بريكس في مواجهة أمريكا ودولارها .. إنهاء عصر الهيمنة
افتتح “فلاديمير بوتين” قمة بريكس بدعوته إلى تأسيس نظام للمدفوعات الدولية بديل من شأنه منع استخدام الدولار كسلاح سياسي، موجهًا ضربة محتملة للهيمنة الأمريكية على التسويات المالية العالمية.
وأضاف في حديثه خلال القمة التي استضافتها “قازان” – إحدى أكبرالمدن الروسية وأكثرها ثراءً – قائلاً: إن تزيد استخدام العملات المحلية لدول مجموعة بريكس في المعاملات من شأنه أن يقلص المخاطر الجيوسياسية، مشيرًا إلى أن ما يقرب من 95% من التجارة بين روسيا والصين تتم حاليًا بالروبل واليوان.
وقال وزير المالية الروسي “أنطوان سيلوانوف” في اليوم الأول من القمة أن النظام المالي العالمي تسيطر عليه الدول الغربية، وأن المجموعة بحاجة إلى توفير بديل.
تأتي تلك الجهود مع تضرر موسكو من حظر العديد من مصارفها من نظام “سويفت” – الذي يسهل التحويلات المالية العالمية – بعد غزو أوكرانيا في فبراير 2022 بفترة وجيزة، وفرض الولايات المتحدة وحلفاؤها عقوبات شاملة عليها.
نفوذ متزايد
تضم عضوية “بريكس” الدول الخمس الأولى (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا)، وتوسعت عندما انضمت إليها دول منها السعودية والإمارات ومصر وإثيوبيا.
أتاحت قمة “بريكس” لهذا العام – التي تستمر ثلاثة أيام حتى الخميس واستضافت وفود من عدة دول – الفرصة للرئيس الروسي للتباهي بمكانة بلاده على المسرح العالمي.
تعتبر القمة أكبر حدث جيوسياسي تشهده روسيا منذ غزو أوكرانيا وحرص “بوتين” وأعضاء “بريكس” على التأكيد خلالها على نفوذ المجموعة المتزايد.
في تصريحاته في افتتاح القمة – التي وصفها الكرملين بالحدث الأكبر في مجال السياسة الخارجية على الإطلاق في روسيا – حدد الرئيس الروسي أولوياته عند التعاون المالي الأكثر عمقًا بين دول المجموعة والتوسع، مضيفًا أن ما لايقل عن 30 دولة أخرى أعربت عن اهتمامها بالانضمام للمجموعة.
وأضاف “بوتين” أن بريكس تظهر أن عالمًا متعدد الأقطاب يجري تكوينه في تحد للنظام العالمي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة.
أما الرئيس الصيني “شي جين بينج” فصرح في خطابه الأربعاء أن إصلاح البنية المالية الدولية أمر مُلح، ودعا إلى ربط البنية التحتية المالية بين أعضاء المجموعة وتوسيع بنك التنمية الجديد (إن بي دي).
يذكر أن “إن بي دي” – يقع مقره في شنغهاي – تأسس عام 2015 من قبل الأعضاء الخمسة الأوائل في بريكس، وهو بمثابة مؤسسة مالية بديلة للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
أصدرت الدول الأعضاء في “بريكس” – التي تمثل حوالي 35% من الاقتصاد العالمي – إعلان قازان الذي يدعو لإلغاء العقوبات الاقتصادية الأحادية الجانب والثانوية التي تتعارض مع القانون الدولي، كما شجعت على استخدام عملاتها المحلية في المعاملات المالية بين دول “بريكس” وشركائها التجاريين.
وتوقع صندوق النقد الدولي تزايد مساهمة دول المجموعة في نمو الاقتصاد العالمي خلال الخمس سنوات المقبلة، بينما يصبح النمو أقل اعتمادًا على مجموعة السبع.
نظام دفع جديد
ترغب روسيا في إنشاء نظام مدفوعات جديد يعتمد على شبكة البنوك التجارية المرتبطة ببعضها البعض من خلال البنوك المركزية لمجموعة بريكس، وذلك حسب وثيقة أعدتها وزارة المالية الروسية والبنك المركزي وتم توزيعها على الصحفيين قبل القمة.
وسوف يستخدم هذا النظام المقترح تقنية البلوك تشين لتخزين ونقل الرموز الرقمية المدعومة بالعملات الوطنية، مما يسمح بتبادل آمن وسهل للعملات، بدلاً من الحاجة للتعامل بالدولار.
لكن يرى “ياروسلاف ليسوفوليك” مؤسس مركز أبحاث “بريكس+ أنالتيكيس” أن إنشاء مثل هذا النظام ممكن من الناحية الفنية لكنه سيستغرق بعض الوقت، مشيرًا إلى أنه بعد التوسع الكبير للمجموعة في العام الماضي، أصبح الاتفاق بالإجماع أكثر صعوبة.
إلى جانب ذلك اتهمت الوثيقة المؤسسات القائمة مثل صندوق النقد الدولي بخدمة مصالح الدول الغربية وأنها بحاجة إلى تحسينات لخدمة الاقتصاد العالمي المتطور بشكل أفضل.
كما تقترح موسكو إنشاء منصة “بريكس كلير” لتسوية التجارة في الأوراق المالية، وتحدث “بوتين” عن إمكانية تأسيس بورصة لتجارة المعادن الثمينة والماس.
وتحث روسيا – أكبر مصدر للقمح في العالم – أيضًا على إنشاء بورصة تجارية للحبوب في مجموعة “بريكس” من أجل إنشاء بديل للبورصات الغربية التي تحدد الأسعار الدولية للسلع الزراعية.
التخلص من الدولار
أصبحت البنوك المركزية وصناع السياسات المالية قلقين بصورة متزايدة بشأن الاعتماد على الدولار بسبب عدم اليقين بشأن الاستقرار السياسي الأمريكي والتحولات الاقتصادية، وتزايد الديون الأمريكية، والعقوبات الاقتصادية وغيرها.
وخاصة بالنسبة للاقتصادات النامية التي أدت قوة الدولار في السنوات الأخيرة إلى إضعاف القدرة التنافسية لصادراتها، فضلاً عن زيادة تكلفة خدمة الديون المقومة بالعملة الخضراء، لذلك تسعى بريكس للتخلص من هيمنة الدولار.
ورغم الحرص على جعل بريكس ثُقل موازن قوي للغرب في السياسة والتجارة العالمية، إلا أن “بوتين” أوضح أن طرح عملة موحدة للمجموعة تعتبر خطوة سابقة لأوانها حاليًا، نظرًا لأنها تتطلب مستوى عالي من التكامل بين الأعضاء.
وذكر محللو “إس بي أنجل” مزودة خدمات الاستثمار المصرفي في مذكرة أن حوالي 58% من عملات الاحتياطي الأجنبي التي تحتفظ بها البنوك المركزية حالية في صورة أصول مقومة بالدولار، رغم بدء البنوك بالفعل في زيادة احتياطاتها غير الدولارية، وبالطبع فإن الذهب – الذي يواصل مسيرته الصاعدة- هو المستفيد الرئيسي.
هل يمكن التخلص من هيمنة الدولار؟
تمثل جهود بريكس – التي تمثل 45% من سكان العالم – محاولة لتحدي النظام المالي العالمي الذي يهيمن عليه الدولار الأمريكي الذي يمثل أكثر من نصف المدفوعات الدولية.
لكن التخلص من هيمنة الدولار هدف يزعج بعض أعضاء بريكس منها الهند، لأنهم لا يريدون أن تصبح المجموعة معادية للغرب ومؤيدة للصين بشكل مفرط.
إلى جانب أن خطط بريكس التي عرضتها في قمتها – التي انعقدت قبل أسابيع قليلة من الانتخابات الأمريكية – تواجه تعهد المرشح الجمهوري “ترامب” بأن يظل الدولار عملة الاحتياطي العالمية.
وصرح “ترامب” خلال سبتمبر بفرض تعريفات جمركية صارمة تصل إلى 100% على واردات الدول التي تسعى للتخلي عن الدولار كعملة عالمية، بعدما ناقش مع مستشاريه سبل معاقبة الدول الباحثة عن سبل للمشاركة في التجارة الثنائية بعملات أخرى غير الدولار.
وعلق “إدوارد فيشمان” الباحث البارز بجامعة “كولومبيا” : لقد وجدت دول بريكس مهمة موحدة وهي التحايل على الهيمنة المالية الأمريكية، موضحًا أنه بالنسبة للدول الخاضعة للعقوبات الأمريكية فإن هذه المهمة تمثل أولوية وطنية قصوى.
بينما ترى دول مثل الصين أنها ستكون وسيلة مفيدة لعزل نفسها عن العقوبات المحتملة في المستقبل، لكن بشكل عام على الولايات المتحدة أن تتعامل مع مبادرات بريكس بشكل جدي وتتحرك لتعزيز مكانة الدولار بشكل أكبر لأنها قد تؤتي بثمارها على مدى العقود المقبل.
على الرغم من أنه من غير المرجح أن يكون لتلك المبادرات تأثير على الدور العالمي للدولار في المستقبل القريب.
ويبرز ذلك مدى التهديد الذي تشكله جهود المجموعة للتغلب على هيمنة العملة الخضراء، وتوسيع جهودها ونفوذها العالمي.
المصادر: أرقام – واشنطن بوست – بي بي سي – الجارديان – وكالة “صوت أمريكا” – رويترز – بلومبرج