اقتصاد دولي

الخط الكهربائي بين تونس وإيطاليا بات ضرورة لأوروبا

أحدث النزاع الروسي – الأوكراني منذ 24 فبراير (شباط) 2022 تحولاً كبيراً في التعاطي مع ملف الطاقة، نتج منه ارتباك في أسعار النفط والغاز، بسبب قرار منع روسيا تزويد أوروبا بالغاز لإنتاج الكهرباء، وكذلك قرار الاتحاد الأوروبي معاقبة موسكو بعدم الحصول على الغاز والمواد البترولية منها.

وضعية مستحدثة حتمت على دول الاتحاد الأوروبي البحث عن مصادر أخرى، وبخاصة مناطق جديدة للتزود بالمواد الطاقية، تتفادى بموجبها التبعية للغاز الروسي وتحقق نوعاً من الاستقلالية، إضافة إلى البحث عن مصادر إنتاج نظيفة للطاقة في إطار التزاماتها المناخية ضمن مخرجات قمم المناخ العالمية.

ومن ضمن المناطق الجديدة والواعدة، منطقة حوض جنوب البحر الأبيض المتوسط وشمال أفريقيا ومن خلفها القارة الأفريقية، وفي هذا الإطار أخذ مشروع الربط الكهربائي بين تونس وإيطاليا اهتماماً بالغاً من الجانب الأوروبي الذي قدم في ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي هبة إلى تونس للتسريع في إنجاز المشروع الذي بدا كأولوية للاتحاد الأوروبي.

ويبدو أن المشروع خرج من النفق المظلم بعد تعطل قارب الـ20 عاماً وظل مجرد إعلان نوايا بين المسؤولين إلى أن سرعت التحولات الطاقية الأخيرة وتيرة خطوات الجانب الأوروبي في سبيل إنجاز المشروع في أقرب وقت.

تأخر كبير في المشروع

يعد مشروع الربط الكهربائي بين تونس وإيطاليا المعروف باسم “إلميد” من المشاريع الكبيرة والثقيلة بالنسبة إلى تونس من منطلق حجم الاستثمارات وأهمية الأشغال. ويعود هذا المشروع وفق المتخصص في الطاقة غازي بن جميع إلى عام 2003 عندما تم التفكير في إحداث مشروع يربط بين تونس وإيطاليا عبر خط كهربائي، لكن تعدد السيناريوهات والدراسات الفنية بين إنجاز كابل بحري أو إيجاد مسلك يوصل من خلاله الكهرباء إلى شمال إيطاليا ثم توزيع الكهرباء إلى أوروبا، عطل المشروع بشكل لافت.

وأضاف غازي بن جميع لـ”اندبندنت عربية” أن الأحداث التي مرت بها تونس بعد عام 2011 والانتقال السياسي والاقتصادي جعل الحكومات المتعاقبة لا تعير المشروع الأهمية القصوى، إلى جانب أن تونس بمواردها المحدودة لم توفر المخصصات المالية الضرورية لتمويل الخط الكهربائي.

وقال، “في الأثناء استقر الرأي أخيراً على تمرير التيار الكهربائي بين الضفتين بكابل بحري، على اعتبار أنه الطريق الأمثل لنجاح المشروع والتقليل من كلفته المرتفعة”، مشيراً إلى أن تونس كما إيطاليا وأوروبا في حاجة ماسة إلى هذا النوع من المشاريع لمزيد من تشبيك شبكات الكهرباء المغاربية والأوروبية فيما بينها للتقليص من مخاطر انقطاعات التيار الكهربائي.

وأشار إلى أن تونس مرتبطة كهربائياً بالجزائر وليبيا، ويتم التبادل بينهم بشكل مستمر، كاشفاً عن أن تونس حصلت على الكهرباء من الجزائر في صيف 2022 لمجابهة الطلب المتزايد وتفادي الانقطاعات.

هيكلة التمويل

عماد عمارة مدير المشروع عن الجانب التونسي وممثل شركة الكهرباء التونسية (حكومية) أكد أن المشروع حالياً في مرحلة غلق هيكلة التمويل التي بلغت أشواطاً جد متقدمة.

وتبلغ قيمة المشروع وفق المتحدث 840 مليون يورو (909 ملايين دولار) مقسمة إلى هبة من الاتحاد الأوروبي بقيمة 307 ملايين يورو (323 مليون دولار) والمبلغ المتبقي موزع بين إيطاليا بقيمة 270 مليون يورو (286 مليون دولار) والبنك الدولي وعدد من البنوك الأوروبية بقيمة 270 مليون يورو (286 مليون دولار).

وعلى المستوى الفني، قال عماد عمارة لـ”اندبندنت عربية” إنه يتم حالياً الانتهاء من إعداد طلبات العروض الفنية من أجل إنجاز كابل بحري بين تونس وإيطاليا بطول 200 كيلومتر وإنشاء محطتين كهربائيتين في الضفتين التونسية والإيطالية، ومن ثم إطلاق المشروع رسمياً في شهر يونيو (حزيران) المقبل، على أقصى تقدير.

بداية الاستغلال في عام 2028

ورجح عمارة أن ينطلق تشغيل المشروع في الربع الأول من عام 2024 على أن يدخل حيز الاستغلال في النصف الأول من عام 2028.

وعن مزايا هذا المشروع الضخم أكد المسؤول التونسي أن بلاده سيكون بإمكانها تصدير طاقة كهربائية منتجة بواسطة الطاقات المتجددة، الأمر الذي يحبذه الاتحاد الأوروبي من الطاقة النظيفة والمقدرة بنحو قدرة 600 ميغاواط.

وعلى الصعيد الاستراتيجي قال إن “تسريع الاتحاد الأوروبي نسق إنجاز المشروع بموافقته على منح هبة بقيمة 323 مليون دولار يترجم رغبته في تنويع حصوله على مصادر الطاقة والتقليص من التبعية لروسيا إثر احتدام النزاع الروسي – الأوكراني وما نجم عنه من أزمة للطاقة (غاز وبترول) في أوروبا دفعتها إلى اتخاذ إجراءات تقشفية في فصل الشتاء”.

وسيسمح المشروع عند دخوله حيز الإنتاج بتبادل للطاقة الكهربائية، من خلال احتياج تونس لطاقة إضافية لمجابهة ارتفاع درجات الحرارة واللجوء إلى التكييف في فصل الصيف وما ينجم عنها من صعوبات لتلبية الطلبات الإضافية، ومن الجانب الأوروبي سيستحق الطاقة الكهربائية لتلبية الحاجات في فصل الشتاء.

ويتكون المشروع من كابل بحري ذي تيار مسترسل وذي الجهد العالي (500 كيلو فولت) بقوة 600 ميغاواط، يربط بين شبكتي الكهرباء الإيطالية والتونسية عبر محطتي تحويل للجهد العالي في كلا الجانبين (الوطن القبلي في تونس وجزيرة صقلية في إيطاليا).

وشرعت كل من الشركة التونسية للكهرباء والغاز (حكومية) وشريكتها الإيطالية “تيرنا”، مشغل شبكة نقل الكهرباء الإيطالية، والشركة التونسية – الإيطالية المشتركة “إلميد” في إنجاز دراسات الجدوى اللازمة لبلوغ مرحلة التنفيذ الخاصة بالمشروع، التي جرى تضمينها في خطط التنمية لشبكات الكهرباء الخاصة بالبلدين.

وتابع عمارة “سيمكن المشروع من ضمان أمن الطاقة في تونس، وتنويع مصادر إمدادات الكهرباء، وتعزيز تنمية المصادر المتجددة، من خلال الإسهام في الحد من الاحتباس الحراري والقيام بالمبادلات الاقتصادية للكهرباء في كلا الاتجاهين بين تونس وإيطالي، ولا سيما الاتحاد الأوروبي”.

البنك الدولي على الخط

وفق المعطيات المتحصل عليها من وزارة الصناعة والمناجم والطاقة التونسية فقد حصلت الحكومة على تمويل من البنك الدولي بمبلغ 12.5 مليون دولار، لتنفيذ جزء من الدراسات التمهيدية للمشروع، بما في ذلك دراسات المسار البحري والبري ودراسات التأثيرات البيئية والاجتماعية وتنظيم عملية التبادل.

ويستفيد مشروع الربط الكهربائي من دعم الحكومتين الإيطالية والتونسية، اللتين وقعتا في 30 أبريل (نيسان) 2019 اتفاقية للتطوير المشترك للمشروع.

وتظهر بيانات للبنك الدولي أن الطلب السنوي على الكهرباء في تونس، ينمو بمتوسط 2.2 في المئة، وسط شح الموارد المحلية والاعتماد والمتزايد على توليد مصادر الطاقة من الخارج، وتبعات ذلك على تفاقم عجز الميزان التجاري.

وتمتد خطوط الربط من منطقة الرأس الطيب شمال شرقي تونس على البحر المتوسط، وصولاً إلى جزيرة صقلية الإيطالية، ومن شأنها مساعدة تونس على التزويد بـ16 في المئة من حاجاتها من الكهرباء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى