اقتصاد دولي

غسل الأموال… جريمة تكلف العالم كل عام 4.6 تريليون دولار

حذر تقرير حديث من استمرار انتشار الجرائم المالية بخاصة عمليات غسل الأموال التي توسعت تداعياتها السلبية على الاقتصاد العالمي في ظل ما يعانيه من موجة كبيرة من التحديات التي تتمثل في ارتفاعات قياسية في التضخم وانخفاض الناتج الإجمالي العالمي، واستمرار البنوك المركزية في تشديد السياسة النقدية.

وقال صندوق النقدي الدولي، إن الجرائم المالية العابرة للحدود وجدت لتبقى، وأشار، إلى أنه بينما يستمتع الناس في كل مكان بالراحة التي يوفرها النظام المالي المتصل عالمياً، يستغل المجرمون هذه الشبكة المعقدة لنقل الأموال غير المشروعة عبر الحدود والتهرب من الاستيلاء عليها، وبينما يقوم هؤلاء المجرمون بحماية ثرواتهم غير المشروعة المستمدة من التهرب الضريبي، والفساد، والاتجار بالمخدرات، من بين أمور أخرى، تزدهر الجرائم المالية، في عصر لا توجد مؤسسة مالية أو دولة محصنة ضد هذه الجرائم بشكل كامل.

وأشار الصندوق، إلى أن فضائح غسل الأموال تسبب انهيار البنوك وصدمات للدول، وفي نهاية المطاف، يدفع المجتمع الكلفة من خلال تآكل الثقة في سلامة النظام المالي، ويحد من قدرة العملاء على الوصول إلى الائتمان.

4.6 تريليون دولار حجم جرائم غسل الأموال

كان البنك الدولي كشف في تقرير سابق، أن حجم عمليات غسل الأموال يبلغ 4.6 تريليون دولار سنوياً، إذ يمثل ما بين اثنين إلى خمسة في المئة من الناتج الإجمالي للاقتصاد العالمي، ولفت إلى أن معهد “بازل” قدر عمليات غسل الأموال بنحو 500 مليار دولار، ما يمثل نحو واحد في المئة من حجم الاقتصاد العالمي سنوياً، مشيراً إلى أن مكتب الأمم المتحددة المعني بالمخدرات والجريمة قدر غسل الأموال بنحو يتراوح ما بين 715 مليار دولار إلى 1.87 تريليون دولار سنوياً.

وتعد عمليات غسل الأموال جريمة عالمية، وتواجه كافة الدول تحديات في مكافحة غسل الأموال، وعديد من الجهات الدولية اعتبرت الظاهرة خطراً كبيراً على الاقتصاديات، وتسببت في جعل العائدات المكتسبة بطريقة غير مشروعة تبدو قانونية من خلال إخفاء المصدر الحقيقي للأموال.

وتمر عمليات غسل الأموال بثلاث مراحل، تتمثل الأولى في “الإيداع” عبر التصرف الفعلي في الأوراق النقدية أو الأصول المكتسبة من نشاط إجرامي عبر إدخالها في النظام المالي بطريقة لا تثير الانتباه، فيما تتمثل المرحلة الثانية في “التغطية” عبر فصل العائدات غير المشروعة من مصدرها بطبقات من المعاملات المالية بهدف إخفاء أصل العائدات من خلال إدخالها في المؤسسات المالية لكسر محاولة تتبعها من خلال القيام بمعاملات معقدة لإخفائها، بينما تتعلق المرحلة الثالثة بعملية “الدمج”، التي تهدف إلى إضفاء الشرعية الظاهرة على الأموال غير المشروعة من خلال إعادة ضخها في دورة الاقتصاد المحلي أو الدولي.

مكافحة جرائم غسل الأموال تتجاوز الجهود الفردية

وكشف صندوق النقد الدولي، أن البنوك باعتبارها حارسة النظام المالي، تكافح بلا توقف ضد غسل الأموال وتمويل الإرهاب، لكن الجهود الوطنية لمكافحة غسل الأموال تركز في المقام الأول على الأخطار المحلية، ونتيجة لذلك فإنها غالباً ما تتأخر.

وتلعب الهيئات التنظيمية للبنوك أيضاً دوراً بالغ الأهمية، ولكنها في كثير من الأحيان لا تستغل الموارد المحدودة على أفضل وجه، كما تعمل الأساليب المتباينة على إعاقة التعاون العالمي الفعال.

وأشار الصندوق إلى دخول الخبراء لديه في شراكة مع ثمانية من بلدان الشمال الأوروبي ودول البلطيق هي الدنمارك، وإستونيا، وفنلندا، وإيسلندا، ولاتفيا، وليتوانيا، والنرويج، والسويد في مشروع المساعدة الفنية الأول من نوعه لمكافحة غسل الأموال، وتكشف النتائج التي توصل إليها الصندوق إلى أن مكافحة غسل الأموال تتجاوز قدرة أي دولة بمفردها، وأنه يجب على البلدان أن تبتكر معاً لإيجاد حل.

في الوقت نفسه يعمل خبراء صندوق النقد الدولي باستمرار على توسيع مجموعة الأدوات لمساعدة أعضاء الصندوق على التركيز على التدفقات غير المشروعة عبر الحدود، باستخدام تقنيات التعلم الآلي وتحليل البيانات، ويتم فحص الحركات المالية، واكتساب نظرة ثاقبة للمشهد العالمي وتحديد مؤشرات السيناريوهات المحتملة لغسل الأموال ذات الأهمية الكلية.

بالتعاون مع دول الشمال ومنطقة البلطيق، استخدم صندوق النقد الدولي هذه الأدوات لتحسين فهم البلدان للتدفقات المالية غير العادية التي تستحق التدقيق، وتعمل هذه الأدوات على تعزيز قدرة البلدان على فحص التدفقات المالية غير المشروعة المحتملة والتركيز على التهديدات الناشئة، ويسمح التعاون أيضاً للدول بتحديد وربط تهديدات غسل الأموال وتمويل الإرهاب عبر الحدود.

تأثير صدمات غسل الأموال على الاستقرار المالي

تتضمن متابعة الأموال أيضاً النظر في البلدان التي اختارها المجرمون لتطهير المكاسب غير المشروعة، ويسمح لوكالات مكافحة غسل الأموال الرئيسة بوضع تدابير لتعزيز التدقيق في المعاملات غير العادية التي تمر عبر أنظمتها المالية والتي تنشأ في ولايات قضائية عالية الأخطار ومعرفة نقطة الانهيار.

وبينما يركز الصندوق على الاقتصاد الكلي والارتباط بين الاستقرار المالي وأخطار السلامة المالية، فإن مشروعاته مع دول الشمال والبلطيق توسع الجهود من أجل تحديد تأثير صدمات غسل الأموال على الاستقرار المالي بشكل أفضل.

ويكشف فحص البيانات المتعلقة بقضايا غسل الأموال الإقليمية أن البنوك التي تتصارع مع المخاوف المتعلقة بالسلامة المالية عانت انخفاضات حادة في أسعار الأسهم، وارتفاع أخطار الائتمان المتوقعة، وانخفاض الودائع مما أثر في سيولتها، وأدت صدمات غسل الأموال إلى انخفاض أسعار الأسهم وزيادة تكلفة التأمين ضد تخلف الشركات عن السداد، كما يتضح من أسعار مقايضة العجز عن سداد الائتمان، وهذا فقط ما حدث على مستوى البنوك الفردية.

وبالنظر إلى التأثير الإقليمي، فإن الآثار غير المباشرة الكبيرة أثرت في البنوك الإقليمية الرئيسة الأخرى، مما يشير إلى ديناميكية العدوى بين البنوك المتضررة ونظيراتها.

ومن خلال منظور أوسع، أدت دراسة صندوق النقد الدولي، إلى توصيات على المستويين القطري والإقليمي، وأكد التقرير، أنه يجب على البنوك كشف غسل الأموال ومنعه، مشيراً إلى أن المجرمين يجدون البنوك مغرية بسبب شبكاتها الواسعة عبر الحدود، والمنتجات والخدمات التي تعرض نفسها لخطر غسل الأموال، فضلاً عن ظهور الأصول المشفرة، مما يوفر تحويلات عالمية سريعة جذابة للمجرمين.

لهذا السبب، من الضروري أن تكون الجهات التنظيمية الوطنية التي تشرف على جهود مكافحة غسل الأموال التي تبذلها البنوك قادرة على النظر إلى الصورة الأكبر عند الإشراف عليها، كما يشير الصندوق، ومع الافتقار إلى آلية إشرافية عالمية، يتعين على الجهات الرقابية توسيع منظورها، والتدقيق في الأخطار غير المقيمة والتدابير المضادة لغسل الأموال عبر الحدود، وهذا يدعو إلى تعاون دولي أقوى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى