اقتصاد دولي

هل يستحق قادة الشركات رواتب خيالية تبلغ ملايين الدولارات؟

هل يستحق أي موظف أن يقبض 18.7 مليون جنيه استرليني (23.27 مليون دولار)؟ هذا هو المبلغ الضخم الذي منحته “أسترازينيكا” لرئيسها التنفيذي باسكال سوريوت الذي يتوقع راتباً مقداره 1.5 مليون جنيه ومكافآت قائمة على الأسهم تشكل معظم باقي المبلغ.

سوريوت هو من دون شك أحد كبار قادة الشركات في بريطانيا. على مدى السنوات الخمس الماضية، زادت قيمة أسهم “أسترازينيكا” بنسبة 82 في المئة، فقفز استثمار فيها بألف جنيه إلى 1820 جنيهاً قبل احتساب توزيعات الأرباح السهمية. وعلى النقيض من ذلك، تحسن مؤشر “فايننشال تايمز 100” بنسبة تقل قليلاً عن سبعة في المئة. وكان من شأن مواكبة أداء سهم الشركة الكبرى هذا أن يرفع الاستثمار بألف جنيه إلى 1070 جنيهاً فقط قبل احتساب توزيعات الأرباح السهمية والرسوم.

كانت النتائج أقل إثارة للإعجاب إلى حد ما خلال العام الماضي، إذ انخفض سعر سهم “أسترازينيكا” بنسبة 6.5 في المئة، بينما تحسن مؤشر “فايننشال تايمز 100” (فتسي) بنسبة اثنين في المئة، لكن الأجل البعيد هو ما يهم حقاً، ولا سيما مع شركة مثل هذه، تدعمها بحوثها والاستثمارات فيها. في الأجل البعيد، تعد “أسترازينيكا” بقيادة سوريوت مكاناً جيداً جداً تستثمرون فيه أموالكم.

إنجاز آخر له هو الدور الذي أداه في مواجهة محاولة استحواذ عدائية من الشركة المنافسة الأميركية “فايزر” التي نفذت في القلب التجاري للندن عملية أشبه بالاقتحام والاستيلاء إذ اقترحت سعراً للسهم غير قابل للتفاوض يساوي 55 جنيهاً، وحضت المستثمرين على التمرد على رفض “أسترازينيكا” العرض.

وعلى رغم تذمر بعض المؤسسات المساهمة القصيرة النظر إلى حد مروع، انتصر سوريوت ومجلس إدارته في المعركة. ورد عرض “فايزر” – وهذا أمر جيد، نظراً إلى أن أسهم “أسترازينيكا” يجري تداولها اليوم عند ما يقارب ضعف السعر الذي ورد في ذلك العرض.

لا يتمثل أحد الاعتراضات الرئيسة على الأجور المرتفعة المخصصة لرؤساء الشركات فحسب في أنهم قد يكافؤون على الفشل – وهو أمر لا يزال يحدث على نحو يستحق الشجب – بل في أنهم كثيراً ما يحصلون على مبالغ هائلة في مقابل أداء عادي بوضوح. هذا لا ينطبق على سوريوت، حجة الدفاع عنه أقوى مقارنة منها بمعظم أقرانه.

ومع ذلك، في حين أن الرئيس التنفيذي السيئ يمكن أن يدمر شركة جيدة، ومن الجيد وجود رئيس من ذوي الكفاءات العالية، ليست الأعمال في نهاية المطاف سوى ممارسة جماعية.

توظف “أسترازينيكا” ما يقارب 90 ألف شخص من بينهم بعض كبار الباحثين في العالم الذين تعتمد عليهم الشركة ومستثمروها لإنتاج عقاقير رائجة.

ويجادل لوك هيلديارد من “مركز الأجور المرتفعة” High Pay Centre [مؤسسة تجري بحوثاً في الأجور العليا]، بأن سوريوت – وهو مدير محترف، وليس رائد أعمال يخاطر بأمواله الخاصة لإنشاء أعمال – جمع أكثر من 130 مليون جنيه على مدار العقد الماضي من الزمن. هو الرئيس الأعلى أجراً في أي شركة مدرجة في “مؤشر فايننشال تايمز 100”.

وقال هيلديارد، “عندما يستحوذ الأفراد على حصة ضخمة كهذه من الثروة التي تساعد عديداً من الأطراف المعنية في توليدها، يدعو ذلك حتماً إلى أسئلة حول التناسب أو الضرورة أو الحس السليم في الممارسات الخاصة بالأجور”. وهذا قبل أن نصل إلى السياق الاجتماعي لوجود رؤساء شركات ذوي أجور عالية كهؤلاء، وذلك أن الشركات جزء من المجتمع.

أضاف هيلديارد، “هذه أيضاً مسألة تتجاوز المنطق الاقتصادي أو منطق الأعمال اللذين لا يرحمان، وتتعلق بنوع القيم التي نريد أن يعكسها مجتمعنا. لقد أعربت بعض شخصيات الأعمال عن أسفها لعدم ارتياح الناس لمستويات أجور المسؤولين التنفيذيين السائدة، لكن في بلد يعاني فيه ملايين الأشخاص في تغطية كلف المعيشة الأساسية – السكن والتدفئة والغذاء – ربما أصبحنا معتادين أكثر مما ينبغي على مكافآت ضخمة في الأجور كهذه وعدم مساواة مؤلمة كهذه”.

وتشير بحوث أجراها “مركز الأجور المرتفعة” إلى أن متوسط أجر الرؤساء التنفيذيين في الشركات المدرجة في مؤشر “فايننشال تايمز” يبلغ 3.81 مليون جنيه، مقارنة بمتوسط أجر العامل بدوام كامل الذي يقل قليلاً عن 35 ألف جنيه.

لا يقتصر رفض الحجم الهائل لأجر سوريوت على هيلديارد وأمثاله، لقد أثار ذلك جدلاً في القلب التجاري للندن، إذ تسبب المكاسب الوفيرة عادة ضجة أقل بكثير.

وأعربت “غلاس لويس” Glass Lewis و”خدمات المساهمين المؤسسيين” Institutional Shareholder Services، الخبيرتان في شؤون تصويت المساهمين واللتان لا يمكن اعتبار أي منهما من الجهات التي تدقق عادة في مسائل أجور المسؤولين التنفيذيين، عن مخاوفهما في شأن رفع أجر سوريوت، وأوصتا المساهمين في الشركة بالتصويت ضده.

وقال روس مولد، من شركة “أي جيه بل” AJ Bell للوساطة، “هل يستحق أي شخص حقاً أن يأخذ هذا المبلغ من المال كأجر؟ لم يكن بعيداً جداً عن أجور بعض أقرانه، ومن الواضح أن ’أسترازينيكا‘ تريد أن تفعل كل ما في وسعها لاستبقاء مهندس نجاحها. ومع ذلك، يطرح الأمر السؤال عما إذا كانت الأجور في صورة عامة قد خرجت عن السيطرة في قطاع العقاقير”.

السيد مولد محق، في حين أن حزمة سوريوت تتجه نحو الطرف العلوي مقارنة بشركات العقاقير الكبرى الأخرى، فإنها أقل قيمة مقارنة بالحزم التي توفرها شركات “ليلي” Lilly و”أب في” AbbVie و”جونسون أند جونسون” و”فايزر” الأميركية العملاقة. حتى إن بعض كبار المساهمين في “أسترازينيكا” يجادلون بأن سوريوت يتقاضى أجراً منخفضاً مقارنة بأقرانه في هذا القطاع.

في نهاية المطاف، يبدو المستثمرون المؤسسيون الكبار الذين يقررون هذه الأمور سعداء بأثر أداء “أسترازينيكا” المثير للإعجاب في الأجل البعيد في محافظهم الاستثمارية، ويرون أن سوريوت هو مهندس ذلك الأداء، ولا يريدونه أن يذهب إلى شركة أخرى، لذلك صوتوا وفق ذلك الاعتبار، وسيحصل على أمواله.

من بين الذين أدلوا بأصواتهم، أيد 64.4 في المئة سياسة الأجور الخاصة بالشركة وأيد 65.3 في المئة “خطة حصة الأداء” الجديدة. وهذا يمثل مستوى عالياً نسبياً من المعارضة، لكنه فوز مريح على رغم ذلك.

ومع ذلك، سنكون هنا مرة أخرى طوال ما يعد بأن يكون موسم اجتماعات الجمعيات العمومية الطويل والساخن الذي تحاول فيه الشركات منح مكافآت مفرطة لرؤساء تنفيذيين أقل فاعلية بكثير من سوريوت. قد تجد – عن حق – أن القرار أصعب بكثير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى