اقتصاد دولي

كيف أنقذ التنين الصيني الدب الروسي من عقوبات الغرب؟

,,
المصرف الأوروبي يؤكد عودة اقتصاد موسكو لأعلى من مستويات ما قبل الحرب في أوكرانيا

,,
أثبت الاقتصاد الروسي أنه أكثر قدرة على الصمود مما كان متوقعاً وسيواصل النمو هذا العام على رغم العقوبات الغربية

تخطى الدب الروسي الكمائن والمصائد والفخاخ والألغام التي زرعها الغرب بقيادة الولايات المتحدة منذ هجوم روسيا علي أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، ولم يكن الدب الروسي وحيداً في مصارعة الغرب، إذ إن التنين الصيني مد له يد العون حتى تخطى المصائد الغربية وعاد اقتصاد موسكو لأعلى من مستويات ما قبل الحرب، حتى مع خسائر عملاق الغاز الروسي «غازبروم» في نهاية العام الماضي للمرة الأولى منذ 24 عاماً.
«أثبت الاقتصاد الروسي أنه أكثر قدرة على الصمود مما كان متوقعاً وسيواصل النمو هذا العام على رغم العقوبات الغربية».
هكذا وصف المصرف الأوروبي للإنشاء والتعمير اقتصاد موسكو في أحدث تقاريره أمس الأربعاء، ونشر المصرف الذي عقد اجتماعه السنوي في يريفان بأرمينيا حتى أمس الخميس توقعات نمو جديدة لجميع المناطق التي يغطيها.
اقتصاد روسيا ينمو 3.6 في المئة العام الماضي
وعن روسيا قالت كبيرة الاقتصاديين في المصرف بياتا يافورتشيك، «أعتقد أنه كان من غير الواقعي توقع أن تؤدي العقوبات ضد روسيا إلى أزمة اقتصادية ومالية عميقة، كما كان يأمل كثيرون»، مضيفة «من المتوقع أن تسجل روسيا التي شهدت نمواً اقتصادياً بـ 3.6 في المئة العام الماضي زيادة 2.5 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، أي بزيادة 1.5 نقطة عما كان متوقعاً في سبتمبر (أيلول)» 2023، قائلة إن «الاقتصاد الروسي عاد الآن لأعلى من مستويات ما قبل الحرب في أوكرانيا».
وأضافت يافورتشيك لوكالة «الصحافة الفرنسية» أن البلاد أعادت تركيز اقتصادها على المجهود الحربي مما سيؤدي إلى نمو أسرع»، ولكنها تساءلت «هل يؤدي ذلك إلى تحسين رفاه سكانها؟»، مستدركة «الأمر يدعو إلى الشك».
وعلى رغم نمو الاقتصاد الروسي إلا أن المصرف الأوروبي للإنشاء عاد ليقول إن «العقوبات وعلى رغم أنها لا تعمل بصورة مثالية إلا أنها أدت إلى الحد من واردات التكنولوجيا من روسيا، وتدفع مزيداً من الشركات المتعددة الجنسيات إلى المغادرة وكذلك القوى العاملة المؤهلة للهجرة».
خسائر»غازبروم»
وأشارت يافورتشيك إلى أن تأثير العقوبات يمكن رؤيته بالفعل من خلال الخسارة القياسية التي أعلنتها شركة الطاقة الروسية العملاقة «غازبروم» بداية الشهر الجاري، مضيفة أن «النمو الروسي على المدى المتوسط سيكون أقل مما يمكن توقعه في غياب العقوبات».
اما عن النمو في أوكرانيا فيتوقع المصرف الأوروبي أن يشهد تباطؤاً إلى ثلاثة في المئة خلال العام الحالي، مقارنة بـ5.3 في المئة عام 2023 عندما كان القطاع الزراعي القوي «مدعوماً بمحاصيل قياسية».
وأضاف أن «الأضرار الأخيرة التي لحقت بمنشآت الطاقة في البلاد بسبب الحرب قد تسهم في تباطؤ النمو هذا العام، ومع ذلك فقد فتح ممر تصدير جديد على طول ساحل البحر الأسود لنقل الشحنات الأوكرانية الضخمة من المنتجات الزراعية وغيرها من المعادن، مما أدى إلى إزالة بعض الشكوك».
ويغطي المصرف الأوروبي للإنشاء والتعمير أيضاً دول جنوب وشرق البحر الأبيض المتوسط، وفيما يتوقع أن ينمو اقتصاد المنطقة هذا العام إلا أنه سيكون أقل من المتوقع بسبب التأخير في مشاريع الاستثمار العام الكبرى في مصر والحرب في غزة.
وتأسس المصرف عام 1991 لمساعدة دول الكتلة السوفياتية السابقة على التحول إلى اقتصاد السوق، لكنه وسع نطاقه ليشمل دولاً في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وشمال أفريقيا، وقد توقع نمواً بثلاثة في المئة في جميع مناطقه هذا العام بفضل انخفاض الضغوط التضخمية، لكنه سيكون أقل قليلاً من توقعاته السابقة.
وفي مطلع الشهر الجاري أعلنت شركة الطاقة الروسية العملاقة «غازبروم» تسجيل أول خسارة سنوية منذ عام 1999، بعد انخفاض مبيعات الغاز بأكثر من النصف في أعقاب الحرب في أوكرانيا خلال عام 2023.
وسجلت الشركة خسائر خلال العام الماضي بنحو 629 مليار روبل (6.9 مليار دولار)، وانخفضت الإيرادات 30 في المئة على أساس سنوي إلى 8.5 تريليون روبل (88 مليار دولار)، مع انخفاض مبيعات الغاز إلى 3.1 تريليون روبل (33 مليار دولار) من 6.5 تريليون روبل (71 مليار دولار) عام 2022. وتوقع المحللون أن تسجل الشركة صافي دخل قدره 447 مليار روبل (5 مليارات دولار)، بحسب وكالة «إنترفاكس»، وهو ما يشكل انخفاضاً حاداً من صافي الدخل البالغ 1.2 تريليون روبل (12 مليار دولار) عام 2022، كما تراجعت إيرادات «غازبروم» من مبيعات الغاز خارج روسيا إلى 2.9 تريليون روبل (31 مليار دولار) العام الماضي من 7.3 تريليون روبل ( 81 مليار دولار)عام 2022 بسبب خسارة حصتها في السوق الأوروبية.
وانخفضت حصة روسيا من واردات الغاز الأوروبية من 40 في المئة عام 2021، أي قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا، إلى ثمانية في المئة خلال عام 2023، وفقاً لبيانات الاتحاد الأوروبي، كما ارتفعت الأرباح من النفط ومكثفات الغاز والمنتجات النفطية إلى 4.1 تريليون روبل (44 مليار دولار)، بزيادة 4.3 في المئة عن العام السابق.
وتعد شركة «غازبروم» واحدة من أقوى الشركات في روسيا لدرجة أنها وصفت ذات يوم بأنها دولة داخل الدولة، إذ تمتلك نحو 15 في المئة من احتياطات الغاز العالمية ويعمل فيها نحو 490 ألف شخص.
إلى ذلك فرضت دول غربية عقوبات شديدة الصرامة على روسيا، رداً على غزوها العسكري لجارتها أوكرانيا أواخر فبراير عام 2022، بهدف كبح جماح الإنفاق العسكري الروسي، وطاولت العقوبات شخصيات سياسية ومقربين من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أو من يطلق عليهم الـ «أوليغارشيين».
وشملت العقوبات تجميد احتياطات روسية من العملات الأجنبية وتقييد وصول موسكو إلى التكنولوجيا الغربية مع استبعاد البنوك الروسية من النظام المالي العالمي (سويفت)، ومع اتساع نطاق العقوبات توقع كثيرون استسلام الدب الروسي خصوصاً مع تراجع قيمة الروبل (العملة الروسية) إلى أدنى مستوياته بعد أسابيع قليلة من بدء الحرب، إلى جانب انكماش اقتصاد موسكو بنحو 1.2 في المئة خلال عام 2022.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى