اقتصاد دولي

دور التكنولوجيا في تعزيز الوصول إلى القانون

تجمع التكنولوجيا القانونية بين التقنيات الحديثة ومجال القانون، وأسهمت في إحداث نقلة نوعية في القطاع القانوني خلال السنوات القليلة الأخيرة من خلال مساعدة المحامين على تبسيط أداء المهام اليومية لتعزيز مستويات الكفاءة والإنتاجية. وتشهد سوق التكنولوجيا القانونية نمواً متسارعاً على مستوى العالم ومن المتوقع أن تصل قيمتها إلى 69.7 مليار دولار بحلول 2032، وفقاً لشركة “رؤى السوق المستقبلية” Future Market Insights، مع تسجيل معدل نمو سنوي مركب قدره 8.9% على أساس سنوي. أما على مستوى المنطقة، فما تزال السوق صغيرةً إلى حد ما، لكنها تشهد ظهور مجموعة من الشركات الناشئة التي تسعى إلى رقمنة القطاع القانوني وتطويره.

وبرزت، منذ عام 2021، عشر شركات ناشئة متخصصة بالتكنولوجيا القانونية ويتركز معظمها في مصر والمملكة العربية السعودية، بعد أن نجحت في جمع تمويل يبلغ أكثر من مليونيّ دولار. وكانت سبعٌ من هذه الشركات ما تزال في مرحلة تسريع الأعمال والبقية في مرحلة ما قبل التأسيس، مما يؤكد أن قطاع التكنولوجيا القانونية ما يزال يخطو خطواته الأولى. وعلى العموم، يشهد القطاع تسجيل نموٍ متزايد في المنطقة، إلا أنه ما يزال “ضعيفاً للغاية من ناحية الخدمات” على حد تعبير نسرين حرم، المؤسسة المشاركة لشركة “قسطاس” التي تتخذ من المملكة الأردنية الهاشمية مقراً لها.

وأوضحت قائلةً: “تركز التكنولوجيا القانونية بشكل كبير على تعزيز كفاءة العمل للمتخصصين في مجال القانون، لكن هذا الهدف لا يُعد كافياً، إذ يتوجب علينا تسخير قدرات التكنولوجيا لزيادة الوصول إلى القانون، من خلال توسيع وصول الجمهور إلى المعلومات والاستشارات والخدمات الأساسية في المجال القانوني”.

وتمثّل الاستخدام الرئيسي لمعظم التقنيات المتطورة ضمن المجال القانوني في زيادة الكفاءة لدى المحامين، من خلال أتمتة المهام الاعتيادية مثل إنشاء المستندات وحفظ السجلات. ومن المتوقع أن تنجح الأقسام القانونية في أتمتة 50% من أعمالها بحلول عام 2024، وبالتالي زيادة إنفاقها على التكنولوجيا القانونية بواقع ثلاثة أضعاف. وتمثل “ليجال زوم” Legalzoom إحدى الشركات الرائدة في مجال التكنولوجيا القانونية، حيث تأسست في الولايات المتحدة عام 2021 وتهدف إلى مساعدة عملائها على إنشاء مستندات قانونية دون الحاجة لتوكيل محامٍ. واستطاعت الشركة جمع استثمارات تُقدر بأكثر من 800 مليون دولار، ومن ثم طرحت أسهمها للتداول على بورصة ناسداك عام 2021. وظهرت العديد من الشركات الناشئة المشابهة على مدى السنوات، غير أن أعمال معظمها تركزت في الأسواق الناطقة باللغة الإنجليزية.

وأضافت حرم بقولها: “نجح القطاع القانوني باعتماد التقنيات المتطورة خلال السنوات الماضية، غير أنه ما يزال قاصراً عنها في المنطقة العربية. ولم ينجح القطاع في تحقيق تحولٍ رقميٍّ كامل حتى الآن، إذ أسهمت التقنيات المتطورة فعلاً في تعزيز كفاءة المحامين، لكنها لم تؤدي بشكل فعّال إلى تحسين الوصول إلى المحتوى القانوني أو تحقيق العدالة”.

وتسعى “قسطاس” من خلال تقنياتها إلى تطوير القطاع القانوني في المنطقة، حيث نجحت برقمنة القوانين في الأردن وفلسطين ودولة الإمارات والمملكة العربية السعودية ومصر، لتقدم للعملاء خدمة البحث الذكي عن المحتوى القانوني باللغة العربية. وتحتوي منصتها الإلكترونية أكثر من 90 ألف تشريع و4.1 مليون من قرارات المحاكم. وأطلق الفريق المؤسس للشركة تقنية “القانون السيبراني” CyberLaw عام 2010، وهو حل تقني مصمم لتسهيل البحث عن المحتوى القانوني والوصول إليه بالاعتماد على نماذج المعالجة اللغوية الطبيعية (NPL)، ويُعد الحل الأول من نوعه المخصص للمحتوى القانوني باللغة العربية.

وتقول نسرين حرم بهذا الصدد: “نعمل حالياً على اعتماد التقنيات المتطورة والتعاون عن كثب مع فريقنا المتخصص بعلوم البيانات، سعياً لتزويد محرك البحث لدينا بميزة فعالة للبحث الدلالي قريباً. وتتيح هذه الميزة للمحامين طرح الأسئلة ضمن نماذج اللغة الطبيعية، بدلاً من مجرد اختيار الأسئلة الرئيسية لمعرفة إجاباتها. ونسعى لتطوير هذا النموذج بحيث يصبح ركيزةً أساسية للحلول المخصصة لتعزيز تفاعل الجمهور من غير المتخصصين مع القانون والمحتوى القانوني”.

وتتميز شركة “قسطاس” وحل CyberLaw في أهدافها الرئيسية عن باقي الحلول الموجودة حالياً في السوق، حيث تسعى إلى تعزيز الوصول إلى القانون والتفاعل معه، مع تسهيل البحث عن المحتوى القانوني. وترى حرم أنه من الضروري تمكين الوصول إلى هذا المحتوى وتسهيل استخدامه، لا سيما أمام الفئات الأكثر حاجة ضمن المجتمع.

وتقول بهذا الشأن: “تتمثل طموحاتنا في إطلاق روبوتات ذكية متخصصة بالقانون تساعد في معالجة القضايا الشائعة لدى الجمهور في المجالات القانونية الواسعة، بما في ذلك مسائل التوظيف والوضع الاجتماعي وترخيص الأعمال. كما يتوجب تحديث المعالجة اللغوية الطبيعية القانونية لتوفير أدوات ذكية لصياغة المحتوى القانوني، والتي أصبحت ضرورةً ملحة في الوقت الحاضر، إلى جانب التنبيهات المؤتمتة والموجهة نحو مواضيع محددة في مجال الأخبار القانونية، وأدوات التصنيف النصي”.

وتتمثل أبرز مجالات العمل القانوني التي تحظى باهتمام الجمهور من غير المتخصصين في قضايا حقوق العمالة والتوظيف والمرأة. ويمكن لأي شخص الاستعانة بخدمة CyberLaw لجمع المعلومات اللازمة في البداية، ومن ثم الاستعانة بمحامٍ عند الحاجة. وتؤكد حرم ذلك بقولها: “تدعم هذه الخدمة سعي الحكومات لزيادة وعي أفراد المجتمع بحقوقهم القانونية، وبالتالي تخفيف الضغط على الموارد الحكومية الحساسة”.

وبالطبع يسفر تطور التكنولوجيا القانونية عن نشوء مخاوف حيال استبدال المحامين بالتقنيات الحديثة، ولم تظهر بعد أي شركة ناشئة قادرة على خوض مثل هذا التحدي، إلا أن أفضلها ضمن هذا السياق تتمثل في الشركات القائمة على نموذج ذكاء اصطناعي توليدي مثل “تشات جي بي تي” Chat GPT.

وتضيف حرم بقولها: “يقف مجال البحث القانوني على أعتاب مرحلةٍ مفصلية، حيث يتمحور القانون حول المهارات اللغوية المتمثلة بالتحليل والفهم والربط المنطقي، التي تتفوق فيها تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي بامتياز. وأتوقع أن تتميز هذه التقنيات في إنشاء محتوى لغوي مترافق مع قدرة كبيرة على الربط المنطقي. ولا أجزم بأن الذكاء الاصطناعي قادر على أن يكون بدلاً عن المحامين، لكنه سيسهم حتماً في كسر احتكار المحامين للقانون، لا سيما الذين ينحصر عملهم في تقديم المعلومات القانونية نظير المقابل المادي”.

ومن المتوقع أن يتيح الذكاء الاصطناعي للجمهور إدخال المعلومات حول قضية معينة أو طرح تساؤل مرتبط بقانون محدد في دولةٍ ما، للحصول على إجابة وافية تتضمن قضايا مشابهة لمسألتهم، مما يعزز فهمهم لحقوقهم. كما يسهم في تخفيف اعتماد المحامين على المساعدين القانونيين، وتعزيز الجوانب التفاعلية والسلسة للبحث القانوني.

وتضيف حرم بقولها: “أتوقع أن يساعد الذكاء الاصطناعي أيضاً في مجال الصياغة القانونية وتعزيز الوصول إلى القوانين”.

وترددت نسرين حرم في استخدام تقنية “تشات جي بي تي” في البداية نظراً لمخاوف متعلقة بالخصوصية، لكنها اختبرتها بعد ذلك ووجدت فيها نتائجاً مذهلة. ومع ذلك، يستلزم نجاح هذا النموذج تمكين وصوله إلى محتوى القوانين المحلية وبياناتها، ويُعد “إنشاؤه والاستحواذ عليه وتوسيع نطاقه أمراً مكلفاً للغاية”، لكنه يتيح فعلاً لشركة “قسطاس” وخدمة CyberLaw العمل بنجاح مع تقنية “تشات جي بي تي”.

واختتمت نسرين حرم بقولها: “يشكّل تمكين الوصول إلى القانون خطوةً ضرورية للجميع، إذ تقوم سيادة القانون على تعزيز وصول جميع أفراد المجتمع إليه بتكلفة معقولة ومناسبة، وإلا فلن يكون القانون موجوداً بالنسبة لهم”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى