اقتصاد دولي

تجارة المقايضة تروي ظمأ اقتصادات الجزائر ودول الساحل

تعطي الجزائر اهتماماً بالغاً لتجارة المقايضة مع دول الجوار الجنوبي أو الصحراوي، وإن كان الأمر يعود لسنوات عدة خلت، إلا أنه لم يبلغ درجات متقدمة مثلما عليه الحال خلال السنوات الأخيرة، إذ بات هذا النوع التجاري يلعب دوراً في تنويع الاقتصاد المحلي من جهة، ورفع المداخيل خارج المحروقات من جهة أخرى، لكن يبقى الوضع الأمني المتردي في منطقة الساحل الأفريقي العائق أمام تحقيق نقلة نوعية.

وتعمل الجزائر على تفعيل تجارة المقايضة “الجنوبية” في سياق استدراك البوصلة الاقتصادية الأفريقية التي أضاعتها لصالح دول عدة، إذ تستهدف العودة لسوق واعدة لترويج منتجاتها، وكذلك النهوض بالحياة التنموية في المناطق الحدودية مع دول الجوار.

ولا تشكل تجارة المقايضة رقماً مهماً في الإحصاءات الجزائرية الرسمية، إذ لا تتجاوز سقف مليون دولار، لكنها تمثل آلية للحد من ظاهرة التهريب والاتجار غير المشروع، وتشجيع سكان المنطق الحدودية في الجانبين على المساهمة في خلق فرص الشغل وتمهيد المجال للتبادل التجاري الرسمي في المحيط الجغرافي المستهدف.

ومن أجل دفع هذه العملية عدلت الحكومة الجزائرية قانون تجارة المقايضة في ما يتعلق بممارستها ومساحة تسويقها والاستثناءات التي تستفيد منها، حتى بات بالإمكان تسويق بعض البضائع في مواسم الاستهلاك الزائد، لكن في الوقت نفسه لا يمكن تسويق البضائع المستوردة في إطار هذا النوع التجاري خارج الحدود الإقليمية للمحافظات والمناطق المعنية.

نمط مقاوم للتجدد

تجارة المقايضة هي نمط لتبادل البضائع بين المهنيين في مناطق حدودية محددة، إذ تتم بتبادل السلع والمواد سواء غذائية أم غيرها من دون معاملات مالية، لكن وفق شروط متفق عليها بين حكومات الدول المعنية، وهو نظام عريق في المنطقة، بخاصة أن النسيج الاجتماعي في الشريط الحدودي الجزائري يتشكل من عائلات موزعة على البلدان المتجاورة.

تعود جذور تلك التجارة في الجزائر لقوانين سنت في عام 1968 خلال عهد الرئيس الراحل هواري بومدين، لكنها خضعت لتعديلات عدة مرات على غرار أعوام 1988 و1994 و1997 قبل انتعاشها بقوة قبل ثلاث سنوات، إلا أنها تحاصرها التهديدات في 2023 أمام تردي الأوضاع الأمنية في مالي والنيجر.

وعلى رغم قدم نظام تجارة المقايضة، إلا أنه عاد للظهور في ثلاثينيات القرن الـ20 مع انهيار الاقتصاد العالمي، إذ لجأ الناس إلى المقايضة للحصول على حاجاتهم اليومية وأساسات الحياة، وتطور في الوقت الحالي مع وجود الإنترنت، إذ أصبح هناك انتشار لهذا النمط التجاري من خلال أوجه مختلفة من المواقع والتطبيقات القائمة على تبادل السلع والخدمات، غير أنه لا يقدم ضمانات كافية بجودة السلع والخدمات ووقت تسليمها على رغم أنه يتميز بالمرونة والسهولة.

سر تراجع المقايضة

في السياق يرى الأكاديمي المتخصص في الاقتصاد علي حاجي أن الحكومة الجزائرية تراهن على تفعيل مبادلاتها الاقتصادية والتجارية مع دول الجوار في إطار استراتيجية العودة للعمق الأفريقي، لا سيما في ظل معوقات التصدير إلى دول الاتحاد الأوروبي، مبرزاً أن بلاده تركت الفراغ لدخول قوى اقتصادية عدة على خط المنافسة الأفريقية، مما أيقظها حالياً خوفاً من تهديد مصالحها الاستراتيجية.

وقال حاجي في حديثه لـ”اندبندنت عربية” إن من بين الأسباب التي دفعت الجزائر إلى التراجع عن تجارة المقايضة في وقت سابق الأوضاع الأمنية المتدهورة في دول الساحل، وأيضاً الأزمة الأمنية التي عرفتها البلاد خلال سنوات التسعينيات، ثم ثالثاً الصعوبات الاقتصادية والمالية التي عانتها خلال فترات متقطعة.

تحرك بطيء

وتقتصر تجارة المقايضة للجزائر مع مالي والنيجر على بضائع التمور الجافة ومشتقاتها باستثناء الأنواع الأخرى من “دقلة نور والملح الخام والمنزلي، والأشياء المنزلية المصنوعة من البلاستيك والألومنيوم والزهر والحديد والفولاذ والبطانيات وغيرها”، وهذا في ما يتعلق بالقادم من الجانب الجزائري.

بينما المنتجات القادمة من مالي والنيجر، فترتبط بالماشية الحية من فصيلة الأبقار والأغنام والماعز والشاي الأخضر والتوابل، وكذلك منتجات الصناعة التقليدية والحرف والجلود والجلود المعالجة والعطور المحلية، والمنتجات غير المدرجة من الطب التقليدي غير المعتمدة والفول السوداني.

وكانت وزارة التجارة الجزائرية قالت إنه تم تصدير بضائع محلية نحو السوق الأفريقية بقيمة تفوق 320 مليون دينار جزائري (مليونا دولار)، في إطار تجارة المقايضة الحدودية خلال العام الماضي، موضحة أن تلك البضائع صدرت نحو مالي والنيجر وبلدان أفريقية أخرى في مقابل ما قيمته 150 مليون دينار جزائري (950 ألف دولار) من الواردات.

حماية سكان الحدود

إلى ذلك اعتبر الأكاديمي المتخصص في الاقتصاد عبدالقادر بريش أن صيغة المقايضة التي تعتبر من أقدم أدوات التعامل بين التجمعات البشرية تسهم في تشجيع التواصل والتقارب بين الشعوب والدول، بخاصة في المناطق الحدودية، موضحاً أن إقدام الجزائر على تقنين وضبط التعامل بالمقايضة مع دول الجوار الجنوبية، سيساعد في تنشيط حركية التجارة في المنطقة والتقليل من عمليات التهريب ومختلف الجرائم المعروفة جنوباً.

ونبه إلى أن المقايضة تسمح أيضاً بخلق وظائف عبر دفع كثيرين من الشباب إلى العمل في التجارة المشروعة عوض النشاط في التهريب والممنوعات، مما يسهم في تطوير مناطق تبادل حر مع دول الجنوب، ومنه اقتحام الأسواق الأفريقية.

ويشير بريش إلى أن الحكومة الجزائرية تهدف من الخطوة إلى تنظيم تجارة المقايضة ورقابتها، عبر تحديد قوائم السلع المسموح بها في الصيغة، مما يضفي الشرعية على نشاطات سكان المناطق الحدودية ويقلل من مضايقتهم، كما تسعى إلى احتواء سكان المناطق الحدودية عوض تركهم عرضة لجماعات التهريب والجريمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى