مقالات اقتصادية

سقف الدين” بأمريكا… كيف تنعكس الأزمة على العالم والخليج

كتب اسامة صالح 

لا يخرج العالم من أزمة حتى يدخل في أخرى، ويعرض ذلك الاقتصاد الدولي لمخاطر متداخلة تهدد تداعياتها الأسواق الناشئة والدول الكبرى أيضاً على حد سواء، ما ينذر بشبح أزمة مالية عالمية جديدة.

وجاءت أزمة رفع سقف الديون الأمريكية البالغ 31.4 تريليون دولار لتزيد من المخاوف الاقتصادية العالمية.

وقبل أيام، تجاوز الدين الأمريكي المحلي المستحق على الحكومة السقف المحدد له من جانب الكونغرس.

وعلى أثر ذلك أطلقت وزارة الخزانة الأمريكية “إجراءات استثنائية”، منذ بداية الشهر الجاري، لمواصلة الوفاء بالتزاماتها وتجنب التخلف عن السداد، من خلال محاولة لخفض الإنفاق قدر المستطاع، إلى حين التوصل إلى اتفاق سياسي.

وبلغ إجمالي الدين المحلي المستحق على الولايات المتحدة 31.4 تريليون دولار، وهو رقم يعادل 125% من الناتج المحلي الإجمالي لأمريكا.

ما هذه الأزمة؟
وفقاً لنصوص الدستور الأمريكي، يتعين على وزارة الخزانة الحصول على إذن من الكونغرس قبل كل عملية اقتراض أو إصدار ديون.

ولتسهيل الإجراءات وضع حد أو سقف للدين الفيدرالي عام 1939، بحيث لا تحتاج الخزانة إلى طلب الإذن من الكونغرس لإصدار الديون في كل عملية.

وعليه فإن سقف الدين هو الحد الأقصى للمبلغ الذي يمكن للحكومة الأمريكية اقتراضه للوفاء بالتزاماتها المالية.

وعند وصول الديون لهذا الحد لا يمكن لوزارة الخزانة الأمريكية إصدار ديون إضافية للوفاء بالتزاماتها المالية دون موافقة الكونغرس على رفع سقف الدين أو تعليقه.

وعلى الرغم من أن رفع سقف الدين أو تعليقه يعتبر إجراء روتينياً، فإنه في بعض الأوقات يتحول لأزمة اقتصادية ذات طابع سياسي، في ضوء اختلاف وجهات النظر بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي بشأن التعامل مع ملفي النفقات العامة والديون، كما حدث في عام 2011.

ووفقاً للإحصاءات، رفع الكونغرس سقف الدين 78 مرة منذ عام 1960، منها 49 في ظل رؤساء جمهوريين، و29 تحت رئاسة ديمقراطية.

وفي السنوات الأخيرة، شهدت الولايات المتحدة بصفة متكررة أزمات بشأن سقف الدين، خاصة مع الخلافات بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي.

ما التداعيات؟
عبر صندوق النقد الدولي، في 11 مايو الجاري، عن قلقه من “التداعيات الخطيرة” على الاقتصاد العالمي لتقصير الولايات المتحدة في السداد، بسبب أزمة سقف الديون.

وقالت المتحدثة باسم الصندوق جولي كوزاك، في إفادة صحفية: “يتعين على السلطات الأمريكية توخي الحذر بشأن نقاط الضعف الجديدة في القطاع المصرفي الأمريكي في ظل أزمة سقف الدين”، دون أن توضح هذه المخاطر.

وفي اجتماع لمسؤولي الشؤون المالية لمجموعة الدول السبع في اليابان، قال رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس، إن احتمال تخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها، لأول مرة في تاريخها، سيزيد من المشكلات التي تواجه الاقتصاد العالمي المتباطئ.
وقال مالباس لوكالة “رويترز” على هامش الاجتماع، في 11 مايو الجاري: إن “هذا واضح، الأزمة التي يتعرض لها أكبر اقتصاد في العالم ستؤثر بالسلب على الجميع”.

كما قال وزير المالية البريطاني جيريمي هانت، في 13 مايو الجاري، في تصريحات صحفية نقلتها وكالة “فرانس برس” الفرنسية، إن الولايات المتحدة إذا فشلت في التوصل إلى اتفاق لرفع سقف ديونها، وإذا خرج ناتجها المحلي الإجمالي عن المسار الصحيح فستكون لذلك عواقب “وخيمة للغاية”.

وفي تقرير نشره موقع “يو إس نيوز” (Usnews)، في 12 مايو الجاري، حدد فيه الخبيران الاقتصاديان الأمريكيان تيم سمارت وكايا هبارد، أبعاد ومخاطر تخلف الولايات المتحدة عن سداد الديون.

وأوضحا أن الأزمة ستعمل على إعاقة قدرة الحكومة على تمويل عملياتها، ومن ذلك توفير أموال للدفاع الوطني أو استحقاقات التمويل مثل الرعاية الطبية أو الضمان الاجتماعي.

كما ستؤدي إلى خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة، وزيادة تكاليف الاقتراض للشركات وأصحاب المنازل على حد سواء، وانخفاض ثقة المستهلك ودفع الاقتصاد إلى الركود، والابتعاد عن الاستثمارات المعززة للنمو الاقتصادي.

وتشمل التداعيات أيضاً زعزعة الاستقرار، وخسارة 3 ملايين وظيفة في الولايات المتحدة، والتأثير على مكانة الدولار، وتعزيز احتمالات الركود، وتقويض قوة الدولار ومكانته في النظام المالي العالمي.

إضافة إلى أن الانخفاض المتوقع في قيمة الدولار يجعل الديون المقومة بعملات أخرى أكثر تكلفة، ودفع المستثمرين إلى بيع سندات الخزانة الأمريكية، ومن ثم إضعاف العملة الأمريكية بشكل كبير.

وستفقد سندات الخزانة الأمريكية ميزتها بصفتها أحد الأصول الخالية من المخاطر، مع وجود احتمال انكماش الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بنسبة 4%.

وعلى الصعيد العالمي، فقد أشارت مجموعة “جولدمان ساكس” المالية الأمريكية إلى أن الفشل في رفع سقف الدين الأمريكي سيؤدي إلى تداعيات سلبية على الاقتصاد العالمي.
ومن أبرز التداعيات التي حذرت منها المجموعة هز الثقة في السياسات الاقتصادية الأمريكية، ومن ثم تقويض قوة الدولار ومكانته في النظام المالي العالمي؛ مما يدعم خطط تدويل اليوان التي تقودها الصين.

كما أن الأزمة ستؤدي إلى زعزعة استقرار الأسواق المالية العالمية بسبب فقدان سندات الخزانة الأمريكية لميزتها كأحد الأصول الآمنة.

التداعيات على الخليج؟
وحول تداعيات الأزمة على الاقتصاد الخليجي رأى بعض الخبراء الاقتصاديين، أن أزمة سقف الديون الأمريكية تنعكس بشكل سلبي على الاقتصاد العالمي بشكل كامل، وبالتأكيد ستكون لها ارتدادات على الاقتصاد الخليجي باعتباره مرتبطاً بشكل مهم باقتصاد الولايات المتحدة.

وأن هذه الأزمة ستدفع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى زيادة أسعار الفائدة للحفاظ على قيمة الدولار ومنعه من الانهيار، ومن ثم زيادة الفائدة على الديون الخليجية والعربية؛ ما يعني ارتفاع خدمة الدين.

وأن تراجع قيمة الدولار يعني تراجع قيمة الاستثمارات الخليجية المقومة بالدولار، وهذا سيتسبب بخسائر فادحة لها.

وتعتبر الدول الخليجية من بين أكثر دول العالم استثماراً بسندات الخزانة الأمريكية، وأزمة سقف الدين ستدفع المستثمرين إلى بيع هذه السندات وتراجع قيمتها بشكل كبير، وهذا سيقود لمشكلة وخسائر أكبر.

وأن الأزمة ستؤدي إلى تراجع معدلات النمو الاقتصادي في معظم بلدان العالم، ومن بينها الدول العربية والخليجية، وهذا من شأنه أن يتسبب في ارتفاع حدة ما تواجهه تلك الدول من أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسة.

كما ستؤدي الأزمة إلى ارتفاع مستويات التضخم عالمياً، وتراجع قيمة العملات المرتبطة بالدولار، وفي القلب منها العملات الخليجية.

لكن كل هذه التداعيات ستظل في إطار محدود بالنسبة لدول الخليج؛ وذلك لكونها تملك احتياطات مالية ضخمة، كما أنها تملك دخلاً عاماً مهماً يتمثل في إيرادات النفط الخام والغاز والمنتجات البتروكيماوية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى