مقالات اقتصادية

تحقيق قضائي لتحديد مصدر البيانات المُسرّبة من “كريدي سويس”

كتب أسامة صالح 

سوف تتم ملاحقة الشخص الذي يقف وراء تسريبات “أسرار سويسرا” بتهمة التجسس الاقتصادي. وعقب شكوى تقدم بها مصرف “كريدي سويس”، فتح مكتب المدعي العام الفدرالي تحقيقا ضد مجهول متهم بـ “ارتكاب أعمال تجسّس اقتصادي وانتهاك سرية الأعمال، ومخالفة قانون السرية المصرفية”. ونظرا للطابع السياسي للمخالفة الأولى، تعيّن على مكتب المدعي العام الفدرالي الحصول على موافقة الحكومة الفدرالية لاتخاذ هذا الإجراء.

وجاء في ديباجة تقرير “أسرار سويسرا” الذي نشره “مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد” (يُشار إليه اختصارا بـ OCCRP.

إلى جانب أكثر من 40 وسيلة إعلامية حول العالم) في شهر فبراير 2022 ما يلي: “لعقود من الزمان، كانت البنوك السويسرية مرادفة للسرية، وتستحضر في الأذهان صور الثروات الهائلة التي يُحتفظ بها في أمان في خزائن محمية في الجبال. هذه العلامة التجارية القوية تبذل الحكومة السويسرية كل ما في وسعها لحمايتها”.
بعد عام واحد من حصول صحيفة زود دويتشه تسايتونغ ” الألمانية و48 شريكا إعلاميا آخر على بيانات حوالي 18000 حساب مصرفي لدى “كريدي سويس”، أكّد المدعي العام الفدرالي لموقع غوثام سيتي ، الرسالة الاخبارية المتخصصة في الجرائم الاقتصادية، وجود تحقيق بشأن تهم تتعلق بالتجسس الاقتصادي يهدف إلى تحديد مصدر المعلومات المسربة إلى وسائل الإعلام.

ويقول المدعي العام الفدرالي: “إن الملاحقة القضائية للجرائم السياسية تتطلب الحصول مسبقا على إذن من الحكومة الفدرالية. ولما كانت جريمة التجسس الاقتصادي بالمعنى المشار إليه في المادة 273 من القانون الجنائي جريمة سياسية، فقد طلب الادعاء العام من وزارة العدل والشرطة الفدرالية منحه الإذن بالملاحقة الجنائية. وقد مُنح المدعي العام بالفعل الإذن بذلك”.

التحقيق الذي باشره مكتب الإدعاء الفدرالي، والذي أعقب الشكوى التي تقدّم بها مصرف “كريدي سويس” تشمل أيضا انتهاكات مشتبه بها لقانونيْ سرية الأعمال والسرية المصرفية.

وكشفت البيانات التي حصلت عليها صحيفة “زود دويتشه تسايتونغ” الالمانية هوية 30 ألف شخص من عملاء المصرف و18 ألف حساب يديرها كريدي سويس منذ أربعينيات القرن الماضي وحتى عام 2010، وسلطت الضوء أيضا على صلات المصرف السويسري بعشرات المسؤولين والسياسيين الفاسدين الحائزين على ثروات طائلة مشكوك في نزاهة ومشروعية مصدرها.

وخضعت هذه المعلومات لتحليل دام أكثر من عام، وشارك فيه اكثر من 160 صحفيا في 39 دولة. ولم تشارك وسائل الإعلام السويسرية في هذه العملية خوفا من الملاحقة القانونية. وأوضحت مجموعة تاميديا الاعلامية الخاصة أن “خطر الملاحقة القانونية كان كبيرا للغاية”، مشيرة إلى المادة 47 من القانون المتعلق بالمصارف الذي يحرّم استخدام البيانات المسرّبة. وقد أثار هذا السيف المسلّط على رقاب الإعلام
العديد من ردود الفعل في سويسرا.

شكوى ضد كريدي سويس

بعد وقت قصير من نشر نتائج التحقيق الذي أطلق عليه «أسرار سويسرا» في مارس 2022، كشفت صحيفة فاينانشيال تايمز، أن البنك كان يحاول التخلص من وثائق تمويل عدد من اليخوت الخاصة بعملاء من روسيا.

وللاشتباه في أن المصرف كان يحاول الالتفاف على العقوبات المفروضة على روسيا، قدم كارلو سوماروغا، عضو مجلس الشيوخ عن كانتون جنيف، شكوى جنائية ضد كريدي سويس إلى مكتب المدعي العام الفدرالي. وقال في تصريح إلى صحيفة “لوتون” الناطقة بالفرنسية: «يجب أن نقول لهذه المؤسسة أنه حان الوقت لتتوقف عما تقوم به».

وردا على سؤال بشأن هذه الشكوى، أوضح متحدث باسم مكتب المدعي العام الفدرالي أنه تمت إحالتها على أمانة الدولة للشؤون الاقتصادية للحصول على توضيح، وهي السلطة المختصة بالابلاغ عن الانتهاكات المحتملة لقانون الحظر (اختصارا LEmb). كما يُعلم هذا المكتب أنه “لا يُمكن لأي محقق الشروع في تحقيق للشرطة فيما يتعلق بـ قانون الحظر إلا بناءً على طلب من أمانة الدولة للشؤون الاقتصادية، إذا كانت الأهمية الخاصة للجريمة تستدعي ذلك. ولم يرد هذا الطلب بعد”.

عندما تم نشر تقرير “أسرار سويسرا”، أرسل المصدر المُسرّب للبيانات رسالة إلى صحيفة “زود دويتشه تسايتونغ” الالمانية يشرح فيها دوافعه. ووصف السرية المصرفية بأنها «غير أخلاقية»، واعتبر أنها تعزز الفساد وتساهم في «حرمان البلدان النامية من الإيرادات الضريبية التي تشتد الحاجة إليها».

كما توجّهت الرسالة إلى “المُشرّعين” و “المواطنين السويسريين” بالقول: “أريد أن أؤكد حقيقة أن المسؤولية عن هذا الوضع لا تقع على عاتق البنوك بل على عاتق النظام القانوني السويسري. وتعمل البنوك ببساطة كرأسماليين جيدين من خلال تعظيم أرباحها ضمن الإطار القانوني الذي تعمل فيه.

ببساطة، المشرعون السويسريون مسؤولون عن السماح بالجرائم المالية – وبفضل ديمقراطيتهم المباشرة – يتمتع الشعب السويسري بالسلطة لفعل شيء حيال ذلك”.
وردا على سؤال وجّهه إليه موقع “غوثام سيتي”، أوضح مصرف كريدي سويس بأنه لا يرغب في التعليق على «التحقيقات الجارية».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى