مقالات اقتصادية

البنوك وتأمين التمويل الرخيص .. مبيعات قياسية للديون فائقة الأمان

كتب أسامة صالح

باعت البنوك كمية قياسية من الديون فائقة الأمان بضمان رهن عقاري في النصف الأول من العام الحالي، وسارعت في تأمين مصدر تمويل زهيد خلال فترة الاضطراب في القطاع حيث يواجه المقرضون تزايد الضغط السياسي لتقديم أسعار فائدة أكبر للمودعين.
بيع أكثر من 175 مليار يورو مما تسمى بالسندات المغطاة للمستثمرين منذ بداية العام حتى حزيران (يونيو) الماضي، متجاوزة أعلى مستوى سابق لها في 2011، وفقا لبيانات من إس آند بي جلوبال ريتنجز.
تعد السندات المغطاة – ظاهرة أوروبية إلى حد كبير وتزداد شعبيتها بين المقرضين في أستراليا وكندا – شكلا من أشكال الدين الذي عادة ما يصنف على أنه عالي الأمان والذي لا يدعمه البنك الذي أصدره فقط بل مجموعة أساسية من الأصول، وفي الأغلب تكون رهونا عقارية في الميزانية العمومية للبنك. ذلك المستوى الإضافي من الحماية يجعلها شكلا غير مكلف بشكل خاص من أشكال الاقتراض وأصولا آمنة للغاية للمستثمرين إذا كانت ذات عوائد منخفضة.
المؤيدون يحبون التباهي بأنه لا يوجد أي سند مغطى – يقع في الطرف المقابل من نطاق المخاطر لسندات المستوى 1 الإضافية AT1 الأكثر سرعة – قد تخلف عن السداد منذ أن ابتكر لأول مرة في محكمة فريدريك العظيم في بروسيا قبل أكثر من 250 عاما.
جاء إصدار البنوك للسندات المغطاة القياسي هذا العام خلال الفترة الأكثر اضطرابا في القطاع المصرفي منذ الأزمة المالية الكبرى. أدت التدفقات الخارجية السريعة للودائع إلى انهيار ثلاثة بنوك أمريكية متوسطة الحجم في آذار (مارس)، قبل أسابيع من انهيار بنك كريدي سويس، الذي قضى المنظمون السويسريون على سنداته من نوع AT1 بشكل مثير للجدل أثناء الإنقاذ الطارئ للمقرض.
قال جوست بومونت، محلل في إيه بي إن امرو، “السندات المغطاة منتج ممل للغاية، لكن نظرا إلى أنها آمنة جدا، ينظر إليها على أنها منارة للاستقرار، وأداة تمويل للبنوك مصنوعة للأيام العصيبة. لم نشهد إصدار هذا الحجم في هذه المرحلة في أي وقت مضى”.
إضافة إلى أن سلسلة الإصدارات كانت مدفوعة بانتهاء دعم حقبة الجائحة من البنوك المركزية لأسواق الدين والقطاع المصرفي. وسارعت بعض البنوك إلى الإصدار خلال نهاية برنامج التسهيل الكمي للبنك المركزي الأوروبي، الذي اشترى بموجبه مئات المليارات من اليورو من السندات المغطاة خلال العقد الماضي، كما يقول المحللون.
توقف البنك المركزي عن شراء السندات المغطاة في الأسواق الأولية في مارس الماضي، قبل ثلاثة أشهر من إيقافه عمليات الشراء في الأسواق الثانوية، ما أدى في الواقع إلى إزالة شبكة الأمان للإصدارات الجديدة.
البنوك حريصة على استبدال التمويل الرخيص للغاية من البنك المركزي. تزامن خروج البنك المركزي الأوروبي من أسواق السندات مع سلسلة من عمليات سداد الأموال الموزعة في إطار عملية إعادة التمويل المستهدفة طويلة الأجل “تي إل تي آر أوه”، التي أقرض فيها أكثر من تريليوني يورو للمقرضين بأسعار فائدة سلبية أثناء الجائحة. كانت بنوك منطقة اليورو قد سددت نصف هذا الرقم بحلول منتصف حزيران (يونيو)، ومولت المدفوعات جزئيا عبر السندات المغطاة.
تفكر البنوك البريطانية مسبقا في نهاية خطة تمويل بنك إنجلترا، التي أطلقت في 2020 لتقديم تمويل لمدة أربعة أعوام بسعر الفائدة القياسي لبنك إنجلترا أو قريبا منه. كان الهدف من الخطة هو مساعدة البنوك وجمعيات البناء التي لم تتمكن من خفض أسعار الفائدة على الودائع بشكل أكبر وسط مخاوف من أنها قد تحد من قدرتها على الإقراض.
قال مصرفي كبير إنه يتوقع أن يحل مزيد من إصدارات السندات المغطاة محل التمويل مع بدء الخطة في التدهور، مضيفا، “إننا نشهد بالفعل ازدهارا في إصدار السندات المغطاة”. وأوضح مصرفي آخر أن إصدار مزيد من السندات المغطاة كان بسبب “تطبيع أكبر لأسعار الفائدة” حيث بدأت وفرة ودائع الأفراد التي تدفقت إلى البنوك البريطانية أثناء الجائحة في التدهور وبحثت البنوك عن مصادر أخرى للتمويل بالجملة.
أشار ريتشارد بارنز، محلل ائتمان في إس آند بي، إلى أنه “مع بدء انخفاض ودائع الأفراد وبدء البنوك في النظر في آجال استحقاق [خطة تمويل بنك إنجلترا]، قد يكون هناك مزيد من الانتعاش في نشاط البنوك في أسواق الجملة في مجالات مثل إصدار السندات المغطاة. ستنظر البنوك في تمويلها مبكرا”.
من المرجح أن يؤدي الاستنزاف التدريجي للسيولة من النظام المالي الناجم عن عكس برامج التسهيل الكمي للبنوك المركزية إلى زيادة تكاليف تمويل البنوك في وقت يتهم فيه كثيرون بالربح على حساب المدخرين من خلال التباطؤ في تمرير ارتفاع أسعار الفائدة للمودعين العاديين.
في أوروبا، مررت البنوك 20 في المائة فقط من الزيادة في معدلات السياسة إلى أصحاب الودائع، وهي نسبة أقل مما كانت عليه في دورات التشديد النقدي السابقة، بحسب إس آند بي.
في غضون ذلك، كان صافي هوامش فوائد البنوك البريطانية – الفرق بين الفائدة التي تفرضها البنوك على قروضها والسعر الذي تدفعه على الودائع – أعلى في الأشهر الأخيرة، ما أثار وابلا من الانتقادات من المنظمين.
نظرا إلى أن البنوك البريطانية تتعرض لضغوط لرفع معدلات الادخار، فإن المعركة على ودائع الأفراد ستشتد، وبالتالي قد تبحث البنوك عن مصادر أخرى لأموال الجملة مثل السندات المغطاة.
على الرغم من سمعة السندات فيما يتعلق بالسلامة، فقد ارتفعت حالة الأصول العقارية التي تدعمها إلى أعلى قائمة مخاوف المستثمرين في الأشهر الأخيرة حيث بدأت أسعار الفائدة المرتفعة التأثير في تقييمات العقارات.
وبالعودة إلى بومونت من “إيه بي إن امرو” الذي يرى أن المشكلات في قطاع العقارات موجودة “على رادار المستثمرين” لكن الطبيعة “الديناميكية” لمجموعات أصول السندات المغطاة التي يمكن تجديدها باستمرار، باعتبار أن العقارات ذات الأداء الضعيف تفقد قيمتها، تعني “أنك بحاجة إلى الانتقال إلى سيناريوهات كارثية لحدوث خطأ ما فعلا”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى