اقتصاد دولي

خطة جديدة لاستهداف عائدات النفط الروسية تثير الجدل في البيت الأبيض

اقترح المسؤولون في وزارة الخزانة في عهد الرئيس بايدن إجراءات جديدة تهدف إلى شل أسطول من ناقلات النفط القديمة التي تساعد في إيصال النفط الروسي إلى المشترين في جميع أنحاء العالم في تحد للعقوبات الغربية.

وتهدف جهودهم إلى معاقبة روسيا، لكنها توقفت وسط مخاوف البيت الأبيض في شأن كيفية تأثيرها في أسعار الطاقة قبل انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) المقبلة.

وفي محاولة لاستنزاف روسيا من الأموال اللازمة لمواصلة حربها في أوكرانيا، فرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها عقوبات واتخذت خطوات جديدة أخرى للحد من مقدار ما تجنيه موسكو من بيع النفط في الخارج، لكن روسيا وجدت بصورة متزايدة طرقاً للالتفاف حول هذه الحدود، مما زاد الضغط على إدارة بايدن لتشديد جهودها التنفيذية.

ويريد مسؤولو الخزانة القيام بذلك جزئياً، من خلال استهداف ما يسمى “أسطول الظل” من ناقلات النفط، الذي يسمح لروسيا ببيع النفط فوق الحد الأقصى لسعر البرميل البالغ 60 دولاراً الذي فرضته الولايات المتحدة وحلفاؤها في عام 2022.

وكان الهدف من هذا الحد هو تقييد قدرة موسكو على الاستفادة من صادراتها من الطاقة مع السماح لنفطها بمواصلة التدفق في الأسواق الدولية لمنع صدمة الأسعار العالمية، لكن روسيا تحايلت إلى حد كبير على هذا الحد، مما سمح لها بجني أرباح ضخمة لتمويل جهودها الحربية.

وبينما يريد مسؤولو وزارة الخزانة إخراج الناقلات الروسية من الخدمة، يشعر المستشارون الاقتصاديون داخل البيت الأبيض بالقلق من أن ذلك قد يؤدي إلى خطر تأجيج أسعار النفط هذا الصيف ورفع أسعار البنزين الأميركية، مما قد يضر بحملة إعادة انتخاب بايدن، ولم يوقعوا على المقترحات، حتى مع تقديم مسؤولي وزارة الخزانة الحاليين والسابقين لهم تحليلات تشير إلى أن أخطار التأثير الكبير على سوق النفط منخفضة.

يعكس هذا النقاش التوتر الذي كان دائماً في قلب الجهود الجديدة التي تبذلها الإدارة لتقييد مبيعات النفط الروسية عبر كيفية إضعاف آلة الحرب في موسكو من دون رد الفعل السياسي العنيف الذي قد يأتي من إلحاق الألم بالسائقين الأميركيين.

ويعد هذا النزاع مثالاً عاماً نادراً على خلاف الإدارة الداخلية حول التضخم والسياسة الأوكرانية، وهو يضع مسؤولي وزارة الخزانة في مواجهة مساعدين في المجلس الاقتصادي الوطني بالبيت الأبيض، الذي تقوده لايل برينارد.

ويصف مسؤولو البيت الأبيض سراً العملية بأنها روتينية ويؤكدون أنه لم يتخذ أي قرارات، لكن التأخير أربك المسؤولين في أماكن أخرى في الإدارة، الذين لم يتمكنوا من الحصول على إجابة مباشرة من برينارد وفريقها حول ما يعوق الإجراء المقترح.

وفي الوقت الحالي، وفقاً لعديد من الأشخاص المطلعين على المناقشات، الذين تحدثوا لصحيفة “نيويورك تايمز”، بشرط عدم الكشف عن هويتهم لأنهم غير مخولين بالتحدث علناً، فإن العقوبات المقترحة على أسطول الظل الروسي تظل قيد المراجعة، وليست وشيكة.

ووفقاً للصحيفة رفضت برينارد التحدث بصورة رسمية عن هذه العملية، كما رفض مسؤولو البيت الأبيض الإجابة عن الأسئلة المباشرة حول المخاوف المتعلقة بأسعار النفط واقتراح وزارة الخزانة.

الخطة البديلة

ويتعرض البيت الأبيض لضغوط من داخل الإدارة وخارجها لبذل مزيد من الجهد لفرض سقف أسعار النفط، الذي وضعته وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين وفريقها قبل عامين في الأشهر التي تلت الحرب الروسية على أوكرانيا، عندما تحركت الولايات المتحدة وأوروبا لحظر واردات النفط الروسي، في محاولة لخفض عائدات أحد أكبر منتجي النفط في العالم. لكن يلين وغيرها من زعماء الديمقراطيات الغنية الذين عارضوا الحرب أدركوا أن الحظر الأوروبي، عند تنفيذه بالكامل، يخاطر بإخراج ملايين براميل النفط من السوق العالمية، ويؤدي إلى صدمة أسعار يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع سعر البنزين إلى سبعة دولارات للغالون الواحد في الولايات المتحدة الأميركية.

وكانت خطتهم البديلة هي استخدام الصناعة البحرية، بما في ذلك شركات الشحن وشركات التأمين، للسماح لروسيا فعلياً ببيع النفط فقط بسعر مخفض هو 60 دولاراً للبرميل، وهو أقل بنحو 25 دولاراً للبرميل من السعر في السوق العالمية.

في حين أثبت ما يسمى سقف الأسعار نجاحه في البداية، لكن روسيا سرعان ما وجدت حلولاً بديلة، بما في ذلك تسليم النفط إلى المشترين عبر مجموعة من ناقلات النفط القديمة “سوفكومفلوت”، التي تعمل من دون تأمين غربي، والتي أصبحت تعرف باسم “أسطول الظل”.

سمح أسطول الناقلات إلى جانب الأشكال البديلة للتأمين البحري للكرملين بمواصلة توليد إيرادات قوية من صادرات النفط، مما ساعد على تمويل الحرب على أوكرانيا.

وجادل منتقدو الحد الأقصى للسعر بأن الحد الأقصى البالغ 60 دولاراً للبرميل مرتفع للغاية، وأن إدارة بايدن كانت متساهلة للغاية في جوانب معينة من فرض الحد الأقصى. ودعا البعض وزارة الخزانة إلى فرض عقوبات نفطية أكثر صرامة على روسيا مماثلة لتلك المفروضة على قطاع النفط الإيراني.

وفي مقابلة مع صحيفة “نيويورك تايمز” الشهر الماضي، دافعت يلين عن الحد الأقصى للسعر، بحجة أن عمل روسيا للتحايل عليه لا يزال يكبدها كلفة ويجعل من الصعب على موسكو بيع نفطها.

وقالت يلين “جعلنا شحن هذا النفط إلى الصين والهند أمراً مكلفاً للغاية بالنسبة إلى روسيا من جهة الحصول على أسطول الظل وتوفير التأمين، وما زلنا نعتقد أن الحد الأقصى للسعر يعمل”.

يريد مسؤولو وزارة الخزانة الحاليون والسابقون أن تذهب الإدارة إلى أبعد من ذلك، وتستهدف ناقلات أسطول الظل بعقوبات محددة يمكن أن تقيد مبيعاتها أو تجبرها على التوقف عن العمل، وفي الشهر الماضي تحرك المسؤولون الأوروبيون لمعاقبة السفن الروسية التي تتهرب من العقوبات من خلال نقل الغاز الطبيعي المسال إلى السوق، في جهد يمكن استكماله باقتراح وزارة الخزانة في شأن ناقلات النفط.

عقوبات “أسطول الظل”

وأنتج مسؤولو وزارة الخزانة سراً تحليلاً اقتصادياً يؤكد، استناداً إلى تاريخ من الإجراءات التنفيذية بموجب سقف الأسعار، أن عقوبات أسطول الظل المقترحة من غير المرجح أن تؤدي إلى إخراج النفط الروسي من السوق، بل ستجبر موسكو بدلاً من ذلك على العودة إلى السوق، وستبيع كثيراً من نفطها بأسعار أقل تحت الحد الأقصى.

وأصدر كل من الزميل البارز في برنامج الاقتصاد العالمي والتنمية في معهد “بروكينغز”، روبن بروكس، وكبير مسؤولي وزارة الخزانة السابق، بن هاريس، الذي يشغل الآن منصب نائب الرئيس ومدير برنامج الدراسات الاقتصادية في معهد “بروكينغز”، تحليلاً مماثلاً علناً في أواخر الشهر الماضي، جادل الرجلان فيه بأن الأدلة التاريخية تشير إلى أن الجهود المبذولة لإغلاق ناقلات “أسطول الظل” من غير المرجح أن يكون لها تأثير متواضع في أسعار النفط العالمية.

وتخضع حالياً 20 ناقلة من “أسطول الظل” للعقوبات، من أصل أسطول يضم نحو 120 ناقلة، وكتب كل من بروكس وهاريس أن الإدارة يمكن أن تعاقب الناقلات الإضافية البالغ عددها 100 ناقلة، من أجل تقليل اضطرابات الأسعار، وهم يرسمون أدلة من إجراءات الإنفاذ السابقة لإظهار أن أياً منها لم يكن له آثار كبيرة في سوق النفط.

وكتب بروكس وهاريس “على رغم أن هذا أبعد ما يكون عن السببية، فإننا نعتقد أنه يؤكد صحة فكرة أن فرض مزيد من العقوبات على أسطول شركة سوفكومفلوت الروسية العاملة في مجال تشغيل السفن والناقلات البحرية، من غير المرجح أن يتسبب في ارتفاع أسعار النفط”.

جادل مسؤولو البيت الأبيض أخيراً بأن الحد الأقصى للسعر وإجراءات التنفيذ ذات الصلة أضرا حتى الآن بروسيا، ولكن ليس بالسائقين الأميركيين، وقالوا “ربط محللو الطاقة، وحتى المسؤولون الروس أنفسهم، أنشطتنا التنفيذية المتزايدة بزيادة الخصم على النفط الروسي. وفي الوقت نفسه ظلت أحجام الصادرات الروسية مرتفعة، مما أدى إلى تجنب ارتفاع الأسعار الذي كان يخشاه كثر في عام 2022”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى