الجيل القلق: هل تدفعنا التكنولوجيا نحو الاكتئاب؟

– يُشير كتاب “الجيل القلق” للمفكر الأمريكي جوناثان هايدت إلى تفاقم معدلات الاعتلالات النفسية بين فئة الشباب خلال العقد الأخير.
– ويعزو ذلك إلى الاستخدام المُفرط للهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي، إضافةً إلى تقلُّص فُرص اللعب الحرّ غير الموجَّه.
– وعلى الرغم من أنَّ الكتاب يطرحُ رؤًى مُحفزة على التفكير، فإنَّ منهجه الذي يعتمدُ على التعميمات والاستعارات، إلى جانب عدمِ إحكام الأدلَّة العلمية، يجعلُ مناقشتهُ للقضية غيرَ قاطعة، وذلك وفقًا لرأي الناقدة جوديث جلاسر.
وسائل التواصل الاجتماعي في دائرة الاتهام
– أثار الاستخدام المُكثَّف لوسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية العديدَ من التساؤلات بشأن علاقته بارتفاع مُعدَّلات القلق والاكتئاب في أوساط الشباب.
– وبينما لم تتوصل الأبحاث إلى إجماعٍ جازم حول هذه العلاقة، فإنَّ مجموعة من العلماء، على غرار جين توينج، يُؤكِّدون وجودَ رابطٍ مُباشر، في حين يُشكِّك آخرون، مثل إيمي أوربين، في هذا الرأي.
– ينحاز هايدت إلى الرأي القائل بأنَّ وسائل التواصل الاجتماعي تضطلع بدورٍ جوهري في أزمة الصحة النفسية لدى الشباب، ويستندُ في تحليله إلى دراساتٍ أكاديمية مُتنوِّعة، بالإضافة إلى شهاداتٍ وتجاربَ شخصية.
– ويطرح الكتابُ فرضيةً مفادها أنَّ شركات التواصل الاجتماعي، مثل “ميتا” (فيسبوك سابقًا)، قد استغلَّت عمدًا الدراسات النفسية لتطوير مُنتجاتٍ تُسبِّب الإدمان، على نحو ما كشف عنه المُبلِّغ عن المُخالفات فرانسيس هاوجن.
تفاوت التأثيرات بين الجنسين
– يُوضِّح الكتاب أنَّ تأثير وسائل التواصل الاجتماعي يختلف بين الجنسين، إذ تميل الفتيات إلى قضاء وقتٍ أطول في تصفُّح المنصات الرقمية، ممَّا يجعلهنَّ أكثر عُرضةً للقلق والاكتئاب.
– بينما يميل الفتيان إلى استهلاك المحتوى الإباحي والانخراط في ألعاب الفيديو، وهي عاداتٌ ذات تأثيراتٍ نفسية مُتباينة.
– كما يُناقش هايدت انحسارَ فُرص اللعب الحرّ غير الموجَّه بوصفه عاملًا إضافيًا مُحتملًا في تفاقم الأزمة، مُشيرًا إلى أنَّ هذا الانحسار قد بدأ منذ سبعينيات القرن الماضي، الأمر الذي يطرحُ تساؤلاتٍ حول مدى ارتباطه المُباشر بالارتفاع الأخير في معدلات الاعتلالات النفسية.
هل يكفي التطوّر البيولوجي لتفسير الأزمة؟
– يعتمد هايدت في بعض جوانب كتابه على استعاراتٍ بيولوجية وتطوّرية قد تكون مُوغلةً في التبسيط؛ فهو يُشير، على سبيل المثال، إلى أنَّ “الأشجار الصغيرة تحتاج إلى الرياح لكي تنموَ بشكلٍ مرن”، لتبرير أهمية تعرُّض الأطفال لضغوطٍ حياتية من أجل تنمية شخصياتهم؛ غير أنَّ هذا التفسير يتجاهل تعقيد التجربة الإنسانية وتغيُّر الظروف البيئية والاجتماعية عبر العصور.
– بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ تفسير هايدت يُركِّز بشكلٍ أساسي على التجربة الأمريكية، على الرغم من كونه يُؤكِّد أنَّ ظاهرة تردّي الصحة النفسية لدى الشباب هي ظاهرةٌ عالمية. يثيرُ هذا التناقض تساؤلاتٍ حول مدى دقَّة تعميم استنتاجاته على جميع المجتمعات.
حلولٌ مُقترحة ولكنَّها غير مُكتملة
– يُقدِّم هايدت مجموعةً من الحلول، من بينها منع الأطفال والمراهقين الصغار من امتلاك هواتف ذكية، وفرض قيودٍ عُمرية على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وإبعاد الهواتف عن المدارس، وإعادة تصميم منصات التواصل لجعلها أقلَّ إدمانًا. كما يدعو إلى إتاحة المزيد من الفُرص للعب الحرّ غير الموجَّه وتعزيز الاستقلالية لدى الأطفال.
– بيد أن هذه الحلول تواجهُ بعض الانتقادات، إذ يبدو بعضها غير واقعي أو مُوجَّهًا بشكلٍ أساسي إلى فئةٍ مُعيَّنة، وبعضها قد لا يكون عمليًا في بعض الدول والمجتمعات.
مُبالغاتٌ ومُفارقات
– يستخدم هايدت مصطلحاتٍ لافتةٍ للنظر، مثل “الأضرار الجوهرية الأربعة” (وهي: الحرمان الاجتماعي، والحرمان من النوم، وتشتيت الانتباه، والإدمان)، إضافةً إلى استخدامه عباراتٍ من قبيل “إعادة برمجة الطفولة” و”وباء الأمراض النفسية”، الأمر الذي يُشير إلى أسلوبٍ بلاغيٍّ مُفعمٍ بالدراما، وهو ما قد يُضعِفُ من حُجِّيَّةِ طروحاتِهِ.
– علاوةً على ذلك، يتجاهل الكتاب الفروقات الفردية القائمة بين المراهقين، حيث إنَّ أثر التكنولوجيا لا يقعُ بالوتيرة ذاتها على جميع الأفراد، إذ يتمكَّن بعضهم من تسخيرها دون أن تترتَّب على ذلك آثارٌ سلبيةٌ على صحتهم النفسية.
– وعلى سبيل المثال، يُشير الكتاب إلى أنَّ ما نسبته 7% من اليافعين الذكور يُظهرون “سلوكًا مستهجنًا” في سياق الألعاب الإلكترونية، وهي نسبةٌ تُعدُّ ضئيلةً إذا ما قُورنت بمجموع أعداد المُستخدمين.
الخلاصة: طرحٌ جريء ولكنَّه غير حاسم
– مع أهمية القضية التي يتناولها الكتاب، فإن استناده إلى التعميمات وهشاشة بعض استنتاجاته قد يسهّل تجاهل المخاوف الجوهرية التي يثيرها.
– بيد أن الصورة التي يرسمها هايدت – من تأثيرات التكنولوجيا الحديثة إلى أهمية التجارب الروحانية وأسلوب التربية – يجعل الكتاب مادة دسمة للنقاش بين الأكاديميين والآباء وعموم المهتمين بمستقبل الجيل القادم.
المصدر: كلية لندن للاقتصاد