هل تُحول مراكز البيانات الخليج الى لاعب عالمي في التكنولوجيا الرقمية؟
كتب أسامة صالح
تشهد سوق مراكز البيانات نمواً ملحوظاً في البلدان العربية ولاسيما في الخليج نتيجة اعتماد بعض الدول خطط تحول اقتصادي ترتكز على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والنمو الذي يشهده الاقتصاد الرقمي والتجارة الالكترونية في هذه الدول. وتعتبر هذه المراكز حاجة ماسة لتوفير البنى التحتية الضرورية لتكنولوجيا المعلومات والتحول الرقمي وتطوير واعتماد الذكاء الاصطناعي. وعليه، تسعى هذه الدول وخصوصاً كلّ من المملكة العربية السعودية والامارات إلى جذب الشركات العالمية الرائدة في هذا المجال والاستثمار بسخاء في زيادة طاقة مراكز البيانات لديها بشكل ملحوظ، وكذلك الاستثمار عالمياً في الشركات التي تعمل على تطوير تقنيات ونماذج الذكاء الاصطناعي والرقائق والبيانات.
محركات النمو
أظهر تقرير لشركة الاستشارات العقارية العالمية “نايت فرانك” عن الربع الثالث من العام 2023، أنّ سوق مراكز البيانات شهدت في السنوات الأخيرة نمواً ملحوظاً في دول الخليج العربية، مستعرضاً التطورات في هذا القطاع بحسب كل بلد.
السعودية
يوضح التقرير، أنه اعتباراً من الربع الثالث من العام 2023، بلغ إجمالي الإمداد في السعودية 673 ميغاواط، وقد ارتفع هذا الإجمالي في العام 2023 بدعم من إضافة 29 ميغاواط جديدة من سعة تكنولوجيا المعلومات الحية، إلى جانب 12 ميغاواط من مشاريع بدأ بناؤها. ومن أبرز اللاعبين الوطنيين في السوق السعودي شركة الاتصالات السعودية “STC” وصندوق الاستثمارات العامة إلى جانب المشغلين الدوليين مثل “كوانتم سويتش” و “إدجنيكس داتا سنترز” ومركز بيانات الخليج.
ومن بين محفزات نمو سوق مراكز البيانات في السعودية، المبادرات الحكومية والاستثمارات بالإضافة إلى الاقبال المتزايد على البيانات الضخمة وانترنت الأشياء. وأوضح التقرير أنّ زيادة توافر تقنية 5G وتطبيق قانون حماية البيانات الشخصية وبرامج الاستثمار الضخمة التي يتم تنفيذها وفق رؤية 2030 والحوافز الاخرى ستعزز الطلب بشكل أكبر على مراكز البيانات في المستقبل.
وكانت شركة “سيرفيس ناو” الأميركية افتتحت في شهر حزيران/يونيو الماضي مقراً إقليمياً لها في الرياض لتغطية منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وكانت أعلنت عن نيتها افتتاحه خلال النسخة الثالثة من مؤتمر “ليب 2024” الذي عقد في الرياض في شهر آذار/مارس الماضي، وقد شهد المؤتمر ذاته، دخول استثمارات ضخمة الى المملكة بهدف تحقيق رؤية 2030، إذ أعلنت شركة “أمازون ويب سيرفيسز” عن منطقة سحابية فائقة السعة في السعودية باستثمارات تصل 5.3 مليارات دولار، كما أطلق مركز البيانات الأول في المنطقة بالسعودية لصالح شركة “سيرفيس ناو”، باستثمارات تبلغ 500 مليون دولار وتم الإعلان عن دخولها في شراكتين جديدتين مع مشروع “الكراج” و”الأكاديمية السعودية الرقمية”، أيضاً صرّحت شركة “داتافولت” عن استثمار لبناء مراكز بيانات مستدامة ومبتكرة بقدرة تزيد على 300 ميغاواط، بقيمة 5 مليارات دولار، وأعلنت “آي بي إم” أول مركز تطوير برمجيات بنحو 250 مليون دولار. وأعربت “دل تكنولوجيز” عن عزمها افتتاح مركز جديد في الرياض للدمج والخدمات اللوجيستية.
وأطلقت شركة “أوسيس” صندوقها الثاني “الصندوق الثاني” بإجمالي قدره 100 مليون دولار لتمكين مؤسسي الشركات في مراحل نموهم الأولية في الشرق الأوسط، فيما أعلنت شركة “بلج أند بلاي” إطلاقها الصندوق الأول لها في المنطقة للاستثمار في الشركات التقنية الناشئة في السعودية ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بقيمة 50 مليون دولار، وأعلن صندوق التنمية الوطني بالتعاون مع بنك التنمية الاجتماعية عن توقيع اتفاقيتين لتأسيس صندوقين للاستثمار الجريء في قطاع الألعاب والرياضات الإلكترونية، بقيمة إجمالية تبلغ 120 مليون دولار بين كل من بنك التنمية الاجتماعية وشركتي ميراك المالية وتأثير المالية ” Impact46″.
ويأتي ذلك في إطار مساعي المملكة لتنويع اقتصادها والاستثمار بكثافة في تكنولوجيا المعلومات والاقتصاد الرقمي. وعن هذا التوجه، قال وزير الاتصالات وتقنية المعلومات السعودي عبد الله السواحه، خلال “ليب 2024” الذي عقد في الرياض في شهر آذار/مارس الماضي، إن المملكة منصة للقفز نحو العالم الجديد، مشيراً إلى أنه “خلال العام 2023 تمّ الإعلان عن استثمارات تقنية بقيمة 9 مليارات دولار”.
الامارات
ووفقاً لتقرير”نايت فرانك” فإن أكبر مراكز بيانات في الشرق الأوسط تركزت في الامارات، مع سعة تكنولوجيا المعلومات بلغت 235.3 ميغاواط منذ مطلع العام 2023، كما سجلت الإمارات في العام الحالي زيادة قدرها 64 ميغاواط في إجمالي الإمداد، نصفها تمثل في إضافة سعة تكنولوجيا المعلومات الحية.
أصبحت الامارات أحد المراكز الرئيسية للبنى التحتية الرقمية في المنطقة. ومن أبرز اللاعبين في السوق، شركات “خزنة” و”غلف داتا هاب” و”أمازون ويب سرفس” و”الامارات للاتصالات”- “Etisalat” و”مورو هب” وغيرها.
وأشار التقرير إلى أن شركة “غلف داتا هب” بدأت بناء أربع منشآت جديدة في المنطقة، 32 ميغاواط من أصل 48 ميغاواط بدأ العمل بها في واحة “دبي للسليكون”، و18 ميغاواط في “كيزاد” الذي من المتوقع أن يكتمل في الربع الثاني من العام 2024، كما يتم توسيع اثنين من مرافقها في ايكاد بقدرة 32 ميغاواط، وأضاف أن شركة “خزنة داتا سنتر” واصلت بناء أربع منشآت جديدة ستوفر عند اكتمالها في أواخر العام 2024 مجتمعةً 104.7 ميغاواط.
ويأتي ذلك إلى جانب مشاريع توسعة قائمة بقدرتي 6 ميغاواط و5.5 ميغاواط في منشآت “ايريس” ومدينة خليفة على التوالي، كما أطلقت شركة “مورو” المرحلة الأولى من مركز بيانات مجمع محمد بن راشد ال مكتوم للطاقة الشمسية بقدرة 3.6 ميغاواط، والذي يعمل بالكامل بطاقة مولدة من محطة محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية، وتسعى شركة مايكروسوفت للتوسع في السوق، حيث أعلنت عن شراكة مع “جي 42 كلاود” لتقديم خدمات سحابية سيادية مشتركة في المنطقة.
ولا تقتصر جهود تطوير البنى التحتية على الاستثمارات داخل البلاد فهناك مذكرات تعاون مع بلدان أخرى في هذا المجال. ونذكر على سبيل المثال، إبرام الامارات وكينيا في آذار/مارس 2024، مذكرة لتعزيز التعاون الاستثماري الثنائي في قطاع البنية التحتية الرقمية والاقتصاد الرقمي والتكنولوجيا، وشمل التعاون البحث والتطوير في مشاريع مراكز البيانات بسعة إجمالية تصل إلى 1,000 ميغاواط.
كما وقّعت الامارات مع الهند في شهر شباط/فبراير الماضي مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون الثنائي الاستثماري بين الجانبين في قطاع البنية التحتية الرقمية ركزت على إنشاء مشاريع مراكز بيانات في الهند. وفي الشهر عينه أيضاً، وقعت مذكرة تفاهم مع اليونان لوضع إطار للاستثمار في البنية التحتية الرقمية ركز على مشاريع مراكز البيانات في اليونان ومن الممكن أن تصل القدرة الإجمالية لمراكز البيانات التي سيتم إنشاؤها إلى 500 ميغاواط.
ويضاف الى ما سبق، إطلاق شركة “هيوليت باكارد إنتربرايز” المدرجة في بورصة نيويورك، خدمة جديدة لاستضافة مراكز البيانات المُدارة في الإمارات بالتعاون مع “خزنة داتا سنترز”، وتهدف هذه الخدمة إلى دعم الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي من خلال تقديم سلسلة من مشاريع الذكاء الاصطناعي بالتعاون مع مؤسسات بارزة في المنطقة، فضلاً عن أنها ستوفر إمكانية الوصول إلى مراكز البيانات الشاملة والمجهزة بتقنيات الحوسبة عالية الأداء والمصممة خصيصاً للذكاء الاصطناعي، بما في ذلك الحوسبة والحوسبة المسرّعة والبرامج والشبكات بالإضافة إلى نظام التبريد السائل المباشر (DLC) المخصص للذكاء الاصطناعي.
ويعالج مرفق مركز البيانات الجديد التحديات المتمثلة باستهلاك الطاقة من خلال امتصاص الحرارة بشكل أكثر كفاءة باستخدام نظم التبريد السائل، ويوفر أداءً أعلى بنسبة 20.7 في المئة لكل كيلوواط مقارنةً بالحلول التبريد بالهواء، كما يمكن للمنشأة تقليص الحاجة إلى المساحة بنسبة تصل إلى 77.5 في المئة من خلال السماح للعملاء بوضع عدد خوادم أقل متراصة بإحكام في الرفوف.
وبهدف تسريع مدة الإنتاج، تعمل خدمات “أتش بي إي”، التي توفر دعماً ميدانياً وعن بُعد على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع لتركيب واعتماد الأنظمة، بشكل وثيق مع خزنة لتحسين مركز البيانات في أبوظبي من أجل تشغيل الأحمال التشغيلية الخاصة بالذكاء الاصطناعي والحوسبة عالية الأداء، ومن خلال منصة أتش بي إي جرين ليك، يمكن للعملاء الجدد أو الحاليين الحصول على خيارات مرنة للتوسع والدفع مقابل الخدمات شهرياً.
ومن محركات نمو سوق مراكز البيانات في الامارات بحسب التقرير، زيادة الرقمنة والطلب المتزايد على الاتصال المرن (resilient connectivity)، بالإضافة إلى اعتماد التكنولوجيا المتزايد. وعلاوة على ذلك، أشار التقرير إلى أن الحكومة الإماراتية قامت بمبادرات عدة لدعم التصنيع في البلاد مثل استراتيجية أبو ظبي الصناعية التي توفر البنية التحتية للاستثمار الصناعي والحوافز للمستثمرين، كما أضاف أن السوق تشهد نمواً في تبني السحابة (Cloud Computing)، ونتيجة لذلك، استقطبت السوق الاماراتية تدفقات استثمارية متزايدة لتطوير مراكز البيانات من شركات مثل مايكروسوفت، وأوراكل، وأمازون ويب سيرفيسز، وعلي بابا كلاود
قطر تستقطب الشركات العالمية
أطلقت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في قطر بالشراكة مع مايكروسوفت، أول منطقة مراكز بيانات سحابية واسعة النطاق في العام 2022. أما في العام 2024، وبمناسبة الذكرى السنوية الثانية لافتتاح منطقة البيانات السحابية فتم الإعلان عن توسيعها وذلك على هامش ملتقى مايكروسوفت الذي أقيم تحت شعار “قيادة عصر الذكاء الاصطناعي”، وخلال الملتقى، أشار وكيل وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، سامي محمد الشمري، إلى أن تعاون الوزارة مع مايكروسوفت حقق إنجازات مهمة في رحلة التحول الرقمي، تشمل انتقال 143 جهة حكومية وشبه حكومية إلى سحابة (أزور) “Azure” واستخدام 43 جهة حكومية لخدمات تحليلات البيانات والذكاء الاصطناعي على السحابة عينها، واعتماد 10 جهات لنظام “أم365 كوبايلوت”، وتدريب 1393 شخصاً على البيانات والذكاء الاصطناعي خلال ثلاث سنوات ونصف، واعتبر أن هذه الإنجازات شهادة على التزام الوزارة بتوفير بنية تحتية رقمية آمنة وموثوقة، وتمكين الجهات الحكومية من الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتحسين الإنتاجية، وتطوير قدرات موظفي الجهات الحكومية في مجال التكنولوجيا الحديثة.
وفي العام 2023، افتتحت “غوغل كلاود” منطقتها السحابية في الدوحة، بالتعاون مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وهيئة المناطق الحرة في قطر. وخلال حفل الاطلاق، قال وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات محمد بن علي بن محمد المناعي، إن إطلاق هذه المنطقة يتلاءم مع “رؤيتنا الشاملة بشأن تحقيق الأهداف المنشودة لرؤية قطر الوطنية 2030، ومن بينها إرساء بنية تحتية رقمية قوية ذات معايير وسياسات متفق عليها دولياً، تنتقل بنا جميعاً صوب اقتصاد أكثر فاعلية، يعتمد على الرقمنة والتكنولوجيا”، ولفت إلى تقارير دولية تشير إلى أن الخدمات السحابية العامة في قطر تشهد نمواً ملحوظاً بمعدل 32.2 في المئة خلال الأعوام 2021 إلى 2026. وبدوره، أشار أحمد بن محمد السيد، وزير الدولة ورئيس مجلس إدارة هيئة المناطق الحرة إلى أن الشراكة مع “غوغل كلاود” بدأت في العام 2020 بعد توقيع الطرفين اتفاقية تعاون استراتيجي لتأسيس مركز إقليمي لـ “غوغل كلاود” في الدوحة”.
إلى ذلك، يحرص جهاز قطر للاستثمار على مواصلة اهتمامه في ميادين التحول الرقمي. فخلال النسخة الرابعة لمنتدى قطر الاقتصادي التي حملت عنوان “الاستثمار للجيل القادم”، أكد الرئيس التنفيذي للجهاز منصور بن إبراهيم آل محمود، مواصلة الجهاز الاستثمار في مراكز البيانات وتصنيفها وتطبيقات البرمجيات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي وشركات تصنيع الرقائق.
الكويت
من المتوقع بحسب أرقام “ستاتيستا” أن تبلغ إيرادات سوق مراكز البيانات في الكويت 119.40 مليون دولار أميركي في العام 2024، كما يتوقع أن تُظهر الإيرادات معدل نمو سنوي مركب يبلغ 5.98 في المئة خلال الفترة من 2024 إلى 2029، مما يؤدي إلى وصول حجم السوق إلى 159.60 مليون دولار أميركي في حلول العام 2029.
وبهدف تعزيز التحول الرقمي في الكويت، افتتحت “غوغل كلاود” مكاتب لها في البلاد في تموز/يوليو 2024، وقال المدير العام لـ “غوغل كلاود” في الشرق الأوسط وتركيا وأفريقيا عبدالرحمن الذهيبان إن “افتتاح مكاتب الشركة في الكويت يعدّ خطوة استراتيجية جديدة تهدف إلى تلبية الطلب المتزايد على خدماتها وخبراتها في السوق الكويتية ودعم رؤية الكويت “كويت جديدة 2035″.” والجدير ذكره، أن الشركة أعلنت في العام 2023 توقيع اتفاقية اطارية لتحالف وطني مع الحكومة الكويتية لوضع خارطة طريق لبرنامج تحول رقمي شامل للجهات الحكومية والمؤسسات الرئيسية التابعة للدولة.
وفي العام 2023، أعلنت “زين” مُزوّد للخدمات الرقمية في الكويت، وشركة ” ZainTech” الذراع الإقليمية لمجموعة زين للحلول الرقمية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، عن تعاون مع “مايكروسوفت” لإطلاق “المُبادرة الوطنية للسحابة” لتقديم الخدمات السحابية للقطاعين العام والخاص في البلاد.
تحديات سوق مراكز البيانات
في المقابل، ألقى التقرير الضوء على العقبات التي تواجه سوق مراكز البيانات في بعض الدول مثل تعدد الانظمة ووجود قوانين فدرالية واخرى محلية في حالة الامارات مما يضيف بعض التعقيدات بالنسبة للمستثمرين الأجانب، كما لفت التقرير أيضاً إلى ان هناك حاجة الى تطوير انظمة المشتريات والمناقصات، إلى جانب تطوير انظمة ملكية البيانات والخصوصية والحماية وحقوق الملكية الفكرية لزيادة جاذبية الاسواق العربية لجذب المزيد الاستثمارات من الشركات العالمية في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والبنى التحتية الرقمية.
وأشار التقرير إلى أنّ التكلفة العالية لدخول السوق، وتعريفات الطاقة، وتكاليف الأمن الرقمي من التحديات الرئيسية لنمو بعض الاسواق، ولفت إلى أن قوانين مكافحة الجرائم الإلكترونية وحماية البيانات والسيادة عليها في بعض البلدان تقلص قدرة المشغلين الأجانب على الحفاظ على متطلبات حماية البيانات والتعامل معها. وأوضح التقرير أن هذه البلدان بدأت في تنفيذ برامج لتجاوز هذه القيود، مثل تطوير المناطق الاقتصادية الخاصة، والمناطق الحرة، إلى جانب الاستثمارات في “المدن الذكية” لتعزيز استثمار مراكز البيانات.