أخبار عاجلةاقتصاد خليجي

الاستثمار الخليجي تحت رادار الشركات العالمية

في وقت تواجه الاقتصادات المتقدمة احتمالات الركود وتحذر المؤسسات الدولية من صعوبات عام 2023 وما يليه، تزدحم حركة المرور نحو دول الخليج بكبار مسؤولي الشركات الرئيسة في العالم.

تصف صحيفة “فايننشال تايمز” في تحقيقها الأسبوعي الموسع كيف أن الكل يسعى إلى الحصول على تمويل من دول المنطقة في ما يشبه الوضع مع الأزمة المالية العالمية عام 2008.

في ذلك الوقت، كانت صناديق الثروة السيادية بدول الخليج مثل صندوق أبو ظبي والصندوقين الكويتي والقطري تغدق الأموال مستثمرة في الدول الغربية المنهارة التي تصارع للحصول على رأس المال ومنها “سيتي غروب” و”كريدي سويس” و”باركليز” و”ديلمر” وغيرها من الشركات التي استفادت من تمويل تلك الصناديق في أزمة 2008 -2009.

حالياً ومع ارتفاع أسعار الطاقة بسبب الحرب في أوكرانيا وغيرها من العوامل، يتوقع صندوق النقد الدولي أن تتوافر لدول الشرق الأوسط المنتجة للطاقة عائدات إضافية بنحو 1.3 تريليون دولار على مدى الأعوام الأربعة المقبلة.

وقالت الصحيفة إن “القدر الأكبر من تلك العائدات يذهب إلى دول الخليج التي تضم أكبر مصدر للنفط وهي السعودية وأكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال وهي قطر”.

ونقلت الصحيفة عن أحد كبار المصرفيين في المنطقة قوله إن “القدرات المتوافرة هائلة على مدى الشهرين الماضيين، تجد كل أسبوع شركتين أو أكثر هنا، سواء من الولايات المتحدة بشكل أساسي أو من أوروبا والصين والهند، يقومون بعرض أعمالهم”.

استراتيجية جديدة

إلا أن المسؤولين في الخليج يبدون أكثر حذراً وتحوطاً هذه المرة مقارنة بأزمة 2008، فبحسب التحقيق “على رغم أنهم يعتبرونها فرصة للاستفادة منها، إلا أن استثماراتهم ستكون بطريقة استراتيجية”، فقد أصبحت صناديق الثروة السيادية أكثر خبرة وتطوراً مما كانت عليه في وقت الأزمة المالية العالمية.

ويضرب التحقيق مثالاً بصندوق “مبادلة” في أبو ظبي الذي كان عمره وقت الأزمة المالية العالمية ثلاثة أعوام فقط، كذلك كان حجم جهاز قطر للاستثمار نحو 450 مليار دولار “وكان يتصرف وقتها برد الفعل أكثر منه بشكل استراتيجي”.

وأشار التحقيق إلى خسائر “مبادلة” التي ظهرت في انهيار “آبار” و”آيبيك”، إذ كان حجم الصندوق وقتها 15 مليار دولار، أما الآن، فيزيد على 284 مليار دولار.

كان صندوق أبو ظبي وقتها صغيراً وفي بداياته، أما الآن، فكما قال رئيس الصندوق خلدون المبارك للصحيفة “لا نهتم بكثرة الصفقات ولا من يريدون تمويلنا، إنما نريد الصفقات التمويلية التي تناسب طموحاتنا الاستراتيجية، في 2008 كان رد فعلنا جيداً، لكننا هذه المرة نعتمد نهجاً مختلفاً واستراتيجياً”.

يردد رئيس جهاز قطر للاستثمار منصور بن إبراهيم المحمود الأمر نفسه، قائلاً “كنا في مقتبل عملنا (2008)، كان فريقنا صغيراً، وكنا نبني الصندوق من الصفر، لذا كنا أكثر انتهازية (في صفقات التمويل)، الوضع الآن يختلف تماماً، فقد أصبحنا أكثر نضجاً وأشد رسوخاً ولدينا فرق متخصصة” في الاستثمار بالأصول المفيدة استراتيجياً.

ومضى تحقيق “فايننشال تايمز” المطول للإشارة إلى أن سياسة الصناديق السيادية في الخليج الآن تشهد استراتيجية جديدة مع بروز لاعب رئيس هو صندوق الاستثمارات العامة السعودي “الذي شهد عملية إعادة إحياء جذرية منذ تولي الأمير محمد بن سلمان رئاسته عام 2015 بحيث أصبح (الصندوق) في موقع ريادة الخطط الكبرى لإعادة هيكلة الاقتصاد”.

تحديد أولوية المشاريع

ورصد التحقيق كيف أن صندوق الثروة السيادي السعودي لم يبرم صفقات تمويل كبرى خارجياً، كما فعل في 2016، “لكنه يستمر في النشاط والفاعلية عبر شركات كبرى بالداخل السعودي من شركة السيارات الكهربائية السعودية (سير)، إلى شركات تأجير الطائرات، بينما يقوم بتداول المليارات في الأسهم بالخارج”.

وبحسب الصحيفة، زادت استثمارات الصندوق في الخارج من تسعة في المئة من أصوله عام 2017 إلى نحو الربع في يونيو (حزيران) الماضي، وذلك في وقت ارتفعت أصول الصندوق عامة من 150 مليار دولار قبل سبعة أعوام إلى أكثر من 600 مليار دولار حالياً.

ويستهدف الصندوق أن تصل أصوله إلى 1 تريليون دولار بحلول عام 2025، على أن تكون نسبة 30 في المئة منها استثمارات دولية.

لذا، يتوقع أن يكون القدر الأكبر من الإنفاق الحكومي على الاستثمارات الوطنية من خلال صندوق الاستثمارات العام وصندوق التنمية الوطنية.

ونقلت الصحيفة عن وزير المالية السعودي محمد الجدعان، وهو أيضاً عضو مجلس إدارة الصندوق، قوله “لا نريد للأموال أن تظل راكدة من دون عائد، الهدف هو التوازن الدقيق بين الحفاظ على الانضباط المالي مع الاستفادة من الفرص التي توفرها فترة الوفرة”.

وأوضح أنه “تم تعزيز القدرات المؤسسية لمراقبة وضمان كفاءة الإنفاق الحكومي واستخدام نهج معلوماتي لتحديد أولوية المشاريع، استناداً إلى عائدها الاقتصادي المتوقع”.

ويضرب الجدعان مثالاً بتأسيس “مركز كفاءة الإنفاق” الذي يعمل فيه 500 موظف لضمان تفادي “الاندفاع في الإنفاق من دون خطط سليمة”، وبحسب أرقام الوزارة مكنها ذلك من توفير 186 مليار دولار منذ عام 2016.

وبحسب وصف أحد كبار المصرفيين الذي لم تذكر صحيفة “فايننشال تايمز” اسمه، يبدو تصرف صناديق الثروة السيادية في دول الخليج هذه المرة أقرب إلى عملية “عكس التأميم”، بمعنى الاستثمار في الداخل عبر شراكات مع القطاع الخاص.

وهذا ما يجعل المصرفيين في بنوك الاستثمار الكبرى يعتمدون الآن على معيار أساسي في طرح الشركات الأجنبية التي تسعى إلى تمويل الصناديق، وهو أن تكون مستعدة للشراكات الاستراتيجية مع الدولة صاحبة الصندوق وليس فقط استهداف التمويل بشراء الصناديق لحصص في تلك الشركات، كما كانت الحال في 2008.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى