اقتصاد خليجي

هل ما زالت السعودية الإوزة التي تبيض ذهباً للعمالة الوافدة؟

لطالما عدت السعودية لسنوات طويلة الوجهة الأولى للأجانب الساعين إلى جمع مدخرات العمر، في عام 2020 احتلت المرتبة الثالثة عالمياً كأكبر الدول المصدرة لتحويلات العمالة الوافدة الذين يشكلون 36 في المئة من إجمالي سكانها بحسب الإحصاءات الرسمية.
لكن المغتربين على أرض الواقع بدأوا يشعرون خلاف الأمر، فالرياض اليوم ليست كسابق عهدها، بخاصة مع التغيرات التي حدثت في البلاد خلال السنوات الخمس الماضية، بعد رفع رسوم تكاليف الإقامة على الوافدين وفرض رسوم على مرافقيهم، وكذلك غلاء المعيشة الذي زاد من حدته والتهم جزءاً من رواتبهم مما أفسد عليهم ثمار الغربة، فقد وجد كثير من الوافدين أنفسهم ملزمين بأمرين لا ثالث لهما إما تحمل الأعباء الإضافية مع وجع في القلوب وخواء الجيوب أو العودة إلى البلد الأم.
تحدث الستيني بشير صادق سوادني مقيم في الرياض لأكثر من 35 سنة من أجل تحسين وضعه المالي، فهو شاهد على تحول الحياة المعيشية في السعودية عموماً وحياة الوافدين خصوصاً، وقال «مهما ارتفعت الأسعار إلا أن هذا البلد مبارك»، وقال «إن غالبية الوافدين يقتصرون في حياتهم على الضروريات في المعيشة»، وأشار إلى أن معدل الصرف الشهري للعمالة لا يتجاوز 500 ريال شهرياً (133 دولاراً)، والباقي يقوم بتحويله إلى أهله 1400 ريال (373 دولاراً). أما عاطف حامد مقيم مصري في السعودية منذ ست سنوات وجد نفسه مضطراً إلى تسفير زوجته وابنته ليلتحق بهما خلال سنتين بعد انتهاء عقده، واختار أن يكون في سكن مشترك مع أحد زملائه ليوفر بعض المال قبل مغادرته السعودية.
تراجع في التحويلات:- وظهر ذلك في البيانات الرسمية بعد تراجع تحويلات الأجانب خلال شهر مارس (آذار) الماضي 34.7 في المئة على أساس سنوي، إذ بلغت نحو 9.59 مليار ريال (2.6 مليار دولار) مقارنة بنحو 14.69 مليار ريال (3 مليارات دولار) للفترة المماثلة من العام السابق 2022. واستناداً إلى بيانات البنك المركزي السعودي «ساما» يعد هذا الشهر هو الأدنى منذ 45 شهراً.
وقد بلغت تحويلات الأجانب خلال الربع الأول من عام 2023 نحو 29.87 مليار ريال (8 مليارات دولار) بانخفاض سنوي بلغ 22.2 في المئة، حيث سجلت التحويلات للفترة المماثلة نحو 38.41 مليار ريال (10 مليارات دولار).
وخلال العام الماضي 2022 بلغت تحويلات الأجانب 143.2 مليار ريال (38.19 مليار دولار) مقارنة بنحو 153.9 مليار ريال (40 مليار دولار) خلال عام 2021، بانخفاض 6.9 في المئة. تسرب الأموال خارج البلاد:- واختلف المحللون الاقتصاديون في تحديد الأسباب الواضحة خلف التراجع المستمر للتحويلات طوال 11 شهراً ماضية، إذ عد المستشار الاقتصادي سليمان العساف تشديد الرقابة على التستر التجاري وإعادة تنظيم أعمال الأجانب في البلاد من حيث منح التراخيص وفتح قنوات استثمارية لهم هي أهم الأسباب التي دعت إلى تراجع تحويلات الوافدين، كما أن مغادرة كثير من المخالفين للأنظمة والحوكمة لها دور كبير في انخفاض الرقم، وأشار العساف إلى أنه خلال العقد الماضي سرب أكثر من تريليون ريال خارج البلاد وكان الأجدى أن يتم استثمارها في البلاد. وأظهرت الإحصاءات الرسمية زيادة في عدد الوافدين للسعودية بأكثر من 17.4 في المئة في الفترة نفسها، مما يعني أن الغلاء المستفحل في المنطقة لن يثني الوافدين من القدوم للعمل في الدولة الخليجية فالغلاء آخذ في الانتشار في كل بقاع المعمورة. وبحسب قول بعض المحللين الاقتصاديين فإن بعض العمالة تعمد إلى اتباع مسالك غير نظامية في الحوالات الخارجية لأسباب عدة، في وقت تتم فيه محاصرة تلك الحوالات وتنظيمها وفق نظام مؤسسة النقد العربي السعودي ليبتعد الوافد عن الكشف عن أمواله في المصارف، ومحال الصرافة تطلب تعبئة استمارة يدون فيها الاسم ورقم الإقامة أو الجواز إضافة إلى بيانات توضح الدخل الشهري للمحول، وهذا ما يخشاه عضو الجمعية الاقتصادية السعودية عبدالحميد العمري بأن الأجانب «وجدوا قنوات بديلة للخروج من الاقتصاد المحلي كاحتمال أن تكون العملات الرقمية إحدى هذه القنوات لخروج السيولة تمهيداً لتحويلها لاحقاً إلى بلد العامل المستفيد، وتعد العملات الرقمية سوقاً رائجة عالمياً اجتذبت تريليونات الدولارات من جميع أنحاء العالم»، وذكر العمري بأن هذا يحتاج إلى تقص وبحث دقيق من البنك المركزي السعودي للتأكد عموماً من أسباب تراجع تلك الحوالات».
كما أن العمري لا يرجح السبب القائل إن ارتفاع الأسعار أدى إلى تراجع أرقام الحوالات، «فالتخضم في البلاد دون ثلاثة في المئة، وهو أيضاً أدنى بكثير من التضخم في بلدان تلك العمالة».
ويأمل عضو جمعية الاقتصاد السعودية أن يحدث الانخفاض تغيرات إيجابية في الاقتصاد، «لأن ظاهر الأمر يعني انخفاضاً بحجم التسرب الاقتصادي وأن بقاء الحولات في الاقتصاد المحلي تحقق كثيراً سواء على مستوى ضخها في قنوات الاستثمار المحلية، أو على مستوى ضخها في جانب الطلب الاستهلاكي المحلي، وكلا الأمرين له إيجابيات على النمو الاقتصادي والتجاري والاستثماري».
رفاهية الوافدين :- في السياق ذاته ومع تغير مفهوم صناعة السياحة والترفيه في السعودية تبدلت أحوال معظم الوافدين من حيث قضاء عطلة الأسبوع، إذ أعادوا صياغة ثقافة الترويح عن أنفسهم لينفقوا أموالهم في دور السينما والحفلات والمسارح المحلية والمتنزهات، مما انعكس بدوره على فلسفة الاستمتاع بالحياة. فبعدما كانت أسواق البطحاء «سوقاً شعبي يتجمع فيها أكبر الجاليات في السعودية» الخيار الأول لهم في قضاء إجازتهم الأسبوعية تعددت وتبدلت خياراتهم، يقول فريد محمد يعمل سائق في السعودية منذ أكثر من 12 سنة إن هذا كان نظام عدد من من أصدقائه من الجالية الهندية في السعودية، مشيراً إلى أن الوضع لم يعد كما كان وأصبحت هناك خيارات كثيرة، ومنهم من يذهب إلى صالات السينما لمشاهدة الأفلام الهندية.
سهولة وتطور التقنية في السعودية زادا من النزعة الاستهلاكية لدى الشاب محمود يوسف (32 سنة)، أحد الشباب المصري الذي قدم من بلاده من أجل تحسين أوضاع حياته المعيشية والاجتماعية، وعند وصوله إلى الرياض أخذ في إعادة النظر في أحلامه فيقول «بعد توقيعك لعقد العمل الجديد تتغير نظرتك للحياة بعد الدخل الشهري الجيد الذي يزيد من معدل الرفاهية في حياتك»، وفي تفاصيل الحديث ذكر بأن «صعوبة الحياة هنا تكمن في كثرة الخيارات المتاحة، إذ تفتح أمامك كثيراً من الأبواب ليصبح باستطاعتك بلحظات أن تقتني أي شيء تريده».
وأشار عبدالله الصقعبي عضو جمعية الاقتصاد السعودية إلى أن مجال الترفيه والسياحة له دور كبير في تحفيز النشاط الاقتصادي المحلي وجذب الاستثمارات والسياح من الخارج، بالتالي تحفيز التدفقات النقدية المحلية والأجنبية وعلى المدى البعيد، لكن لا يمكن الجزم بأن مجال الترفيه والسياحة هو السبب الوحيد في خفض حوالات الأجانب إلى الخارج في السعودية، فهناك عوامل عدة قد تؤثر في ذلك، مثل تغير أسعار النفط والأحوال الاقتصادية العالمية وسياسات الحكومة والتطورات الاجتماعية والثقافية. وأشار إلى أن الاستقرار الاقتصادي والسياسي في بلد المصدر والبلد المستلم للتحويلات ومستوى الدخل والوضع الاقتصادي والمالي للعمالة الأجنبية في السعودية، وسعر صرف العملة الوطنية في البلد المستلم والضرائب والرسوم المفروضة، والسياسات الحكومية المتعلقة بتنظيم العمالة الوافدة ومدى تسهيل إجراءات التحويلات الخارجية للعمالة الأجنبية، كلها عوامل تؤثر في حجم واتجاه التحويلات الخارجية للعمال الأجانب في السعودية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى