اقتصاد دولي

ما مدى المواجهة بين «أوبك+» وأميركا في سوق الطاقة؟

حافظت أسعار النفط على استقرارها في تعاملات الأسواق، بعد ارتفاعها بنسبة معقولة، عقب قرار عدد من أعضاء تحالف «أوبك+» خفض الإنتاج بنحو 1.6 مليون برميل يومياً حتى نهاية العام، في الوقت ذاته جاء قرار روسيا تمديد خفض إنتاجها نصف مليون برميل يومياً إلى آخر العام ضمن التطورات.
وفي التعاملات الآسيوية صباح اليوم الثلاثاء دار سعر خام برنت القياسي حول 85 دولاراً للبرميل، بينما سعر الخام الأميركي الخفيف (مزيج غرب تكساس) عند 81 دولاراً للبرميل.
وعلى رغم أن قرار خفض الإنتاج المفاجئ قبل فتح الأسوق تعاملات الأسبوع لا يأتي على هوى الإدارة الأميركية التي تضغط على «أوبك» باستمرار لزيادة الإنتاج كي تنخفض الأسعار أكثر، إلا أن ردود الفعل من واشنطن لم تكن بالحدة التي شهدناها العام الماضي.
ويرى أغلب المعلقين والمحللين في أسواق الطاقة وشركات الاستشارات أن رد الفعل الأميركي هذه المرة يختلف كثيراً عن رد الفعل على خفض «أوبك+» إنتاج النفط بنحو مليوني برميل يومياً في أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي 2022. وتتباين أسباب ذلك، ما بين أن الخفض هذه المرة ليس كبيراً، ويأتي في وقت تراجع فيه الطلب بالفعل لتهبط الأسعار إلى نحو مستوى 70 دولاراً، بينما كانت العام الماضي وصلت إلى مستوى يقترب من 120 دولاراً لخام برنت القياسي.
حرب باردة أم هدوء وتعقل
مع ذلك يقول مؤسس «إنرجي وورد» دان ديكر في مقابلة مع تلفزيونية إن قرار خفض الإنتاج هذا الأسبوع هو «طلقة أخرى في حرب باردة بطيئة التطور» بين «أوبك» وإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، وتوقع ديكر أن تستمر تلك المعركة لبعض الوقت.
وفي رد الفعل على قرار خفض الإنتاج قبل فتح الأسواق هذا الأسبوع قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي الأدميرال جون كيربي للصحافيين إن «هذا موقف مختلف عما شهدناه العام الماضي»، في إشارة إلى رد الفعل العنيف من البيت الأبيض على خفض مليوني برميل في الخريف الماضي الذي استخدم لغة عنيفة خصوصاً تجاه السعودية.
وعلى رغم تكرار كيربي القول إن ذلك الخفض «لا ينصح به»، إلا أنه أضاف أن أميركا والسعودية «لا تتفقان تماماً على كل شيء، إلا أن هناك كثيراً من الأمور التي نتفق على الاهتمام بها أو القلق منها». كان الرئيس بايدن هدد العام المضي، بضغط من اللوبي المضاد للسعودية و»أوبك»، بأنه «ستكون هناك عواقب» على السعودية نتيجة خفض الإنتاج. لكن جون كيربي قال أمس الإثنين إن رد الفعل هذه المرة أكثر هدوءاً بسبب «أننا الآن، في موقف مختلف عما كنا عليه العام الماضي».
وأشار كيربي إلى عدد من القضايا التي تعمل عليها واشنطن والرياض معاً، مثل التعاون بشأن تمديد وقف إطلاق النار في اليمن والعمل على تطبيع العلاقات بين إسرائيل وجيرانها. وأضاف المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي: «لاحظنا أن السعوديين يعملون بجد لمساعدتنا» في تلك القضايا.
كذلك حافظ المشرعون الأميركيون على الهدوء في رد الفعل على قرار «أوبك» هذه المرة مقارنة بما حدث العام الماضي. فوقتها أعاد بعض أعضاء الكونغرس تقديم مشروع قانون محاكمة «أوبك»، المعروف باسم «نوبك» الذي يتم التلويح به مع كل خلاف مع السعودية أو «أوبك» ولم يمكن تمريره على مدى نحو عقدين. بل وطالب بعض النواب وقتها بفرض قيود على صادرات السلاح الأميركية للسعودية.
السعودية أولاً
إلى جانب التحسب لضعف الطلب على النفط في ما تبقى من العام وسط تقديرات تباطؤ الاقتصاد العالمي واحتمال دخوله في ركود، سارعت دول «أوبك» إلى اتخاذ اجراء احترازي بخاصة مع أزمة انهيارات البنوك التي أضرت بفرص النمو العالمي. وتقول صحيفة «الفياننشيال تايمز» إن قرار الولايات المتحدة وقف شراء النفط لملء مخزونها الاستراتيجي الذي سحبت منه بكثافة كان السبب الرئيس في هبوط الأسعار نهاية الشهر الماضي ووصولها إلى قرب 70 دولاراً للبرميل.
ماذا تحمل خطة «أوبك+» لأسواق النفط؟
أسعار النفط تستقر مع هدوء في قطاع المصارف
وفي مقابلة مع تلفزيون «ياهو فاينانس» يقول كبير محللي النفط في شركة «كبلر» مات سميث إن قرار خفض الإنتاج من «أوبك» جاء رداً على تصريحات الإدارة الأميركية الأسبوع الماضي بأن «إعادة ملء المخزونات قد يتطلب سنوات». وأضاف أن الخفض سيسحب من فائض العرض في السوق «وهو رد فعل طبيعي على كمية السحب من المخزون الاستراتيجي الأميركي العام الماضي، وذلك لطرح النفط في السوق لخفض الأسعار»، في الوقت ذاته تركز «أوبك» على الاستقرار في السوق. وقال «إن دول ’أوبك‘ لا تريد اضطراباً في السوق وتسعى إلى الحفاظ على الأسعار في نطاق 80 دولاراً للبرميل، بغض النظر عن الأمور السياسية، وذكر أنهم سيفعلون ما في مصلحتهم التي تقتضي سحب فائض العرض من السوق». وفي مقابلة مع «الفاينانشيال تايمز» تقول مديرة استراتيجيات السع في «آر بي سي كابيتال ماركتس» حليمة كروفت إن السعودية تعتمد استراتيجية اقتصادية مستقلة تركز على مصالحها، وتضيف أن تلك الاستراتيجية هي «سياسة السعودية أولاً». وهم الآن يضيفون أصدقاء جدد كما لاحظنا مع الصين». وتقول كروفت إن السعودية ترسل رسالة للولايات المتحدة بأن العالم «لم يعد عالماً أحادي القطب».
تأثير الخفض
ويتوقع كثير من المحللين أن قرار الخفض الأخير وإن كان يمكن أن يحافظ على أسعار النفط في نطاق 80 دولاراً للبرميل، إلا أنه سيرفع أسعار الوقود في محطات البنزين في الدول المستهلكة خصوصاً الولايات المتحدة لكن ليس بالقدر الكبير والمهم. وكما يقول كبير الباحثين لاستراتيجيات الاستثمار في «سي إف آر إيه» سام ستوفال فإنه «بالطبع كلما ارتفع سعر الخام الأساسي سيرتفع سعر البنزين».
إلى ذلك يستبعد أغلب المحللين ارتفاع الأسعار إلى مستويات العام الماضي العالية فوق 100 دولار للبرميل بكثير. مع ذلك عدلت كثير من المؤسسات تقديراتها لمتوسط أسعار النفط هذا العام في ضوء خفض الإنتاج الأخير. وفي مذكرة لهم رفع محللو بنك «غولدمان ساكس» الاستثماري تقديراتهم للأسعار بمقدار خمسة دولارات للبرميل لتصل إلى 95 دولاراً للبرميل بحلول ديسمبر (كانون الأول) 2023، على أن تصل إلى 100 دولار للبرميل بنهاية العام المقبل.
أما المحللون في «كابيتال ايكونوميكس» فكانت تقديراتهم أكثر محافظة، إذ توقعوا ارتفاع الأسعار إلى 90 دولاراً للبرميل بنهاية العام الحالي 2023. وأشار المحللون في مذكرة للمستثمرين إلى أن ذلك التغيير في توقعات الأسعار «لا يستبعد انخفاض الأسعار المحتمل مع دخول الاقتصادات المتقدمة في حال ركود بين الحين والآخر».
إلا أن هناك بعض الآراء التي ترى أن الخفض الأخير في إنتاج «أوبك+» قد لا يكون له ذلك التأثير الكبير الذي أثار مخاوف الأسواق الإثنين الماضي. وكتب روبرت أرمسترونغ في «الفاينانشيال تايمز» اليوم الثلاثاء تحت عنوان «أوبك لم تعد تخيف أحداً» يقول إن الخفض الأخير لا يمثل خطراً على فرص النمو الاقتصادي العالمي، مشيراً إلى أن السياسة النقدية وتقلبات أسواق السندات قد تكون أكثر تأثيراً.
ومع شبه إجماع الاقتصاديين والمعلقين والمحللين على أن النصف الثاني من العام الحالي سيشهد تباطؤاً اقتصادياً، وربما ركوداً، يتوقع أن ينخفض الطلب على النفط بما يجعل الخفض الأخير أداة توازن بين العرض والطلب في أسواق الطاقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى