أخبار عاجلةاقتصاد دوليمقالات اقتصادية

الاحتياطي الفيدرالي يعوّل الآن على مفاجأة لإنقاذ الاقتصاد

كتب أسامة صالح 

باعتباره رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك ونائب رئيس مجلس إدارة لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية التي تضع السياسات، من المحتمل أن يكون جون وليامز ثاني أكثر قادة البنوك المركزية في الولايات المتحدة نفوذاً بعد رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول.

لا شك أن وليامز على دراية قوية بأساسيات الاقتصاد. ومع ذلك، فهو يتوقع أن يحقق الاقتصاد ما يرقى إلى كونه معجزة.
كان ذلك واضحاً في خطاب ألقاه وليامز في حدث عبر الإنترنت استضافه نادي الاقتصاد بنيويورك في وقت سابق هذا الأسبوع.

وتنبأ وليامز بحاجة الاحتياطي الفيدرالي للاستمرار في رفع أسعار الفائدة إلى ما بعد بداية العام المقبل واحتمال الحفاظ عليها عند هذا المستوى الأعلى إلى ما بعد بداية 2024 لكبح أعلى تضخم في 4 عقود. أمور عادية إلى حد كبير.

لكن ما قاله بعد ذلك هو غير العادي. أضاف وليامز أن من المرجح وصول معدل البطالة في الولايات المتحدة إلى مدى أكثر استدامة يتراوح بين 4.5% إلى 5% العام المقبل من المستوى الحالي المضغوط للغاية عند 3.7%، مما ينتج عنه اقتصاد يسجل نمواً “متواضعاً”.

المشكلة في تلك الجملة الأخيرة هي أنها تفترض أن الاقتصاد سيُخِل بـ”قاعدة سام” (Sahm Rule). القاعدة تقنية بعض الشيء.

لكنها بالأساس تقول إنه إذا ارتفع معدل البطالة من متوسطه لـ3 أشهر بأكثر من نصف نقطة مئوية خلال عام، فذلك يعني أن الاقتصاد يدخل في مرحلة ركود اقتصادي، إن لم يكن في تلك المرحلة بالفعل.

ومع ذلك، توحي تعليقات وليامز بإمكانية تجنب الركود حتى مع توقعه بزيادة كبيرة في معدل البطالة.

ربما يكون وليامز اختار كلماته بعناية فائقة، فهو يتوقع أخف السيناريوهات وقعاً، بحيث يرتفع فيه معدل البطالة ببطء ويصل إلى الحد الأدنى لنطاق 4.5% إلى 5% بنهاية العام. وفق اعتقاد وليامز، سيسمح ذلك للاقتصاد بتحقيق الهبوط الآمن، إذ يبطئ بما يكفي للسيطرة على التضخم مرة أخرى ولكن ليس كثيراً بحيث يتسبب في ركود.

لكن هذا المنطق ضعيف ولا يتفق مع قوى الاقتصاد الشامل التي تعطي “قاعدة سام” مصداقيتها. تعتمد القاعدة على ملاحظة أن الركود ليس ببساطة فترة عدم نمو، لكنه تراجع للعمليات الطبيعية والصحية التي يرتكز عليها اقتصاد السوق.

إذا عدنا إلى الوراء حتى عام 1948 وبداية البيانات الموثوقة، نجد أن مرات قليلة فقط كان فيها معدل البطالة مستقراً بشكل أساسي لفترة أطول.

خلال الفترة التي بلغت عاماً ونصف العام من ربيع 1955 إلى صيف 1956، والعامين من ديسمبر 1966 إلى ديسمبر 1968، كان متوسط معدل البطالة خلال أي فترة مدتها 3 أشهر 4.1% و3.8% على التوالي.

وعلى مدى أي فترة زمنية أخرى يعتد بها، نجد أن هذا المعدل إما كان يتراجع أو يرتفع بشكل كبير وصولاً إلى الركود. لا توجد علامة واضحة بأي ارتفاع بطيء في تاريخ تجميع البيانات بالكامل.

لكن لماذا يُعتبَر نادراً للغاية بقاء معدل البطالة مستقراً لفترة طويلة؟ في البداية، يحجم المستهلكون وأنشطة الأعمال بشكل عام عن إجراء تغييرات في إنفاقهم وممارسات التعيين الخاصة بهم رداً على ما قد يكون خسارة مؤقتة في الدخل أو الطلب.

لذلك يستمر إنفاق المستهلكين، ما يتيح للشركات الإبقاء على موظفيها. وهذا يوفر للمستهلكين دخلاً أكثر ثباتاً، وتعيد الدورة (الاقتصادية) تكرار نفسها. رغم ذلك، لن يصمد ذلك الإحجام من الجانبين كثيراً. فبمجرد الوصول إلى نقطة الانهيار، تبدأ سلسلة تتابعية ذاتية التعزيز في الاتجاه المعاكس.

يُخفِّض المستهلكون إنفاقهم بشكل كبير، ما يدفع الشركات إلى تسريح الموظفين بأعداد كبيرة، وبالتالي يقل دخل المستهلكين.

لننظر الآن إلى الاقتصاد الحالي. إنفاق المستهلكين صامد جيداً، لكن يعود ذلك غالباً لتراكم غير مسبوق للمدخرات الزائدة التي بلغت 4 تريليونات دولار، خلال الجائحة، وهي أموال ساعدت الأسر على تحمل صدمة التضخم الأسرع وتكلفة الاقتراض الأعلى.

على نحو مشابه، فإن سوق العمل مرنة على غير العادة. لكن ذلك يأتي عقب فترة واجهت فيها الشركات صعوبات في جذب الموظفين.

ولذلك من المنطقي أن يكون أصحابها غير راغبين بخفض العمالة في حال تفادي الاقتصاد للركود وانتعاشه مجدداً. المغزى هو أن الشركات والمستهلكين قد يكونون قادرين على التغلب على مجموعة حالية من الصدمات الاقتصادية الكبيرة، مثلما تغلبوا على صدمات أقل قوة خلال الأوقات العادية.

لكن الاحتياطي الفيدرالي يرفع أسعار الفائدة لأنه يريد من المستهلكين القيام بخفض كبير لميزانياتهم. وبما أن وليامز يرجّح أن يرتفع معدل البطالة إلى ما بين 4.5% و5%، فإن ذلك يوحي بأن رد الشركات على ضربة هيكلية كهذه لعامل الطلب سيتمثل في خفضهم عدد القوى العاملة لديهم. وبعبارة أخرى، ستكون الخطوة الأولى في السلسلة التتابعية ذاتية التعزيز التي تؤدي إلى ركود هي أحد العواقب الضرورية لتحقيق الاحتياطي الفيدرالي أهدافه.

لذلك، فإن الأمر ليس فقط أن الركود لا يمكن تجنبه، بل المرونة في إنفاق المستهلكين وسوق العمل هي في الواقع انعكاس لتغيرات ضخمة وواسعة النطاق. لا يعني ذلك أن الاقتصاد مصيره الفشل، لأن الاحتياطي الفيدرالي ووليامز ربما يكونان مخطئين بشأن مصدر التضخم، لكنه يعني ضرورة صرف النظر عن الأمر من قبل من يأمل في أن يكون الاحتياطي الفيدرالي قادراً على امتصاص الضغط من سوق العمل دون التسبب في توقف مسيرة نمو الاقتصاد الأوسع نطاقاً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى