاج النفط الأمريكي وإلغاء القيود التنظيمية التي فرضها «بايدن»
إعادة تسمية خليج المكسيك
أكد «ترامب» في خطاب تنصيبه نيته إعادة تسمية خليج المكسيك إلى خليج أمريكا، الذي يمثل مركزًا مهمًا للنشاط الاقتصادي بما في ذلك صيد الأسماك والنقل البحري وإنتاج النفط والغاز، وهو يفسر اهتمام الرئيس به. واقترح «ترامب» هذا التغيير في وقت سابق موضحًا أن الاسم الجديد جميل ومناسب، وبعد تنصيبه أشار إلى أن ذلك سيحدث بعد وقت قصير.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى