اقتصاد دولي

لماذا تصرّف اليابان مياه محطة فوكوشيما النووية في البحر؟

شرعت “طوكيو إليكتريك باور هولدينغز” –”تيبكو”- (Tepco)، شركة الكهرباء اليابانية في تصريف ما يقارب 1.3 مليون متر مكعب (343 مليون غالون) من المياه المُشعة المعالجة- مما يكفي لملء نحو 500 مسبح أولمبي- من محطة “فوكوشيما داي-إتشي” النووية المدمرة في المحيط الهادئ، في إطار جهود كلّفت 150 مليار دولار تقريباً لتطهير آثار أسوأ حادث نووي منذ تشرنوبل.

 

اتُخذ القرار نظراً لتوقع امتلاء صهاريج التخزين بحلول 2024، وعدم وجود مساحة تكفي لتشييد صهاريج أخرى. على الرغم من أن ذلك يبدو مخيفاً؛ فإنَّ تصريف المياه المعالجة في البحر هو إجراء شائع في قطاع الطاقة النووية، وتقرر أن الخطة تتوافق مع الإرشادات العالمية. لكن ذلك لم يطمئن المواطنين الغاضبين، فضلاً عن دولتي الصين وكوريا الجنوبية المجاورتين.

 

1- ما مصدر هذه المياه؟

 

نتج عن زلزال 2011، الأعنف على الإطلاق في تاريخ اليابان، وأمواج تسونامي التي تلته أضرار هيكلية بمباني مفاعل “فوكوشيما”، الذي يقع على نحو 220 كيلومتراً (137 ميلاً) شمال طوكيو. بينما تدوّر “تيبكو” المياه لمواصلة تبريد الوقود والحطام، يُلوّث ما يقارب 130 متراً مكعباً من المياه يومياً، بما يتضمن المياه الجوفية والأمطار.

 

تُضخ المياه الملوثة وتمرر عبر ما يعرف باسم “نظام معالجة السوائل المتقدم” (Advance Liquid Processing System)، ثم يتم تخزينها في واحد من ألف صهريج تقريباً في الموقع. تُزيل المعالجة معظم العناصر المشعة، ما عدا التريتيوم.

 

2- ما هو التريتيوم؟

 

هو شكل من الهيدروجين يحتوي على 3 نيوترونات، مما يجعله ضعيف الإشعاع. يتكون ذلك العنصر بصورة طبيعية في طبقات الغلاف الجوي العليا، كما أنه منتج ثانوي شائع من توليد الطاقة النووية.

 

التريتيوم له استخدامات متنوعة، منها تصنيع الأسلحة النووية، ويستخدم كمُقتف حيوي في الطب، والمنتجات التي تتوهج في الظلام، مثل لافتات الخروج وواجهات الساعات.

 

3- هل التريتيوم عنصر خطير؟

 

قد تسبب مستويات مرتفعة منه السرطان. على الرغم من أن طاقة جسيمات بيتا الموجودة في التريتيوم (تتحرر خلال التحلل الإشعاعي) أضعف من اختراق الجلد؛ لكنَّها قد تتراكم داخل الجسم عند استنشاقها أو بلعها (عادةً ما يحدث ذلك عبر المياه الملوثة).

 

مع ذلك؛ تقول “لجنة السلامة النووية الكندية” (Canadian Nuclear Safety Commission) إنه يجب على الإنسان هضم مليارات البيكريل (وحدة لقياس النشاط الإشعاعي)، قبل ظهور أي آثار على الصحة. تعتزم “تيبكو” تصريف مياه تحتوي على تركيز أقل من 1500 بيكريل للتر. للمقارنة؛ تحتوي المَوْزة على 15 بيكريلاً؛ كما يحتوي كيلو غرام من اليورانيوم (2.2 رطل) 25 مليون بيكريل.

 

4- ما طريقة التعامل مع المياه المُلوّثة؟

 

معظم محطات الطاقة النووية تصرّف كميات ضئيلة من التريتيوم والمواد المشعة الأخرى في الأنهار والمحيطات، بحسب ديفيد هِس، محلل السياسات لدى “الجمعية النووية العالمية” (World Nuclear Association)، وهي مجموعة تمثل الصناعة.

 

في الولايات المتحدة، تُجرى عمليات التصريف المصرّح بها للمياه المعالجة بالتريتيوم بشكل دوري وآمن، ويُكشف عنها بصورة كاملة، بحسب “اللجنة التنظيمية النووية” الأميركية (Nuclear Regulatory Commission). تسعى “تيبكو” إلى تصريف 22 تريليون بيكريل من التريتيوم بحد أقصى في المحيط سنوياً، وهو قدر أدنى من التصريفات المشابهة في فرنسا وكوريا الجنوبية والصين، وفقاً للحكومة اليابانية.

 

5- لمَ لا تُبنى صهاريج أخرى؟

 

جوهرياً، لا تجد “تيبكو” مساحة على أرض المنشأة لبناء صهاريج أخرى. أزالت الشركة أشجاراً تشغل مساحة 500 متر مربع (5400 قدم مربع) بجوار محمية للطيور لتوفير مساحة لألف صهريج تقريباً.

 

قد تتجه اليابان إلى بناء مزيد من وحدات التخزين طويل الأجل على أرض قريبة عبر الاستثمار في صهاريج تخزين احتياطي النفط، التي يمكن لأكبرها استيعاب نحو 2.4 مليار لتر (20 مليار برميل) من السائل. على الرغم من أنه من المستبعد أن يرغب أي شخص بالعيش في المناطق المحيطة بالمنشأة لفترة طويلة، لكنَّ الأمر سيتطلب قراراً سياسياً أيضاً.

 

6- متى بدأ التصريف وكيف تحدث العملية؟

 

بعد سنوات من النقاش والإعداد؛ بدأت “تيبكو” تصريف المياه في 24 أغسطس. قبل ضخها عبر النفق الموجود تحت سطح البحر، تُمزج المياه المعالجة مع ماء البحر لتخفيف تركيز التريتيوم إلى مستوى أدنى بكثير عن إرشادات الحكومة اليابانية و”منظمة الصحة العالمية”.

 

قد يستمر التصريف لثلاثين عاماً تقريباً، وتعتزم الحكومة رصد النشاط الإشعاعي في المنطقة خلال العملية.

 

7- من يعارض التصريف ومن يؤيده؟

 

عارضت جماعات الصيد بمقاطعة “فوكوشيما” التصريف بشدة، إذ تخشى أن يُفضي إلى تلويث سمعة الأسماك التي يصطادونها، ويضر بمصادر رزقهم. تعهد رئيس الوزراء فوميو كيشيدا بتقديم تمويلات جديدة لتخفيف وطأة أي ضرر على السمعة من هذا النوع. بعد أول تصريف، أعلنت الصين –أكبر مشترٍ للمأكولات البحرية اليابانية- أنها ستعلق واردات كل المنتجات البحرية القادمة من اليابان وحماية سلامة الغذاء.

 

انتقد المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الصينية، وانغ ونبيغ، في وقت سابق الخطة، وقال إن المحيط ليس من “مجارير اليابان الخاصة”. استهدفت حملة واسعة الانتشار شركات مستحضرات التجميل اليابانية، ونشرت الحملة المرتبطة بالمسألة مزاعم غير مثبتة تتعلق بالسلامة على منصات التواصل الاجتماعي الصينية.

 

في حين لم تعارض حكومة كوريا الجنوبية خطط اليابان علناً؛ فإنَّ استطلاعاً للرأي أُجري في مايو كشف أن 84% من المشاركين يعارضون التصريف. أدت المخاوف من المخاطر الصحية إلى ارتفاع كبير في سعر الملح البحري، وهو مكون أساسي في وجبة “كيميتشي” (kimichi) (وجبة كورية تقليدية)، إذ بدأ المستهلكون اختزانها. قالت الولايات المتحدة إن التصريف المخطط له يتوافق مع المعايير العالمية.

 

8- كيف تسير عملية التطهير؟

 

أسفر الزلزال الذي ضرب ساحل شمال شرق اليابان في 11 مارس 2011، فضلاً عن أمواج تسونامي التي تلته، عن 16 ألف وفاة مؤكدة وأضرار هائلة، ومنها الانصهارات التي حدثت في “فوكوشيما”. منذ ذلك الوقت، تتقدم عملية تطهير المحطة بشكل مطرد، تتوقع “تيبكو” أن تستغرق العملية ما بين 30 إلى 40 سنة أخرى.

 

رُكِّب جدار جليدي وشبكة صرف تحت الأرض لتقليص كمية المياه الجوفية المتدفقة أسفل المفاعلات المدمرة بأكثر من النصف. تحسنت حياة عمال التطهير أيضاً، فأصبح كل ما تحتاجه للتجول في المنشأة هو قناع رقيق على النمط الطبي، مقارنة ببدلة تغطي الجسد بالكامل وقناع بلاستيكي صلب يغطي الوجه كله، كما انخفضت مستويات الإشعاع في المنشأة، مما يتيح تنفيذ المزيد من العمل بالمحطة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى