منوعات اقتصادية

السلع الفاخرة .. هدف للشراء فقط أم أداة للاستثمار؟

ينظر البعض إلى السلع الفاخرة على أنها هدف للشراء من جانب المتسوقين الأثرياء فحسب، لكن هذا وجه واحد فقط من أوجه العملة، أما الوجه الآخر فهو أن السلع الفاخرة باتت تشكل سوقا رائجة للاستثمار تتفوق حتى على أسواق العقارات والمعادن النفيسة في بعض الأحيان.
شانيل وبالنسياغا ولوي فيتون، كلها علامات تجارية غنية عن التعريف تطرح العديد من المنتجات الفاخرة التي لا تشكل اختيارا مميزا فحسب لكن استثمارا رائعا في أحيان أخرى، ويشير الخبراء في القطاع إلى أن المنتجات التي تحمل اسم هذه العلامات التجارية تحتفظ بقيمتها بمرور الوقت بفضل الثقة في العلامة التجارية.
على سبيل المثال فإن الحقائب التي يبدعها مصممو المنتجات الفاخرة باتت تشكل فئة مستقلة في دور المزادات الفاخرة مثل سوذبيز وكريستيز وفقا لما أوردته مجلة «ذا بيزنس أوف فاشون» حيث تتلقى الحقائب عادة أسعارا مرتفعة من مقدمي العروض.
يرجع ذلك في جزء منه إلى ظهور مواقع لبيع السلع الفاخرة عبر الإنترنت منها «ذا ريل ريل»، و»هاردلي وورن ات»، و»ري باج» في السنوات القليلة الماضية. ويشير نجاح تلك المواقع إلى وجود طلب على المتاجر التي تبيع سلعا باهظة الثمن، حيث باتت محط تركيز لمصممي السلع الفاخرة بدلا من البيع التقليدي في المتاجر.
في الواقع، كشف تقرير أن الاستثمار في حقيبة يد فاخرة أفضل من الاستثمار في الذهب. ووفقا لتحليل أجراه موقع «باج هانتر»، فقد زادت قيمة حقيبة اليد من طراز «هيرميس بيركن» بنسبة 500 بالمئة على مدار 35 عاما الماضية ومثّلت «استثمارا أكثر أمانا من الناحية التاريخية من سوق الأوراق المالية».
الجائحة تقدم دفعة:- قبل الجائحة، عزفت شركات السلع الفاخرة عن بيع منتجاتها عبر الإنترنت، لكنها اضطرت لذلك في خضم الجائحة بعد أن أغلقت منافذ البيع المباشر وكانت التجربة ناجحة بشدة، فقد نمت مبيعات شركة «هوجو بوس» عبر الإنترنت بنسبة 49% في 2020 بعد أن اضطرت الشركة لغلق ألف منفذ بيع مباشر في أنحاء العالم. وبفضل الجائحة، تلقت هذه السوق دفعة كبيرة، فالشركات رفعت أسعارها وقلصت عمليات التوزيع بسبب تأثر سلاسل الإمداد ونظرا لأن الناس كانوا أقل إقبالا على إنفاق الأموال على الأنشطة الترفيهية الخارجية مثل المطاعم والإجازات، فإنهم ركزوا بدلا من ذلك على السلع مما أدى إلى زيادة الطلب لا سيما في عمليات إعادة البيع. أدت الجائحة أيضا إلى تغييرات قد تكون عميقة في السوق، فتقول «بيكتيت لإدارة الأصول» إن من المحتمل أن تكون الرقمنة التي فرضت نفسها على العلامات التجارية نتيجة للوباء محرك نمو هيكلياً يسمح لها بالوصول إلى مستهلكين جدد. يمكن العثور على هؤلاء المستهلكين في المدن الأصغر الواقعة بعيدا عن المتاجر الكبيرة وكذلك في الأسواق الناشئة مثل الصين في الطبقة المتوسطة المزدهرة. وبالفعل باتت السوق الصينية تمثل ما يزيد قليلا على خُمس السوق العالمية وفقا لشركة «بين أند كومباني». من جانبها أشارت «بلومبرج» إلى أن الجيل زد (من ولدوا في منتصف التسعينيات وحتى منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين) وجدوا طريقهم عبر التسوق لبيع المنتجات الفاخرة. وأشار تقرير صادر عن موقع «ذا ريل ريل» بشأن سوق إعادة البيع لعام 2022 إلى أن «السوق الثانوية للسلع الفاخرة شهدت نموا هائلا في العام الماضي خاصة بين الجيل زد وجيل الألفية (الذين ولدوا في الفترة بين عام 1981 إلى عام 1996).
يميل أيضا سكان الأسواق الناشئة التي وصلت إليها منتجات السلع الفاخرة عبر المتاجر الإلكترونية لأن يكونوا أصغر سنا، ومن المتوقع أن يشكل جيل الألفية وجيل زد على مستوى العالم 70 بالمئة من سوق السلع الفاخرة بحلول 2025.
وقالت بلومبرج إن الشبان البالغين من العمر 25 عاما أو أقل باتوا يتعاملون مع اقتناء السلع الفاخرة على أنه بمثابة «رياضة»، حيث يمكنهم الحصول على أفضل السلع التي يكتشفونها وإعادة بيعها لاحقا بسعر أعلى مما اشتروا به، وبالتالي يحققون ربحا، وهو اتجاه من المنتظر أن يواصل النمو. وقالت مجلة «موني ويك» إن ثمة أسباباً مقنعة لاستمرار اتجاه الربح من السلع الفاخرة، أولها أن دور التصميم اكتسبت سمعتها على مدى فترة طويلة من الزمن، مما يمنح الشركات قدرة واسعة في مواجهة الشركات التي تقدم سلعا عادية، نظرا لأنها تمثل رموزا لا مثيل لها يتوق إليها الناس خاصة مع المشاهير الذين يروجون لها، فشركات مثل «شانيل» و»ديور» باتت أزياؤها مثلا منتجا يظل محتفظا ببريقه لأن لها أساليبها وإبداعاتها الفريدة من نوعها. أما السبب الثاني فهو أن السلع الفاخرة بدأت تجذب انتباه المستهلكين الأصغر سنا مما يعني امتداد دورة أعمارها. يرى الخبراء أيضا أن العلامات التجارية الفاخرة كاستثمار محصنة ضد التضخم، فالشركات المنتجة تضع هوامش أرباح مرتفعة، ويمكنها رفع أسعارها، لأن هذا ببساطة ما يتوقعه العملاء الأثرياء، لذلك عند الاستثمار في تلك المنتجات وإعادة بيعها، يتوقع البائع نفس العائد المرتفع. فحقيبة شانيل الكلاسيكية القابلة للطي يبلغ سعرها حاليا 6630 جنيها إسترلينيا، أي أنها زادت 40 بالمئة مقارنة بما كانت عليه في أوائل 2020 كما تشير صحيفة «فايننشال تايمز».
نظرة على أرقام الصناعة :- في 2020 حققت أكبر 100 شركة للسلع الفاخرة من حيث المبيعات إيرادات بقيمة 252 مليار دولار في 2020 وفقا لشركة «ديلويت» للمراجعة والمحاسبة، بانخفاض عن 281 مليار دولار في العام السابق. ومع ذلك، حافظت أكثر من نصف هذه الشركات على أرباحها، حيث أعلنت 13 شركة هوامش ربح صافية من رقمين. تهيمن على هذه القائمة كبرى الشركات بقيادة «إل في إم اتش» وكيرنج (المالكة للعلامة التجارية جوتشي)، و»إستي لادور». ولكن في 2021، زادت الإيرادات إلى 305 مليارات دولار وفقا لتقرير الشركة الصادر في نوفمبر الماضي. في 2021، تراجعت الصناعة قليلا لتشهد انتعاشا على شكل حرف «V» وفقا لشركة الاستشارات «بين أند كومباني». نما حجم السوق 29 بالمئة إلى 324 مليار دولار. وبحلول نهاية العام كانت أكبر بنسبة واحد بالمئة عما كانت عليه في 2019. قبل الوباء، ارتفعت أسهم القطاع 40 بالمئة على أساس سنوي، متفوقة على سوق الأسهم الأوسع نطاقا للعام السادس على التوالي. وفي ظل متوسط نمو سنوي بنحو سبعة بالمئة، تتوقع «بين أند كومباني» أن تبلغ قيمة سوق السلع الفاخرة حوالي 420 مليار دولار بحلول عام 2025. وبدافع من هذه الأرقام، شهد 2021 استئناف عمليات الدمج والاستحواذ التي كانت انطلقت قبل الوباء. على سبيل المثال، استحوذت «إل في إم إتش» على «تيفاني» لصناعة المجوهرات في يناير 2021. وبعد ثلاثة أشهر، اشترت «مونكلير» شركة «سبورتس وير كومباني» المالكة للعلامة التجارية «ستون آيلاند». وباعت «رالف لورين» العلامة التجارية «كلوب موناكو».
«ساعة رولكس» مثال حي:- في مارس، بلغ ثمن ساعة «رولكس دايتونا» المستعملة ذروته عند 48 ألفا و500 دولار، صحيح أنه تراجع بعد ذلك إلى نحو 30 ألف دولار في السوق الثانوية وفقا لبيانات «واتش تشارتس»، إلا أن قيمة «رولكس» كاستثمار تفوقت على الأصول الأخرى مثل الذهب وسوق الأسهم على مدار العقد الماضي وفقا لتحيل أجرته شركة «بوب واتشز».
في موقع «Chrono24» وهو سوق شهيرة للساعات الفاخرة فإن 25 بالمئة تقريبا من عمليات البحث في الموقع مرتبطة بـ»رولكس». وتأتي حوالي 14 بالمئة من مبيعات المنصة من ساعات رولكس و80 بالمئة من الساعات المستعملة.

 

يقول «بول ألتيري» الرئيس التنفيذي لسوق إعادة بيع الساعات عبر الإنترنت «بوب واتشز» إن رولكس كانت استثمارا جيدا على مر السنين لكن ليس «مثل السنوات الخمس الماضية».

 

على مدار العقد الماضي، كان «بوب» يشتري ويبيع آلاف الساعات باستخدام استراتيجية تسعير متسقة منحت الشركة رؤية فريدة للقيمة السوقية الحقيقة لكل طراز من ساعات رولكس.

 

 

 

يتمثل أحد أسباب الارتفاع السريع في أسعار رولكس خلال السنوات الأخيرة في العرض، حيث يُقال إن رولكس تصنع حوالي 800 ألف ساعة كل عام، لكن شعبية العلامة التجارية تعني أن الطلب يفوق بشكل كبير المعروض من الساعات الجديدة مما يقود إلى سوق ثانوية قوية للساعات المستعملة.

 

في الواقع، تُظهر أرقام مبيعات رولكس في المتوسط ارتفاعا طفيفا في بداية 2017، تلاه ارتفاع أكثر حدة في عام 2020. وفي فبراير 2022، بلغ متوسط سعر ساعة رولكس أكثر من 13 ألف دولار، ما يقرب من ثلاثة أضعاف المتوسط المسجل عام 2011 البالغ خمسة آلاف دولار.

 

وقال «ألتيري» إنه قبل أن تغادر المتجر، فإن الساعة تكون قد بلغت ضعف أو ثلاثة أضعاف ما دفعته، هذا إذا كان بإمكانك العثور على تاجر معتمد ليبيع لك.

 

كان العرض المحدود في الأغلب أحد الأسباب التي دفعت رولكس إلى إطلاق برنامجها لاعتماد الساعات المملوكة مسبقا في نهاية العام الماضي.

 

وقالت رولكس إن البرنامج يتيح شراء الساعات المستعملة التي صادقت عليها الشركة وتضمنها بنفسها، وإن الهدف منه خلق قيمة مضافة إلى المعروض الحالي من ساعات رولكس المستعملة. لأنه عندما يتغير مالكو الساعات، يجب أن تكون أصالة الساعة أمرا يمكن الحصول على شهادة بصحته وقت إعادة البيع من الوكلاء الرسميين.

 

وبحسب تقرير صادر عن شركة «ماكينزي» يبلغ حجم سوق الساعات الفاخرة المستعملة حاليا نحو 20 مليار دولار، ومن المتوقع أن تصل إلى 29 مليار دولار بحلول عام 2025.

 

ويتوقع الخبراء أن يستمر ارتفاع الطلب والأسعار على الساعات الفاخرة وعلى رأسها رولكس.

 

يقول «تيم ستراك» مؤسس موقع «Chrono24»: «إن الكثير من المستخدمين يشترون الساعة ليس فقط من أجل الاستمتاع بالحرفية المثالية، وروعة الساعة، ومكانة العلامة التجارية، ولكن أيضا لاستقرار القيمة.. علينا أن نسميها ليس فقط قطعة مجوهرات، وفئة فاخرة، ولكن أيضا فئة أصل حقيقية».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى