اقتصاد دولي

لماذا عادت أزمة انقطاع الكهرباء إلى مصر؟

بعد اختفاء لأكثر من 8 سنوات عادت ظاهرة انقطاع الكهرباء في مصر من جديد، إذ شهدت البلاد انقطاع التيار الكهربائي في المحافظات، بل وزادت فترة الانقطاع عن ست ساعات متواصلة في بعض المناطق والقرى تزامناً مع موجة الحر، إذ اقتربت درجات الحرارة من حاجز الـ50 مئوية، بسبب تعرض البلاد لمنخفض الهند الموسمي.

معدلات وزمن انقطاع الكهرباء في مصر تفاوتت بين المدن والقرى، إذ تتراوح بين 50 و60 دقيقة في المدن، بينما تزداد من ساعة ونصف حتى 3 ساعات في القرى، بل وصلت إلى 6 ساعات في بعض المحافظات.

تأتي الأزمة الحادة للانقطاع المتكرر للكهرباء في مصر بعد أن نجحت القاهرة في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز المستخدم في الأساس لتغذية محطات الطاقة التقليدية، مع تصدير الكميات الفائضة عن الاستهلاك، إضافة إلى الغاز المستورد من إسرائيل إلى أوروبا للاستفادة من سعر الغاز المرتفع في تدبير عملة صعبة في ظل أزمة شح الدولار الطاحنة التي ضربت البلاد منذ اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا في مارس (آذار) 2022.

جاءت أزمة انقطاع الكهرباء بعد أقل من 3 أشهر من عودة السلطات المصرية إلى تطبيق نظام التوقيت الصيفي في أبريل (نيسان) 2023 بعد إلغاء العمل به منذ عام 2014 وهي تلك السنة التي بدأ فيها إعادة هيكلة شاملة لقطاع الكهرباء.

المواطنون يتساءلون؟

مع تفاقم الأزمة ضجت مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة بعشرات الأسئلة بحثاً عن الأسباب الحقيقة لعودة الظاهرة التي لم تشهدها البلاد منذ عام 2014.

كان التساؤل الأبرز لدى رواد السوشيال ميديا يدور حول كيف تنقطع الكهرباء في مصر بتلك الصورة بعد أن دشنت محطات عملاقة عدة لتوليد الكهرباء كانت أشهرها وأكبرها مع شركة “سيمينز” الألمانية، وكذلك بعد أن حققت البلاد الاكتفاء الذاتي من الغاز، بل أنها صدرت الفائض إلى أوروبا؟

كان عام 2014 هو عام ثورة الكهرباء في مصر، إذ شيدت الحكومة محطات كهرباء كبرى ونجحت في زيادة قدرة الطاقة المولدة بالشبكة القومية الموحدة عام 2020-2021 إلى 59530 ميغاواط، كما بلغت كمية الطاقة الكهربائية المولدة نحو 204.8 مليار كيلو واط/ ساعة منها 179.7 مليار كيلو واط/ ساعة من المصادر الحرارية بنسبة 87.7 في المئة، و14.8 مليار كيلو واط/ ساعة من المصادر المائية، علاوة على 5.2 مليار كيلو واط /ساعة من مزارع الرياح، ومن الطاقة الشمسية 4.9 مليار كيلو واط/ ساعة، وبهذا تبلغ نسبة الطاقة الكهربائية المولدة من المصادر المتجددة، سواء المائية أو من الرياح أو من الطاقة الشمسية، نحو 12.2 في المئة.

تخفيف أحمال

انقطاع الكهرباء كان هو الحدث الأبرز في الشارع المصري خلال الأيام الأخيرة، خصوصاً بعد أن زادت حدتها مع ارتفاع درجات الحرارة، الأمر الذي دفع رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي للتعليق على الأزمة في بيان رسمي.

أكد مدبولي على بدء تخفيف أحمال الكهرباء نتيجة للموجة الحارة الشديدة التي تشهدها البلاد حالياً، قائلاً إن “استهلاك الكهرباء في مصر زاد بصورة كبيرة، ما انعكس أيضاً على زيادة حجم استهلاك الغاز المستخدم في إنتاج الكهرباء، وإحداث ضغط شديد على الشبكات الخاصة به، ما أدى إلى انخفاض ضغوط الغاز في الشبكات الموصلة لمحطات الكهرباء”.

وأوضح أنه “مع انخفاض الضغوط، بدأ تخفيف الأحمال منذ يومين، حتى يمكن الوصول إلى الضغوط العادية لشبكة الغاز”، لافتاً إلى الاستمرار في تخفيف الأحمال بالتناوب، حتى منتصف الأسبوع المقبل، لتستعيد الشبكة ضغوطها من الغاز”.

وأشار إلى أن الارتفاع الشديد في درجات الحرارة أحدث تأثيرات كبيرة في عدد من الدول، قائلاً “نحن حالياً في مدة تخفيف أحمال موقتة حتى استعادة الشبكة للضغوط العادية”.

ولفت رئيس الوزراء المصري إلى أن شركات وزارة الكهرباء تنفذ خطة لتخفيف الأحمال على مدار اليوم بكل محافظة، تتضمن فصل التيار الكهربائي لمدة تتراوح بين ساعة حتى ساعتين، على أن يجري التكرار مرة أخرى إذا دعت الحاجة إلى تخفيف الأحمال، باستثناء المناطق الاستراتيجية كالمستشفيات وأقسام الشرطة والفنادق والمؤسسات الحيوية مثل محطات مياه الشرب والصرف الصحي وغيرها.

دور المواطن

على خط الأزمة، دخل وزير الكهرباء المصري محمد شاكر، قائلاً إن “تخفيف الأحمال وصل إلى 3200 ميغا وات خلال الأيام القليلة الماضية”، لافتاً إلى أن “خفض هذه الكمية من تخفيف الأحمال يمكن زيادته إذا ساعد المواطن الدولة من خلال ترشيد الاستهلاك وخصوصاً في وقت الذروة”.

 وأكد شاكر في تصريحات صحافية أن “الحل الوحيد حالياً للخروج من أزمة الانقطاعات الناتجة من تخفيف الأحمال هو ترشيد استهلاك الكهرباء لخفض الضغط على شبكة الغاز لحين عودتها بشكل قوى”، مشيراً إلى أنه “من المتوقع الاستمرار في اللجوء لتخفيف الأحمال حتى منتصف الأسبوع المقبل”.

 وحول قوة الشبكة القومية للكهرباء، قال الوزير المصري إنه “بشكل عام الشبكة أصبحت بالقوة التي تمكنها من مواجهة أية تحديات لتأمين التغذية الكهربائية للمواطنين بجميع أنحاء الجمهورية”، مؤكداً أن “أزمة انقطاع التيار الحالية هي أزمة موقتة بسبب نقص الوقود ولا يمكن مقارنتها بأزمة الانقطاعات التي كانت تعانيها مصر قبل عام 2014”.

تراجع إنتاج الغاز

في غضون ذلك، قال مصدر مسؤول بوزارة الكهرباء المصرية إن “أزمة انخفاض معدلات ضخ الغاز لمحطات الكهرباء بدأت منذ 60 يوماً تقريباً”، مضيفاً لـ”اندبندنت عربية” أن “السبب الرئيس لانقطاع التيار الكهربائي يتعلق بتراجع إنتاج الغاز من الحقول مع منح الغاز المستخرج حالياً أولوية التصدير إلى الخارج لجلب عملة صعبة في ظل الأزمة الطاحنة التي تعيشها مصر مع قلة الموارد الدولارية”.

وتوقع المصدر استمرار الأزمة لمدة لا تقل عن الستة أشهر وحتى نهاية العام الحالي 2023، خصوصاً مع دخول عدد كبير من المحطات الكهربائية للصيانة في ظل الطلب المرتفع على الكهرباء خلال أشهر فصل الصيف.

منذ عام 2014 تمكنت القاهرة من تدشين أكثر من 48 مشروعاً لإنتاج الكهرباء من المصادر التقليدية بكلفة استثمارية تخطت حاجز الـ275 مليار دولار وأبرزها 3 محطات عملاقة مع شركات “سيمينز” الألمانية في العاصمة الإدارية الجديدة شرق القاهرة ومحافظة بني سويف بشمال الصعيد ومحطة البرلس بمحافظة كفر الشيخ بطاقة إجمالية تصل إلى 14.4 ألف ميغاواط.

وبعد تدشين تلك المحطات نجحت الحكومة المصرية من تحويل عجز القدرات الكهربائية من 6 آلاف ميغاواط في عام 2014 إلى فائض بلغ 13 ألف ميغاواط في 2020، بعد إضافة نحو 28 ألف ميغاواط من القدرات الكهربائية بنسبة 100 في المئة مقارنة بعام 2014 ما دفع مصر 44 مركزاً في مؤشر جودة إمدادات الكهرباء بتقرير التنافسية العالمية في عام 2019.

تصدير الغاز

ولأن الغاز شريك أساسي في أزمة انقطاع الكهرباء أوضحت مصادر مسؤولة بالحكومة المصرية لـ”اندبندنت عربية” أن “انقطاع الكهرباء في مصر يأتي تزامناً مع بدء تطبيق المرحلة الثانية من خطة الحكومة لترشيد الاستهلاك التي انطلقت بداية يوليو (تموز) الجاري، توفيراً للغاز الذي تستعمله معظم محطات الكهرباء”، بينما كشف مصدر بوزارة البترول المصرية أن “نقص الغاز يعد السبب الرئيس بأزمة انقطاع الكهرباء في مصر حالياً”، مشيراً إلى “انخفاض إنتاج حقل ظهر، الذي يعد أكبر حقول الغاز في مصر”.

وأوضح أن “حقل ظهر الذي يمثل نحو 40 في المئة من إنتاج الغاز في مصر، انخفض إنتاجه حالياً إلى نحو 2.2 مليار قدم مكعبة يومياً، بعد أن بلغ نحو 2.8 مليار قدم مكعبة عام 2021، بجانب عدم وجود اكتشافات لحقول جديدة أو تطوير للحقول القائمة”.

وانخفض إنتاج القاهرة من الغاز إلى أدنى مستوى في ثلاث سنوات، بعد أن سجل في مايو (أيار) الماضي 5.841 مليار قدم مكعبة وفقاً لبيانات مجلة “ميس” الأميركية، وإشارات إلى أن هذا الانخفاض للشهر الثامن على التوالي، إذ تراجع بنحو 100 مليون قدم مكعبة إلى أدنى مستوى له منذ 3 سنوات عند 5.841 مليار قدم مكعبة، بما يعني انخفاض نحو 1.25 مليار قدم مكعبة من الذروة التي سجلها عند 7.193 مليار قدم مكعبة في سبتمبر (أيلول) 2021.

وسجل إنتاج مصر من الغاز متوسط 6.073 مليار قدم مكعبة يومياً خلال الأشهر الـ5 الأولى من عام 2023، إذ تقل الأحجام بنسبة 8 في المئة أو 530 مليون قدم مكعبة يومياً عن مستويات العام الماضي.

في أغسطس (آب) الماضي طبقت القاهرة خطة لترشيد استهلاك الغاز في محطات الكهرباء في مصر، من أجل زيادة التصدير لتوفير العملة الصعبة، خصوصاً مع تراجع إنتاج بعض الحقول.

وتستهدف خطة ترشيد استهلاك الكهرباء خفض 18 في المئة من إجمالي الطاقة المستهلكة على مستوى محافظات الجمهورية بحلول 2035، ويمثل استهلاك قطاع الكهرباء نحو 60 في المئة من إجمالي استهلاك الغاز في مصر.

تصدير غاز بـ10 مليارات دولار

وعلق وزير البترول المصري طارق الملا في تصريحات صحافية في سبتمبر (أيلول) 2022 مع بدء خطة ترشيد الطاقة، قائلاً إن “مصر تستهدف تصدير نحو 10 مليارات دولار من الغاز في السنة المالية 2022-2023″، مضيفاً أن “بلاده صدرت بقيمة تصل إلى 6.5 مليار دولار من الغاز خلال السنة المالية الماضية 2021-2022″، موضحاً أن الحكومة تعمل على ترشيد استهلاك الكهرباء لزيادة كميات الغاز الموجه للتصدير”، وأشار إلى أنه تم تصدير غاز بقيمة جاوزت 6.5 مليار دولار خلال العام المالي 2021-2022”.

وفي يونيو 2022 قال الوزير المصري، إن “كميات الغاز المستوردة حالياً من إسرائيل تتراوح بين 600 – 700 مليون قدم مكعبة يومياً”، مضيفاً أن “تلك الكميات المستوردة تنخفض في فصل الصيف نتيجة ارتفاع الحرارة وزيادة الاستهلاك في إسرائيل، بالتالي تنخفض الكميات إلى النصف”، مشيراً إلى أن “مصر حققت الاكتفاء الذاتي من الغاز منذ عام 2018، وتلك الكميات المستوردة من إسرائيل يتم تصديرها بالكامل”.

التوقيت الصيفي

عادت القاهرة في ليلة الخميس الأخير من أبريل (نيسان) 2023 إلى تطبيق نظام التوقيت الصيفي لتعظيم الاستفادة أيضاً من ترشيد استهلاك الكهرباء وتصدير الغاز الطبيعي.

 وفي تصريحات إعلامية آنذاك قال المتحدث باسم وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة، إن “تطبيق التوقيت الصيفي يعظم الاستفادة من ترشيد استهلاك الكهرباء والاستفادة من تصدير الغاز الطبيعي”.

وأضاف أن “جزءاً كبيراً من الغاز الطبيعي يتم استخدامه في إنتاج الطاقة الكهربائية”، موضحاً أن “هذه الخطوة لا تعني وجود عجز في هذا القطاع”، وأشار إلى أن “الدولة لديها احتياطي آمن جداً من الكهرباء”.

وأكد المتحدث أن “لا لنية لتخفيف الأحمال في الفترة المقبلة، مجدداً التأكيد أن استخدام التوقيت الصيفي يعظم الاستفادة من صادرات الغاز الطبيعي الذي كان يستخدم في عملية التوليد”.

ولفت إلى أن وزارته تشتري كل مليون وحدة حرارية من الغاز الطبيعي بثلاثة دولارات، في حين أنه يمكن أن يدر مبالغ أكبر من ذلك بكثير إذا تم تصديره، إذ من الممكن الوصول إلى 30 دولاراً، مشيراً إلى أن “تطبيق التوقيت الصيفي يعود بالنفع على المواطن في ما يخص خفض قيمة فاتورة الكهرباء”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى