اقتصاد دولي

دعوات إلى مراجعة منظومة استكشاف المحروقات التونسية مع تفاقم عجز الطاقة

يتفاقم عجز الطاقة في تونس عاماً بعد آخر، حتى سجل نحو 60 في المئة من إجمالي العجز التجاري، إذ استوردت تونس 12 في المئة من استهلاكها من الكهرباء خلال 2022 تزامناً مع تدني إنتاج النفط الخام بنحو 12 في المئة، إضافة إلى تراجع مماثل بنحو سبعة في المئة من إنتاج البلاد من الغاز الطبيعي في العام الماضي مقارنة بإنتاج 2021.

وزيادة معدل الاستهلاك أحد الأسباب الرئيسة لزيادة العجز بعدما ارتفع إجمالي الطلب على الطاقة الأولية بمقدار اثنين في المئة نتيجة زيادة استهلاك الكهرباء بمقدار خمسة في المئة، إلى جانب صعود بنحو 0.8 في المئة للطلب على المواد البترولية، ولكن في المقابل تراجع الطلب على الغاز الطبيعي بنحو أربعة في المئة.

و سجل عجز الطاقة في تونس أكثر من مليوني طن مكافئ نفط حتى يونيو (حزيران) 2023، بينما انخفضت قيمة الصادرات النفطية بنسبة 28 في المئة مع تراجع في الواردات بنسبة ثمانية في المئة، سجل العجز 4.2 مليار دينار (1.36 مليار دولار) في يونيو 2023 بنسبة ارتفاع خمسة في المئة مقارنة بالشهر نفسه من عام 2022 ولم تتجاوز نسبة تغطية الواردات للصادرات حدود الـ30 في المئة مقابل 38 في المئة بحساب الناتج المحلي الإجمالي، وهو أثقل موازنة الدولة بكلفة إضافية في ظل استمرار دعم المحروقات أو الكهرباء مع تراجع قيمة العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية.

يشار إلى أن الطاقات المتجددة تشكل نحو أربعة في المئة من إجمالي إنتاج الكهرباء، وكان هذا المحرك الذي دفع المحللين إلى وصف العجز في قطاع الطاقة بـ”المعضلة الهيكلية”، مع مطالبة الحكومة التونسية بإصلاح هذا القطاع المهم.

وعلى رغم أن تونس بدأت عمليات البحث والاستكشاف والتنقيب في قطاع الطاقة والمحروقات منذ أكثر من 100 عام تقريباً، إلا أن ذروة النشاط النفطي كانت في ستينيات القرن الماضي مع دخول شركات عالمية عدة للبحث في الأراضي التونسية.

ولم تتخطَ نسب النجاح في أعمال الاستكشاف حدود الـ16 في المئة مقارنة بدول الجوار مثل الجزائر أو ليبيا التي تراوحت نسب النجاح لديهما بين 43 و53 في المئة.

واعتبر الباحث في مجال الطاقة وإنتاج البترول حامد الماطري أنه “لا مناص من وضع خطة شاملة ترتكز على إصلاح منظومة استكشاف المحروقات وإنتاجها”، مضيفاً أن “الاضطرابات السياسية والاجتماعية والتعطيل الإداري خلال الأعوام الأخيرة تسببا في عرقلة المشاريع وزيادة كلفتها، إلى جانب الإساءة إلى سمعة البلاد لدى المستثمرين”، واستدرك “لكن في المقابل تبدو جذور الأزمة أقدم ولا تتوقف المشكلة الحقيقية عند حد تراجع الإنتاج فحسب، بل تقصير الدولة عن وضع سياسات اقتصادية ومالية وطاقية استشرافية لاستباق هذا التراجع الذي امتد إلى فترة تتخطى الـ15 عاماً”.

وأضاف أن “الحلول تتوقف على مدى تحفيز البحث عن المحروقات وإنتاجها”، مطالباً بوضع استراتيجية طاقية جديدة تستند إلى مراجعة منظومة الدعم بالكامل علاوة على التوسع في نماذج الطاقة النووية والطاقات المتجددة”.

 استثمارات ضعيفة

يشار إلى أن عدد الرخص الاستكشافية السارية تصل إلى 17 رخصة حتى يونيو الماضي، مقابل 56 امتياز استغلال منها 44 طور الإنتاج، ولذلك دعا الماطري إلى إعادة إحياء مجهود البحث والاستكشاف عبر استئناف أنشطة الاستكشاف والحفر والتسريع في هذا المسار عن طريق إيجاد توجه انفتاحي نحو المستثمرين، مؤكداً أن “لا بد من تسهيل الوصول إلى معطيات الرخص المفتوحة وتقليل القيود المالية والضمانات البنكية، إضافة إلى العمل على تقليل مخاوف المستثمرين حيال الدولة بتوفير غطاء يحمي المستثمرين ويضمن لهم استثماراتهم وأنشطتهم”.

وتابع أن “الطريقة المثلى لتشجيع المستثمرين وتقليل شكوكهم هي عدم تأخر الدولة عن الوفاء بتعهداتها المالية، خصوصاً تسديد فواتير شراء الغاز من قبل الشركة التونسية للكهرباء والغاز(حكومية)”.

وطالب الماطري أيضاً بتقليل كلفة البحث والاستكشاف من خلال توفير الدعم اللازم سواء بالخبرات والإمكانات المحلية حتى تصل الكلفة إلى المستويات التي تشجع المستثمرين على الإقبال على السوق التونسية، كما دعا إلى تقصير مدة السرية على المعطيات الجيولوجية والجيوفيزيائية المقترنة بأعمال البحث والاستكشاف إلى عامين.

قوانين غير مغرية

وحول التشريعات القانونية قال الماطري إنه “لتطوير التنافسية والتسويق لا بد من تنقيح النصوص القانونية لتحسين العلاقة مع المستثمرين”، موضحاً “يجب مراجعة قانون المحروقات بشكل جذري ليدخل في استراتيجية الانتقال الطاقي إلى الطاقة النظيفة، حتى يستوعب التعديلات الخاصة بجاذبية الاستثمار والتنافسية في إسناد الرخص، مع توحيد الضرائب والنظم التعاقدية للاستكشاف وإدراج عقود للخدمات يمكن للدولة أن تعهد بها إلى شركة تكون مسؤولة عن إدارة الحقل وتطويره مقابل قيمة متفق عليها للبرميل المنتج، ويمكن مراجعتها بحسب تطور الأسعار العالمية للنفط والغاز”.

وأشار إلى أنه “من المهم أن يفتح هذا القانون الباب أمام إطلاق عمليات البحث في حقول النفط والغاز الصخريين، ويمرر التحسين عبر إعادة هيكلة وإصلاح الشركات العمومية الناشطة في القطاع، والتسويق للاستثمار في البحث والاستكشاف في الأوساط الدولية، مع اعتماد الشفافية في طرح المعطيات وعرضها”.

وتابع الماطري أنه “يجب تحسين الإنتاج وإعادة النظر في طرق استغلال بعض الحقول القديمة واعتماد تكنولوجيات حديثة تسمح بارتفاع نسب استرجاع المخزون، فعلى سبيل المثال فإن تطوير حقل ’زارات‘ أكبر حقل غير مطور في تونس بمحتوى يقدر بـ 130 مليون برميل مكافئ نفط، سيوفر زيادة في الإنتاج”.

في المقابل رأى وزير الطاقة السابق منجي مرزوق أن “تونس تستند حالياً إلى تنويع مصادر الطاقة وتطوير الطاقات المتجددة وتعزيز البنية التحتية للشبكة الكهربائية وإلى الطاقات النظيفة التي لا تستهلك الماء على غرار طاقة الرياح والشمس”، مضيفاً “يجب الاستعداد أيضاً لإنتاج الهيدروجين الأخضر كطاقة المستقبل على رغم التحديات التي تواجهها تونس في هذا المجال وهي شح المياه”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى