اقتصاد دولي

الاسترليني يفقد زخم الصعود وسط توقعات بتراجعات جديدة

تعرض الجنيه الاسترليني لضغوط عمليات البيع في اليومين الأخيرين جعلت سعر صرفه مقابل الدولار الأميركي واليورو يتذبذب بوضوح، حتى كاد يفقد مكانته كأفضل العملات الكبرى أداءً هذا العام حتى الآن.

وعلى رغم أن أرقام الاقتصاد الكلي البريطانية أظهرت هذا الأسبوع أن الحكومة اقترضت أقل الشهر الماضي، ما يعني عدم زيادة الدين العام بقوة إلا أن توقعات السوق باحتمال بدء وزارة الخزانة في خفض نسبة الضرائب ليست على الأرجح واقعية تماماً.

وعلى رغم تراجع سعر صرف الاسترليني أخيراً عن حاجز 1.3 دولار للجنيه الذي وصل إليه في ذروة قوة العملة البريطانية، إلا أنه بالكاد حافظ أمس الثلاثاء على مستوى 1.27 دولار للجنيه و1.16 يورو للجنيه، ومع أن التذبذب في سوق العملات يرتبط أحياناً بعمليات المضاربة بيعاً وشراءً في جلسات السوق، إلا أن أكثر من تحليل هذا الأسبوع توقعت زيادة الضغوط على العملة البريطانية في ظل هشاشة الوضع الاقتصادي للبلاد بشكل عام وأيضاً مع الضبابية المحيطة بالتغيير الوزاري الذي سيجريه رئيس الحكومة ريشي سوناك قريباً.

خلص محللو بنك “إتش أس بي سي”، بحسب ما نشرت صحيفة “الديلي تلغراف”، إلى أن الجنيه الاسترليني وصل بالفعل إلى ذروة قيمته وآخذ في “التراجع خلال الأشهر المقبلة مع زيادة مشكلات القطاع العقاري المتراجع وضعف الإنفاق الاستهلاكي بشكل عام”.

الفائدة والتضخم

حتى اليوم، ارتفع سعر صرف الاسترليني منذ بداية عام 2023، بنسبة 5.3 في المئة مقابل الدولار الأميركي بوصوله إلى 1.27 دولار للجنيه، وارتفع مقابل اليورو بنسبة 3.5 في المئة باقترابه من 1.17 يورو للجنيه، وإن كان ذلك أقل من أعلى مستوى وصل إليه في يوليو (تموز) الماضي حين بلغت قيمة الجنيه الاسترليني 1.31 دولار للجنيه، إلا أن رئيس إدارة بحوث سعر صرف العملات الأوروبية في بنك “إتش أس بي سي” دومينيك بانينغ، يرى أن ضعف أرقام مبيعات التجزئة في بريطانيا في يوليو الماضي، التي أعلنت نهاية الأسبوع الماضي تدق أجراس الإنذار حول إمكان استمرار قوة العملة البريطانية.

ويضيف بانينغ، “يبدو أن إنفاق المستهلكين، الذي رأينا كيف دعم صعود الجنيه الاسترليني في وقت سابق هذا العام، آخذ في التراجع بشكل أسرع مما كان متوقعاً… كنا متفائلين في شأن سعر صرف الاسترليني منذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي وتوقعنا أن يصل إلى 1.3 دولار للجنيه، وهو الحد الذي تجاوزه الجنيه لفترة قصيرة الشهر الماضي، إلا أن الأخطار تزيد الآن، بما يعني أنه ربما كانت تلك ذروة سعر صرف الاسترليني وليست المستوى الذي يمكن أن يستمر لما بعد الصيف”.

واعتبر بانينغ أن الخطر الأكبر الذي يهدد سعر صرف العملة يأتي من ارتفاع أسعار الفائدة على قروض الرهن العقاري التي بدأت بالفعل تضر بقدرة إنفاق الأسر البريطانية، فيضيف “تعاني الأسر البريطانية من ارتفاع أسعار الفائدة مع نهاية مدة القروض العقارية المخفضة مثبتة نسبة الفائدة لمدة محددة. وتراجع النشاط بالفعل في السوق العقارية بدرجة كبيرة حتى لو لم يؤدي ذلك لانخفاض الأسعار”.

يتراجع معدل التضخم العام، إذ أظهرت أحدث أرقام المكتب الوطني للإحصاء انخفاض نمو مؤشر أسعار المستهلكين في يوليو الماضي إلى نسبة 6.8 في المئة مقابل 7.9 في المئة في يونيو (حزيران) السابق له، لكن التضخم الأساسي يظل مرتفعاً عند نسبة 6.9 في المئة لشهر يوليو مقابل 7.1 في المئة الشهر السابق.

ويعني استمرار معدلات التضخم مرتفعة زيادة احتمالات إقدام بنك انجلترا (المركزي البريطاني) على رفع سعر الفائدة مرة أخرى في سبتمبر (أيلول) المقبل.

وتقدر الأسواق الآن أن تكون ذروة سعر الفائدة عند نسبة 5.75 في المئة، من 5.25 في المئة حالياً، ويرجح أيضاً أن تستمر أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول قبل أن يبدأ البنك في خفضها.

ومن شان ذلك أن يضعف إنفاق المستهلكين أكثر، بما يهدد فرص النمو، على رغم ارتفاع معدلات الأجور في بريطانيا، وسط شك كبير في نجاح رئيس الوزراء ريشي سوناك في تحقيق تعهده بخفض معدل التضخم بقوة بنهاية هذا العام.

نهاية التحسن

من عوامل الضغط أيضاً على سعر صرف الجنيه الاسترليني التكهنات في شأن التغيير الوزاري المتوقع في الحكومة البريطانية، وحملت عناوين الصحف الأربعاء أخبار تأجيل التعديل الذي كان متوقعاً قريباً إلى وقت لاحق ربما حول نهاية العام.

مع أن هناك بيانات وأرقاماً مشجعة صدرت في الأيام الأخيرة، إلا أن الأسواق تتوقع أن تأتي قراءة مؤشر مديري المشتريات للقطاع الصناعي مخيبة للآمال مما يشير إلى نهاية التحسن الطفيف في الوضع الاقتصادي البريطاني.

في مذكرة للعملاء، كتب المحللون في بنك “نومورا” الاستثماري، “نتوقع أن تقل المفاجآت التي تحملها بيانات الاقتصاد البريطاني، بخاصة ونحن نتجه لفترة التباطؤ التقليدية في نهاية الدورات الاقتصادية”. وسبق أن توقع البنك أن ينهي الجنيه الاسترليني مسار صعوده في سبتمبر المقبل ربما عند مستوى 1.26 دولار للجنيه و1.12 يورو للجنيه.

ويتفق المحللون في بنك “جيه بي مورغان” الاستثماري على أن وضع الاقتصاد البريطاني وصل إلى نهاية التحسن، وحذروا من أن سعر صرف الجنيه الاسترليني مرشح للهبوط أكثر مع بدء ظهور تأثير ارتفاع أسعار الفائدة في استهلاك الأسر البريطانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى