مقالات اقتصادية

بنك وادي السيليكون.. الانهيار الأكبر منذ الأزمة المالية

كتب أسامة صالح 

في أوائل آذار (مارس)، اجتمع 40 من كبار المسؤولين الماليين من مختلف مجموعات التكنولوجيا في منتجع يوتا للتزلج في دير فالي من أجل “قمة الثلج” السنوية التي استضافها بنك وادي السيليكون، مؤسسة مالية مهمة للشركات الناشئة.

بالكاد بعد أسبوع، في صباح الخميس، كان عدة من المسؤولين الماليين يتبادلون رسائل محمومة حول ما إذا كان ينبغي لهم الاستمرار في الاحتفاظ بأموالهم في البنك.
أدى بيع بنك وادي السيليكون لأوراق مالية بقيمة 20 مليار دولار لتخفيف الانخفاض الحاد في الودائع إلى تركيز انتباه المستثمرين على نقاط الضعف في ميزانيته العمومية. لذا تخلصوا من أسهمه، ما أدى إلى إزالة ما قيمته عشرة مليارات دولار من أسهمه، وانهيار القيمة السوقية للبنك – التي بلغت 44 مليار دولار قبل 18 شهرا فقط – إلى أقل من سبعة مليارات دولار.

قال أحد المسؤولين الماليين، الذي كانت شركته تحتفظ بنحو 200 مليون دولار لدى بنك وادي السيليكون، “كانت معضلة السجين في أساسها على هذا النحو، أنا بخير إذا لم يسحبوا أموالهم، وسيكونون هم بخير إذا لم أسحب أموالي”.

لكن بدأ البعض بعد ذلك في نقل أموالهم. قال المسؤول المالي، “تلقيت رسالة نصية من صديق آخر – كان ينقل أمواله بالتأكيد إلى بنك جيه بي مورجان. كان الأمر يحدث بالفعل. العقد الاجتماعي الذي كان من الممكن أن نحصل عليه جماعيا هشا للغاية. اتصلت برئيسنا التنفيذي وقمنا بتحويل 97 في المائة من ودائعنا إلى بنك إتش إس بي سي بحلول منتصف نهار الخميس”.

بحلول صباح الجمعة، كان البنك مفلسا. إذ بدأ العملاء عمليات سحب بقيمة 42 مليار دولار في يوم واحد – ربع إجمالي ودائع البنك – ولم يتمكن البنك من تلبية الطلبات. انتقلت المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع – الجهة المنظمة للبنك الأمريكي التي تضمن ودائع تصل إلى 250 ألف دولار – إلى المقر الرئيس للبنك في سانتا كلارا، كاليفورنيا، وأعلنت أن البنك في حالة إعسار وتولت زمام الأمور. كانت عملية السحب الكبيرة سريعة لدرجة أنه تم استنزاف خزائنه بالكامل وتكبد “رصيدا نقديا سلبيا” يقارب مليار دولار.

أذهل الانهيار السريع لبنك وادي السيليكون مجتمع رأس المال المغامر والشركات الناشئة، الذين يواجه كثير منهم الآن حالة من عدم اليقين بشأن مصير حساباتهم المصرفية وعمليات شركاتهم. قدم بنك وادي السيليكون خدمات مصرفية لنصف شركات التكنولوجيا وعلوم الحياة المدعومة برأس المال المغامر في الولايات المتحدة، ولعب دورا كبيرا في حياة رواد الأعمال وداعميهم، وإدارة الشؤون المالية الشخصية، والاستثمار كشريك محدود في الصناديق الاستثمارية المغامرة وضمان عمليات اكتتاب إدراجات الشركات.

قال أحد كبار التنفيذيين في البنك، “اتضح أن أحد أكبر المخاطر التي تعرض لها نموذج عملنا هو تلبية احتياجات مجموعة متماسكة للغاية من المستثمرين الذين يظهرون عقليات تشبه القطيع. أعني، ألا يبدو هذا وكأنه عملية سحب مصرفية كبيرة كانت تنتظر الحدوث؟”.

تفكك بنك وادي السيليكون على نحو سيئ في عمليات السحب المصرفية تلك، لكن مصيره كان محسوما قبل ذلك بعامين تقريبا.
في 2021، في ذروة طفرة الاستثمار في شركات التكنولوجيا الخاصة، تلقى بنك وادي السيليكون سيلا من الأموال. حيث ضخت الشركات التي كانت تتلقى استثمارات هائلة من الصناديق المغامرة الأموال في البنك، الذي شهد ارتفاع ودائعه من 102 إلى 189 مليار دولار، ما تركه غارقا في “سيولة فائضة”.

عبر البحث عن العائد في عصر أسعار الفائدة المنخفضة للغاية، الاستثمار في محفظة بقيمة 120 مليار دولار من الأوراق المالية ذات التصنيف العالي المدعومة من الحكومة، عزز 91 مليار دولار منها في سندات الرهن العقاري ذات المعدل الثابت التي تحمل متوسط سعر فائدة بـ1.64 في المائة فقط. في حين أنها أعلى قليلا من العوائد الضئيلة التي يمكن أن تجنيها من الدين الحكومي قصير الأجل، إلا أن الاستثمارات حجزت السيولة النقدية لأكثر من عقد من الزمان وعرضتها للخسائر إذا ارتفعت أسعار الفائدة بسرعة.

عندما ارتفعت معدلات الفائدة بشكل حاد العام الماضي، انخفضت قيمة المحفظة بمقدار 15 مليار دولار، مبلغ يساوي تقريبا إجمالي رأس مال بنك وادي السيليكون. ولو اضطر إلى بيع أي من السندات، فقد يخاطر بأن يصبح معسرا من الناحية الفنية.
مثلت الاستثمارات تحولا كبيرا في استراتيجية بنك وادي السيليكون، الذي احتفظ حتى 2018 بالأغلبية العظمى من فائضه النقدي في سندات الرهن العقاري المستحقة في غضون عام واحد، وفقا لإيداعات الأوراق المالية.

عزا أحد الأشخاص المنخرطين بشكل مباشر في الشؤون المالية للبنك تلك السياسة إلى تغيير رؤساء الأقسام المالية الرئيسة في بنك وادي السيليكون في 2017 حيث ارتفعت أصوله نحو 50 مليار دولار، الحد الذي سيصنف فيه على أنه جهة إقراض “مهمة من الناحية النظامية” تخضع إلى مزيد من التدقيق التنظيمي.

بدأت القيادة المالية الجديدة في تحويل نسبة أكبر من النقد الفائض إلى سندات طويلة الأجل بمعدل فائدة ثابت، مناورة من شأنها إرضاء المساهمين العامين عبر تعزيز أرباحه الإجمالية، وإن كان ذلك بشكل طفيف.
لكنه بدا غافلا عن خطر أن تدفق السيولة كان أحد أعراض انخفاض أسعار الفائدة التي يمكن أن تنعكس إذا ارتفعت. في الأغلب ما تزيد البنوك المركزية معدلات الفائدة للحد من الإفراط في الاستثمار بين المستثمرين، قرارات تؤدي عموما إلى تباطؤ الاستثمار في الشركات المضاربة مثل الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا. تعرضت محفظة سندات بنك وادي السيليكون إلى ارتفاع معدلات الفائدة وكذلك ودائعه.
قال المدير التنفيذي السابق، “كان لدينا ما يكفي من المخاطر في نموذج عملنا. لم نكن بحاجة إلى المخاطر في سجل إدارة الأصول/الالتزامات”، مشيرا إلى قدرة البنك على بيع الأصول لتلبية احتياجات السيولة الخاصة به. “فاتهم ذلك بالكامل”.

عندما بدأت فقاعة استثمار رأس المال المغامر في أوائل 2021، بدأ نيت كوبيكار، شريك في صندوق التحوط أورسو بارتنرز، بدراسة بنك وادي السيليكون كوسيلة للمراهنة ضد الصناعة ككل.

قال كوبيكار، “مشكلة نموذج العمل هي أنه عندما يجف رأس المال، تهرب الودائع. كان النموذج واحدا من أفضل الطرق للبيع على المكشوف عند انفجار فقاعة التكنولوجيا. تظهر حقيقة فشل هذا البنك أن الفقاعة قد انفجرت”.

في حين كان مصرفيو بنك وادي السيليكون يحتفون بالمسؤولين الماليين في منحدرات منتجع يوتا في أوائل مارس، كان الضغط يتصاعد بسرعة على الفريق التنفيذي في بنك وادي السيليكون، بقيادة الرئيس جريج بيكر.

على الرغم من انخفاض ودائع بنك وادي السيليكون لأربعة أرباع متتالية حيث انهارت التقييمات التكنولوجية من أعلى مستوياتها في حقبة الجائحة، إلا أنها انخفضت بشكل أسرع من المتوقع في شباط (فبراير) ومارس. قرر بيكر وفريقه المالي تصفية جميع محافظ الأوراق المالية “المتاحة للبيع” التابعة للبنك تقريبا وإعادة استثمار العوائد في الأصول قصيرة الأجل التي من شأنها تحقيق أسعار فائدة أعلى وتحسين الضغط على ربحية البنك.

كان البيع يعني تلقي ضربة بقيمة 1.8 مليار دولار، حيث كانت قيمة الأوراق المالية قد انخفضت منذ أن اشتراها بنك وادي السيليكون بسبب ارتفاع أسعار الفائدة. وللتعويض عن ذلك، رتب بيكر طرحا عاما لأسهم البنك، بقيادة بنك جولدمان ساكس. وقد شمل استثمارا كبيرا من شركة جنرال أتلانتيك، التي التزمت بشراء أسهم بقيمة 500 مليون دولار.

تم إعلان الصفقة مساء الأربعاء لكن بحلول صباح الخميس بدا أنها ستفشل. إذ فاجأ قرار بنك وادي السيليكون ببيع الأوراق المالية بعض المستثمرين وشد انتباههم إلى أنه قد استنفد الطرق الأخرى لجمع الأموال. وبحلول وقت الغداء، كان ممولو وادي السيليكون يتلقون مكالمات المحاولة الأخيرة من بنك جولدمان، الذي حاول لفترة وجيزة تجميع مجموعة أكبر من المستثمرين إلى جانب شركة جنرال أتلانتك لزيادة رأس المال، حيث كان سعر سهم بنك وادي السيليكون ينخفض.

في الوقت نفسه، نصح بعض كبار المستثمرين المغامرين، بما في ذلك شركة فاوندرز فند المملوكة من قبل بيتر ثيل، الشركات بسحب أموالها من بنك وادي السيليكون. وطلب بيكر من الناس، في سلسلة من المكالمات مع عملاء ومستثمري بنك وادي السيليكون، ألا يشعروا بالذعر. وقال، “إذا كان الجميع يخبرون بعضهم بعضا أن بنك وادي السيليكون في ورطة، فسيكون ذلك مشكلة”.

فجأة، أصبحت المخاطر التي تراكمت على الميزانية العمومية لبنك وادي السيليكون لأكثر من عام حقيقة واقعة. إذا انخفضت الودائع أكثر، فسيضطر بنك وادي السيليكون إلى بيع محفظة السندات المحتفظ بها حتى تاريخ استحقاقاتها والاعتراف بخسارة قدرها 15 مليار دولار، والاقتراب أكثر من الإفلاس.
جادل مصرفيون منافسون بأن الخطة كانت معيبة منذ البداية – إذ كشف البنك عن خسارة بقيمة 1.8 مليار دولار في الوقت الذي حصل فيه فقط على 500 مليون دولار من 2.25 مليار دولار زيادة من رأس المال من مستثمر رئيس. قال أحد كبار المصرفيين في أحد البنوك المنافسة، “لا يمكنك بناء سجل في الوقت الذي تكون فيه السوق مفتوحة وأنت تخبر الناس أن هناك فجوة بقيمة ملياري دولار”.

كما كان هناك ضغط خارجي. كان مصرفيو بنك جولدمان الذين يعملون على رأس المال يعلمون أن الصفقة تتم بطريقة يصعب تحقيقها مع خلفية السوق غير المساعدة. لكن الشركة كانت تواجه أزمة زمنية بسبب تخفيض التصنيف الائتماني من قبل شركة موديز من A3 “مخاطر ائتمانية منخفضة” إلى Baa1 “مخاطر ائتمانية معتدلة” الأربعاء. قال أحد الأشخاص المشاركين في زيادة رأس المال، “لقد أجبروا على التوقيع من قبل وكالة التصنيف”. ورفض بنك جولدمان ساكس التعليق.

كان لحجم وسرعة الدمار الذي أعقب ذلك تأثير مضاعف في صناعة التكنولوجيا على مستوى العالم.
بينما تحاول الجهات التنظيمية إنقاذ أصول بنك وادي السيليكون واستعادة أموال العملاء، من المحتمل عبر بيع بعض أو كل عمليات البنك في نهاية هذا الأسبوع، أثار الانهيار تدقيقا في منهجه لإدارة المخاطر.
في النهاية، ارتكب البنك خطيئة كبرى في مجال التمويل. فقد تحمل مخاطر هائلة مع احتمال الحصول على عائد متواضع فقط من أجل تعزيز الأرباح قصيرة الأجل.

حذر أحد البائعين على المكشوف في أحد صناديق التحوط الذي أوضح بالتفصيل مخاطر البنك في العام الماضي من أن بنك وادي السيليكون قد بنى عن غير قصد الأساس لما يمكن أن يصبح “أول انهيار لبنك أمريكي كبير منذ 15 عاما”.

قال الشخص الذي راهن صندوقه ضد بنك وادي السيليكون، “لقد حاولوا الحصول على (0.4 نقطة مئوية) إضافية من العائد ودمروا البنك. إنه أمر محزن حقا”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى