مختارات اقتصادية

انهيار فيرست ريبابليك .. هل يكون الحلقة الأخيرة في الأزمة المصرفية الأمريكية؟

قدمت أزمة القطاع المصرفي الأمريكي في مارس والتي شهدت انهيار بنكي «سيليكون فالي» و»سيجنتشر» وكانت الأولى من نوعها منذ أكثر من عقد، بعض الدروس القيمة للمنظمين الأمريكيين.
ومن بين الدروس العديدة، يبرز درس أساسي يجب أن تستخلصه السلطات الأمريكية، وهو «إذا كانت البنوك أقوى بالأساس، لكان من الممكن تجنب الحلقة المؤسفة لانهيار المصارف برمتها الآن». وبالرغم من كل الإصلاحات التنظيمية منذ الأزمة المالية لعام 2008، وجد المسؤولون أنفسهم مرة أخرى يتدافعون لتجنب كارثة على مستوى النظام، ويسارعون لإنقاذ البنوك لتفادي تأثير الدومينو.
الانهيار الأكبر: فيرست ريبابليك: – حتى الأسبوع الماضي، كان إغلاق بنك «سيليكون فالي» يشكل أكبر حالة إخفاق مصرفي في الولايات المتحدة منذ الأزمة المالية العالمية، وثاني أكبر حالة في تاريخ البلاد، حيث امتلك البنك 209 مليارات دولار من الأصول.
– لكن في مستهل الأسبوع الجاري، أصبحت هذه المكانة من نصيب بنك «فيرست ريبابليك» الذي يكافح منذ أسابيع للبقاء على قيد الحياة، بيد أن جهود دعمه عن طريق القطاع الخاص لم تبقه قائمًا لفترة طويلة.
– انتهت قصة «فيرست ريبابليك» الذي تأسس قبل 38 عامًا، بإعلان المنظمين فرض الحراسة القضائية عليه أمس الاثنين، والاتفاق مع بنك «جيه بي مورجان» على شراء معظم أصوله وودائعه مقابل 10.6 مليار دولار.
– بلغت أصول «فيرست ريبابليك» 229.1 مليار دولار، وكان يعد البنك الرابع عشر بين أكبر بنوك الولايات المتحدة، ويمتلك ودائع بقيمة 93.5 مليار دولار، وبذلك أصبح إغلاقه أكبر حالة إخفاق مصرفي في تاريخ أمريكا بعد انهيار «واشنطن ميوتشوال».
– بالنسبة للسلطات الحكومية التي دعمت وعملت على التوصل إلى حل، فإن الصفقة تعني حماية جميع المودعين بمن فيهم أولئك الذين يتجاوزون حد التأمين البالغ 250 ألف دولار، وضمان وصولهم إلى أموالهم بمجرد فتح أبواب البنك تحت عباءة «جيه بي مورجان».
– تضرر البنك بشدة من ارتفاع أسعار الفائدة، وفقد سهمه أكثر من 97% من قيمته هذا العام، في حين سجل أكثر من 100 مليار دولار من تدفقات الودائع الخارجة في الربع الأول.
أسباب أزمة مارس: – في الأسبوع الماضي، قدم الاحتياطي الفيدرالي والمؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع، تفسيراتهما في تقريرين منفصلين عن إخفاق بنكي «سيليكون فالي» و»سيجنيتشر»، والذي شجع السلطات على مراقبة «فيرست ريبابليك» عن كثب. – استعراض الفيدرالي لنهاية «سيليكون فالي بنك» يوضح قصة مألوفة للجميع، وهي أن إدارة البنك ضحت بالسلامة من أجل الربح، واعتمدت بشكل كبير على الودائع الضخمة غير المؤمن عليها من شركات التكنولوجيا.
– استثمرت إدارة البنك كثيرًا في السندات طويلة الأجل التي فقدت قيمتها مع ارتفاع الفائدة، وتجاوز النمو السريع عمليات الإشراف التي يجريها الفيدرالي، حيث لاحظ المشرفون المشكلات لكنهم لم يدركوا أهميتها الكاملة أو لم يضغطوا كفاية لإصلاحها.
– سمحت القواعد المخففة للبنوك متوسطة الحجم، التي تم تبنيها في عام 2019 لبنك «سيليكون فالي» بتجاهل بعض الخسائر ومشاكل السيولة التي ربما كانت تتطلب منه دعم موارده المالية في وقت قريب.
– عندما أدرك المودعون أن خسائر البنك تجاوزت رأس ماله، فروا بسرعة غير مسبوقة، مما أدى إلى موجة أوسع لا يمكن أن يوقفها سوى التدخل الحكومي، واضطرت السلطات لإغلاق البنك، لكن المخاوف انتقلت إلى أماكن أخرى مثل «فيرست ريبابليك».
العلاج بعد التشخيص: – يحتاج المنظمون إلى أن يكونوا أكثر حزمًا ويقظة في مراقبة مخاطر طفرات النمو المفاجئ وزيادة أسعار الفائدة، ونظرًا لأن بنوكًا بحجم «سيليكون فالي» أو «فيرست ريبابليك» يمكن أن تشكل مخاطر نظامية، فيجب إخضاعها لقواعد البنوك الأكبر.
– مع ذلك، هناك ملاحظة واحدة جديرة بالاهتمام، وهي أنه في حين كان السبب المباشر لإخفاق «سيليكون فالي بنك» تدفقات السيولة، كانت المشكلة الأساسية هي القلق بشأن ملاءته.
– احتفظ البنك بقدر ضئيل من رأس المال الممتص للخسائر (11.8 مليار دولار من حقوق الملكية الملموسة)، ولو كان لديه ضعف ذلك المبلغ لوفر حماية أكبر للمودعين غير المؤمن عليهم، وما كانوا ليبدأوا عمليات السحب السريع لأموالهم.
– ينطبق الشيء نفسه على «فيرست ريبابليك»، حيث كان يمتلك في نهاية عام 2022، حقوق ملكية ملموسة بقيمة 13.6 مليار دولار (6.4% من الأصول الملموسة)، وهي أقل بكثير من خسائره البالغة 22.2 مليار دولار على القروض. – حقيقة أن البنكين لم يسجلا فعليًا الخسائر عن طريق بيع الأصول (وبالتالي كانا متوافقين مع التدابير التنظيمية)، لم يفعل لهما الكثير في النهاية للحفاظ على ثقة العملاء أو حماية صندوق التأمين على الودائع من تكبد مليارات الدولارات.
– الصدمة القادمة قد تكون مختلفة وستواجه البنوك مخاطر مجهولة، لكن إذا تأكد المنظمون من أن المصارف تتحلى بقدرة كبيرة على تحمل الخسائر، فإن النظام المالي والاقتصاد الأوسع سيكونان أكثر مرونة.
المصدر: بلومبيرغ- أرقام- فايننشال تايمز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى