اقتصاد دولي

خفض جديد لتوقعات نمو اقتصاد مصر في ظل أزمة الدولار والتضخم

خفض البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، توقعاته لنمو الاقتصاد المصري للعام المالي الحالي، مع الرياح المعاكسة التي يواجهها الاقتصاد جراء أزمة نقص العملة الأجنبية وارتفاع التضخم. ويتوقع البنك أن ينمو الاقتصاد المصري بنسبة 4.0 في المئة هذا العام، بانخفاض 0.7 نقطة مئوية عن آخر توقعاته قبل ثلاثة أشهر، بحسب ما قال البنك في تقريره الأخير عن الآفاق الاقتصادية الإقليمية.
وتقل هذه عن توقعات الحكومة المصرية، حيث تشير التوقعات في الموازنة الجديدة إلى تباطؤ النمو الاقتصادي إلى 4.2 في المئة في العام المالي الحالي، من 6.6 في المئة في العام المالي 2022/2021، على أن ينخفض إجمالي الناتج المحلي مرة أخرى إلى 4.1 في المئة في العام المالي 2024/2023.
وتشير البيانات المتاحة، إلى أن النمو الاقتصادي في مصر تباطأ إلى 4.2 في المئة خلال النصف الأول من العام المالي 2023/2022، بانخفاض نسبته 9 في المئة عن الفترة ذاتها من العام الماضي. وقال البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية إن انخفاض قيمة الجنيه مقابل الدولار، وارتفاع التضخم، والارتفاعات المتتالية لأسعار الفائدة، أثرت سلباً على النمو الاقتصادي لهذا العام. ورجح التقرير، أن ينمو اقتصاد البلاد بنسبة 4.8 في المئة في العام المالي 2024/2023، بانخفاض عن توقعاته السابقة عن مستوى 5.0 في المئة خلال فبراير (شباط) الماضي.
رياح معاكسة:- بالنسبة للإيجابيات التي أوردها البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، فتمثلت في زيادة صادرات الغاز، وتزايد مكانة مصر كمركز إقليمي للطاقة، والإصلاحات الهيكلية المتوقعة في إطار برنامج قرض صندوق النقد الدولي، كلها عوامل إيجابية للاقتصاد المصري، وفقاً لما قاله البنك الأوروبي.
وفي ما يتعلق بالسلبيات، أشار التقرير إلى إمكانية أن تنشأ رياح معاكسة جراء المزيد من الضغوط التضخمية، وتشديد الأوضاع النقدية، والتحديات في الحصول على تمويل خارجي، وأي تباطؤ في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية، بما في ذلك التأخير في بيع الأصول المملوكة للدولة. ومن المتوقع أن تنفق مصر نحو 60 في المئة من إيراداتها على خدمة ديونها هذا العام، و70 في المئة في 2024، بحسب ما قال البنك، ويتوقع مشروع الموازنة ارتفاع تكاليف خدمة الدين بنسبة 45 في المئة على أساس سنوي، لتصل إلى 1.12 تريليون جنيه (36.245 مليار دولار) على خدمة الدين في العام المقبل، بزيادة تبلغ نسبتها 45 في المئة على أساس سنوي. ويمثل هذا البند نحو 37 في المئة من إجمالي الإنفاق الحكومي خلال العام. أيضاً، تتوقع الحكومة المصرية تسجيل الموازنة خلال العام الحالي، أكبر عجز في 5 سنوات منذ العام المالي 2018/2019، وذلك مع تضرر المالية العامة جراء الأزمة الاقتصادية الناجمة عن الحرب في أوكرانيا. ووفق بيانات حديثة وردت في موازنة العام المالي المقبل 2023/2024، فمن المرجح أن يتسع عجز الموازنة المصرية إلى 8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام المالي 2022/2023، مقارنة بنحو 6.1 في المئة خلال العام المالي السابق. وكانت الحكومة المصرية تستهدف في البداية عجزاً قدره 6.1 في المئة في موازنة هذا العام، وهو ما تم تعديله في مارس (آذار) الماضي إلى مستوى 6.8 في المئة.
نار الحرب تأكل «تجارة الشنطة» بين مصر والسودان:- ويعود اتساع عجز الموازنة بشكل مباشر إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض وزيادة الإنفاق لمواجهة التضخم. وأعلنت الحكومة زيادة أجور القطاع العام والمعاشات وبرامج الحماية الاجتماعية في محاولة لحماية الأسر الفقيرة من ارتفاع التضخم. وفي الوقت نفسه، أدت أسعار الفائدة المرتفعة بشكل حاد إلى زيادة كبيرة في تكاليف خدمة الدين العام. وفي مارس الماضي، وافق مجلس النواب المصري على قرض جديد بقيمة 165 مليار جنيه (5.339 مليار دولار) وذلك لتغطية التكاليف الإضافية.
استراتيجية بيع الأصول:- وقبل أيام، أعلنت وكالة «موديز»، للتصنيف الائتماني، وضع تصنيف إصدارات مصر بالعملتين الأجنبية والمحلية عند B3 قيد المراجعة. وأشارت الوكالة في مذكرة بحثية حديثة، إلى أن ذلك التوجه يأتي بهدف الخفض، مرجعة ذلك إلى تقدم أبطأ من المتوقع في بيع أصول مملوكة للدولة المصرية. وذكرت أن المراجعة بهدف تخفيض التصنيف تعكس المخاطر المتزايدة للسيولة السيادية والقدرة على تحمل الديون.
وأشارت، إلى أن التقدم البطيء في استراتيجية بيع الأصول يهدد بتقويض خطط التمويل في مصر، وإضعاف سيولة النقد الأجنبي وتقويض الثقة في العملة. وتطرقت الوكالة الدولية، إلى أن التأثيرات العكسية المرتدة على التضخم وتكاليف الاقتراض، فضلاً عن آثار التقييم السلبية على الديون بالعملات الأجنبية الناجمة عن ضعف العملة، تؤدي إلى تفاقم مخاطر القدرة على تحمل الديون. وبحسب المذكرة، ستركز فترة المراجعة على قدرة الحكومة على الانتهاء من مبيعات الأصول المستهدفة البالغة 2 مليار دولار والضرورية لتلبية أهداف تمويل برنامج صندوق النقد الدولي للسنة المالية 2023 المنتهية في يونيو (حزيران) المقبل، وإثبات جدوى استراتيجية التمويل الخارجي للبرنامج التي تعتمد بشكل كبير على مبيعات الأصول. وستركز فترة المراجعة أيضاً على قدرة السلطات على تعزيز صافي الاحتياطيات الدولية وفقاً لأهداف برنامج صندوق النقد الدولي الكمية على مدى ثلاثة أشهر ودعم الثقة في العملة. وكانت وكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني، قد أعلنت خفض التصنيف السيادي طويل الأجل لمصر من مستوى «B +» إلى «B»، مع تعديل النظرة المستقبلية من مستقرة إلى سلبية. وفي تعليقه على قرار «فيتش»، قال وزير المالية المصري، محمد معيط، إن قرار الوكالة يعكس نظرتها إلى تقديرات الاحتياجات التمويلية الخارجية للاقتصاد المصري مع ظروف أسواق المال العالمية غير المواتية لكل الدول الناشئة.
وأشار إلى أن قرارها يعكس تقديرات وتحليلات المؤسسة في ظل استمرار تعرض الاقتصاد المصري لضغوط خارجية صعبة نتيجة للتحديات العالمية المركبة المتمثلة في التداعيات السلبية للحرب في أوروبا، وموجة التضخم العالمية، وارتفاع أسعار الفائدة والإقراض، وتكلفة التمويل بسبب السياسات التقييدية للبنوك المركزية حول العالم.
ولفت، إلى أن كل هذه الأزمات أدت إلى موجة من خروج رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة، ومن بينها مصر لمصلحة الدول والأسواق المتقدمة، وهو ما يتزامن مع صعوبة الوصول للأسواق العالمية، وما تُعانيه من حالة عدم اليقين الاقتصادي لدى المستثمرين.
تأخر الإصلاحات يفاقم الأزمة :- أيضاً، كان محللون لدى بنك الاستثمار «جي بي مورغان»، قد أكدوا أن المزيد من التأخر في الإصلاحات الخاصة بالعملة والإصلاحات الهيكلية، من شأنه أن يفاقم الضغوط على السيولة ويثير تساؤلات حول استدامة ديون مصر. وأشاروا في مذكرة بحثية حديثة، إلى أنه وبينما من غير المحتمل تخلف مصر عن سداد ديونها على المدى القريب، فإن عمليات البيع المكثفة الأخيرة للسندات المصرية تشير إلى تزايد حالة القلق بشأن النظرة المستقبلية على المدى المتوسط، لا سيما مع وجود جدول سداد ديون مثقل خلال السنوات المقبلة.

وأشار التقرير، إلى أن الحكومة المصرية ستكون قادرة على إبرام اتفاقية على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي الشهر المقبل، مما يضعها في المسار الصحيح للحصول على موافقة المجلس التنفيذي للصندوق على شريحة القرض التالية بحلول الربع الثالث. وتتطلب كل مراجعة من مصر وصندوق النقد الدولي التوصل إلى اتفاق على مستوى الخبراء، يجري عرضه بعد ذلك على المجلس التنفيذي للصندوق للموافقة عليه.

ومنذ اتجاه البنك المركزي المصري إلى اعتماد سياسة التعويم المدار والوصول إلى أسعار صرف مرنة للدولار، تشدد الحكومة المصرية على أنها ملتزمة بالحفاظ على سعر صرف مرن وإجراء حزمة من الإصلاحات الهيكلية – بما في ذلك بيع أصول مملوكة للدولة وتحسين مستوى الشفافية في ما يخص الشركات المملوكة للقطاع العام والقوات المسلحة – وذلك كجزء من اتفاقها مع صندوق النقد الدولي البالغ 3 مليارات دولار. وبعد الانخفاض الكبير في قيمة الجنيه خلال أول شهرين من العام، ظل سعر الصرف الرسمي للجنيه مقابل الدولار من دون تغيير، بينما لم تقم الحكومة بعد ببيع أي من الأصول في إطار برنامج الطروحات الطموح.

وأشار «جي بي مورغان»، إلى أن هناك حاجة ملحة إلى جهود كبيرة لتحفيز تدفقات الطروحات نظراً لأن استمرار غيابها سيزيد من تدهور الصورة الخارجية للبلاد ويزيد من تفاقم الاختلالات، في ظل شح المعروض من الدولار وزيادة الالتزامات الدولية المستحقة على مصر خلال الفترة المقبلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى