اقتصاد دولي

تنبؤات الاقتصاديين تسقط في اختبار أسعار المنازل البريطانية

كان من المفترض أن تكون الأشهر الـ18 الماضية بمثابة “حمام دم” لسوق الإسكان في بريطانيا، ومنذ نهاية عام 2022 كانت هناك توقعات بحدوث انخفاض حاد في أسعار المنازل، فيما ادعى بعض النقاد أنها ستنخفض بما يصل إلى الخمس، ولكن على العكس انخفضت الأسعار قليلاً منذ أن بلغت ذروتها في خريف عام 2022، لكنها صمدت بصورة أفضل بكثير مما توقعه حتى الاقتصاديون الأكثر تفاؤلاً، إذ تظهر الأرقام الرسمية أن الأسعار انخفضت بنحو 3.3 في المئة عن ذروتها، وعلى الصعيد الوطني يعتقد أن الانخفاض كان أقرب إلى أربعة في المئة.

ووقع غالب هذا الضرر في أعقاب الموازنة المصغرة التي أقرتها رئيسة الوزراء السابقة ليز تراس ووزير خزانتها كواسي كوارتينغ، التي تسببت لفترة وجيزة في انزلاق الأسواق المالية إلى حالة من الفوضى وأدت إلى زيادة سريعة في كلفة الاقتراض، مما اضطر بنك إنجلترا (البنك المركزي البريطاني) إلى التدخل.

تضخم أسعار المنازل كان إيجابياً

وعلى رغم أزمة المعيشة، وعدم اليقين السياسي والاقتصادي العالمي وارتفاع معدلات الرهن العقاري، كانت أسعار المنازل أعلى في مارس (آذار) الماضي، وهو الشهر الأخير الذي حصل مكتب الإحصاءات الوطنية على بيانات عنه، عما كان عليه قبل عام، في حين تعتقد شركة “نيشن وايد”، المسلحة بأرقام أحدث، أن المعدل السنوي لتضخم أسعار المنازل كان بالإيجاب في كل شهر من الأشهر الثلاثة الماضية.

وواجهت البنوك انتقادات خلال فترات الركود السابقة في سوق الإسكان، ولكن يبدو أن التغييرات التي طرأت على تنظيمات الرهن العقاري في عام 2014، والتي كانت مصممة لمنع الناس من الاقتراض أكثر مما يستطيعون سداده، نجحت في هذه المناسبة.

وقال المدير التنفيذي للأبحاث في موقع البحث عن العقارات “زوبلا” ريتشارد دونيل إن الإحصائية الكلاسيكية لعام 2007 (قبل وقت قصير من الأزمة المالية العالمية) هي أن ثلث الأشخاص الذين حصلوا على رهن عقاري في ذلك العام لم يثبتوا دخلهم لبنوكهم. وأجبرت التغييرات التي أدخلت في عام 2014 البنوك على توخي قدر أكبر من الحذر عند إقراض المال للمشترين المحتملين، والتأكد من قدرتهم على تحمل أقساطهم الشهرية حتى لو ارتفعت أسعار الفائدة على الرهن العقاري بصورة حادة، كما فعلت أخيراً. وأضاف “خلاصة القول إن كثيرين من الأشخاص، عندما حصلوا على الرهن العقاري كانوا قادرين على دفع أكثر من ذلك بكثير… لقد وفر ذلك حاجزاً كبيراً للناس لاستيعاب المعدلات الأعلى”.

وكانت هناك توقعات بأنه مع رفع البنوك المركزية أسعار الفائدة في عامي 2022 و2023 فإن الاقتصاد العالمي سيعاني (في الواقع، سقطت بريطانيا في الركود خلال فصل الشتاء، على رغم أنه كان عابراً ومعتدلاً)، لكن تلك المخاوف، في الأقل أسوأها، لم تتحقق، لذا ظلت مستويات البطالة منخفضة عند نحو 4.3 في المئة، مقارنة بالأزمة المالية، عندما كانت عند ما يقارب ثمانية في المئة، وارتفعت الأجور، في المتوسط، بنسبة ستة في المئة عما كانت عليه قبل عام، وهي في أعلى مستوى لها على الإطلاق.

ويعني الجمع بين ممارسات الإقراض الأفضل، إلى جانب بقاء الغالبية العظمى من الناس في العمل، والحصول على أجور أعلى، أن قلة من أصحاب المساكن اضطروا إلى البيع لأنهم لم يعودوا قادرين على تحمل قروضهم العقارية.

وقال رئيس قسم الأبحاث السكنية في شركة “سافيلز للوساطة العقارية” لوسيان كوك، لصحيفة “التايمز” “على رغم أن الأمر كان غير مريح إلى حد كبير بالنسبة إلى كثر منهم، فإن القليل منهم وجدوا أنهم لا يستطيعون تحمل المدفوعات الأعلى”. وأضاف “حين واجه الناس صعوبات مالية كانت البنوك استباقية للغاية في مساعدتهم، إما من طريق السماح لهم بالذهاب بفائدة فقط لفترة أو من طريق تمديد شروط الرهن العقاري الخاص بهم، لذا لم نشهد البيع القسري للعقارات لخفض الأسعار”.

وبينما انخفض الطلب بسبب ارتفاع أسعار الرهن العقاري انخفض العرض أيضاً، وتظهر أحدث الأبحاث الصادرة عن بوابة سوق العقارات “رايت موف”، أن هناك زيادة بنسبة 17 في المئة في المبيعات في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2024 مقارنة بالعام الماضي، ولكن زيادة بنسبة 12 في المئة فقط في المنازل الجديدة القادمة إلى السوق.

الإيجارات المرتفعة دعمت أسعار المساكن

وقال المطورون إن المشترين للمرة الأولى، ممن يحتاجون عادة إلى اقتراض مزيد كنسبة من قيمة منازلهم، هم الأكثر تأثراً بارتفاع معدلات الرهن العقاري، ولكن حتى هم كانوا أكثر نشاطاً مما كان يعتقده كثر، ويرجع ذلك جزئياً إلى حرصهم على الخروج من سوق الإيجارات، بعدما ارتفعت بسرعة.

ووفق محلل سوق الإسكان في البنك الاستثماري “آر بي سي” أنطوني كودلينغ، فإن أسعار الإيجارات المرتفعة تدعم أسعار المنازل إذ يقول “إذا كنت تدفع إيجاراً بقيمة 500 جنيه استرليني (636.9 دولار) شهرياً، وتبلغ كلفة الحصول على رهن عقاري 800 جنيه استرليني (1000 دولار) شهرياً فهو مبلغ مبالغ فيه للغاية، ولكن إذا كان المبلغ 750 جنيهاً استرلينياً (955.4 دولار) مقابل 800 جنيه استرليني (1000 دولار)، فمن المرجح أن تضاعف جهودك للادخار أو الاتصال ببنك والديك (يعني اللجوء للعائلة للاقتراض)”.

ويوافق كوك على أن الآباء يتدخلون بصورة متكررة لمساعدة أطفالهم والحفاظ على حركة السوق وقال “هناك مشكلات حقيقية تتمثل في نقص المعروض في قطاع الإيجار الخاص، ولذلك أصبح (بنك أمي وأبي) أكثر نشاطاً لمنح الأبناء بعض الأمان حول الإسكان”.

وأظهرت بيانات من مسح الإسكان الإنجليزي أن 37 في المئة من المشترين للمرة الأولى حصلوا على هدية من عائلاتهم العام الماضي لمساعدتهم على الصعود إلى السلم، مقارنة بـ27 في المئة في عام 2022.

ارتفاع أسعار المساكن

وبينما كان الاقتصاديون قبل 18 شهراً متفقين بالإجماع تقريباً على أن أسعار المساكن ستنخفض، فإن غالبهم الآن يعتقد أن الأسعار سترتفع هذا العام.

وقدرت شركة “بانثيون للاقتصاد الكلي” زيادة بنسبة أربعة في المئة في الأسعار، على رغم أنها تقبل أن ذلك قد يكون صعباً بعض الشيء، فيما تتوقع شركة “كابيتال إيكونوميكس”، وهي شركة استشارية أخرى، نمواً بنسبة ثلاثة في المئة.

وفي حين كان يعتقد كوك أن الأسعار ستنخفض بنسبة ثلاثة في المئة إلا أنه راجع أخيراً ذلك ويتجه الآن إلى زيادة بنسبة 2.5 في المئة، وقال “لقد فوجئنا قليلاً بالوتيرة التي عاد بها الطلب إلى السوق في بداية هذا العام… لقد رأينا أيضاً علامات على وجود اقتصاد أقوى وأكثر مرونة مما توقعنا، وكانت أسواق الرهن العقاري أكثر تنافسية ومن ثم أسرع في تسعير إمكانية تخفيض أسعار الفائدة مما كنا نعتقد”.

من جانبه يتوقع كبير الاقتصاديين في شركة “نيشن وايد”، روبرت جاردنر، أن تكون الأسعار “ثابتة على نطاق واسع” هذا العام، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن القدرة على تحمل الكلفة لا تزال ممتدة، بخاصة بالنسبة إلى أولئك الذين يحاولون شراء منزلهم الأول.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى