أخبار عاجلةمنوعات اقتصادية

لا يزال الملك في سوق العملات .. هل يواجه الدولار حرب عملات عكسية؟

لا يزال الدولار محتفظاً بمكانته كملاذ آمن مفضل للمستثمرين في أوقات الأزمات وسط حالة من الشك وعدم اليقين بشأن الاقتصاد العالمي في وقت يواصل فيه غول التضخم بسط سيطرته على الأسواق ما يطرح تساؤلات أيضا حول قوة الدولار رغم التضخم المرتفع والذي يحد من الطلب عليه.
ويواصل مؤشر الدولار ارتفاعه خلال تعاملات العام الجاري بعد مكاسب سنوية في 2022 تقدر بنحو 8% بعد أن لامس أعلى مستوياته في 20 عاما خلال شهور العام فيما بدا أن هناك طلبا قويا على العملة الخضراء التي لا تزال القلب النابض للاقتصاد العالمي.
ويقيس مؤشر الدولار أداء العملة الخضراء أمام سلة من ست عملات رئيسية من بينها اليورو والين الياباني والجنيه الإسترليني والتي سجلت تراجعات جماعية أمام العملة الأمريكية العام الماضي. ويقول محللون إن تربع الدولار على عرش الأصول الأمنة يرجع إلى ارتفاع الإقبال عليه في ظل ارتفاع الطلب على الأصول المقومة كالطلب على النفط أو الأصول الأخرى التي تستخدم العملة الأمريكية كأداة للتحوط في أوقات الأزمات.
السياسة النقدية الأمريكية:- تسبب ارتفاع معدلات التضخم لمستويات قياسية غير مسبوقة في دورة من التشديد النقدي اتبعها الفيدرالي الأمريكي مع رفع أسعار الفائدة في 7 اجتماعات من أصل 8 خلال العام المنصرم ما تسبب في ارتفاع مطرد للعملة الخضراء أمام سلة العملات الرئيسية، وارتفاع عوائد الديون الأميركية بالتبعية. وفي بيئة مرتفعة لأسعار الفائدة عادة ما يتوجه المستثمرين نحو الدولار مع تقديمه لعوائد جيدة يصعب الحصول عليها حتى في الأصول عالية المخاطر بالإضافة إلي درجة الأمان المرتفعة التي يتمتع بها مقارنة مع بقية الأصول وتقول محللة أسواق العملات لدى «كوينز إمباير»، فيكتوريا أوددي لـ»أرقام» «إن العام الماضي والذي شهد فورة تشديد السياسة النقدية الأمريكية جعل من الدولار ليس فقط خيار استثماري يقدم عوائد جيدة للمستثمر ولكن أيضا ملاذا آمنا في ظل الاضطرابات الجيوسياسية حول العالم.
وتضيف أوددي «لاحظنا التحول في العوائد على السندات الأميركية والتي بدءت في تقديم عوائد إيجابية للمستثمرين مع ارتفاع أسعار الفائدة الأميركية. ومنذ أن رفع الفيدرالي أسعار الفائدة في مارس الماضي بدأت العوائد تتحرك بعيدا عن النطاق السالب ما من شأنه أن يدفع المستثمرين إلى بناء مراكز أكثر في أصل استثماري آمن مثل السندات العشرية الأمريكية. وتقدم تلك السندات حالياً عوائد حقيقية تبلغ نحو 1.5% بعد استثناء معدلات التضخم ما يجعلها أحد أفضل الخيارات الاستثمارية للمستثمرين الباحثين عن تحقيق عوائد آمنة في ظل الحرب الأوكرانية. وتستطرد أوددي « الإقبال القوى على السندات العشرية دليل دامغ على أن الدولار لا يزال الخيار المفضل المستثمرين الباحثين عن العائد وعن الآمان في نفس الوقت». وتقيس السندات العشرية الأمريكية الفرق بين سعر الفائدة الإسمية ومعدلات التضخم ومن شأن تقديم عوائد بالناطق الإيجابي أن يضغط على الأصول المقومة به والعكس بالعكس.
عملة البنوك المفضلة:- وفي تلك الأثناء، ورغم المحاولات التي تبذلها الاقتصادات الكبرى لتقليل الاعتماد على الدولار في معاملاتها، لا يزال الدولار يتربع على عرش أكثر العملات استخداما في المعاملات التجارية.
وتقول جوانا برد، محللة قطاع البنوك لدى «بنك التسويات الدولي» لـ»أرقام» إنه على الرغم من تراجع حصة الدولار في الأصول والمعاملات العالمية إلا إنه لا يزال يستحوذ على حصة الأسد بالنظر على سبيل المثال لا الحصر إلى حجم الأصول المقومة بالدولار التي يمتلكها القطاع المصرفي العالمي.
وتشير بيانات بنك التسويات الدولي إلى أن حجم الأصول المقومة بالدولار لدى البنوك حول العالم يبلغ نحو 16.7 تريليون دولار مقارنة مع 9 تريليونات دولار إبان الأزمة المالية العالمية، فيما يبلغ حجم المطلوبات المقومة بالدولار على المصارف العالمية نحو 15 تريليون دولار بنهاية يونيو 2022 الماضي.
وتتابع «إذا ما نظرنا إلى المعروض من الدولار بالأسواق سنجد أن ما لا يقل عن ثلثي المعروض من الدولار في النظام النقدي العالمي في حيازة المؤسسات المالية خارج الولايات المتحدة». ولا تنفك الدول الكبرى حول العالم تبذل جهودا لخفض تمثيل الدولار في حصيلة تعاملاتها أو أصولها ولكنه لا يزال يعتلي القمة، إذ تشير آخر البيانات الصادرة عن صندوق النقد الدولي إلى أن حصيلة العملة الأمريكية كأصل احتياطي لا زالت هي الأعلى رغم التراجعات التي منيت بها بعد صدور اليورو في العام 1999.
ويقول رئيس أبحاث الاقتصاد الكلي لدى «فيديلتي» جورين تيمر لـ»أرقام» «لا يزال الدولار صاحب حصة الأسد في الاحتياطيات العالمية رغم محاولات بعض الدول خفض هيمنته على مشهد الاقتصاد العالمي والسبب في ذلك يرجع بالأساس إلى الثقة التي توليها تلك الدول في قوة العملة الأميركية كأصل أمن في أوقات الأزمات». ويشير تقرير حديث صادر عن صندوق النقد الدولي إلى أن الدولار يمثل نحو 60% من الاحتياطات لدى البنوك المركزية الكبرى مقارنة مع نحو 71% قبل إطلاق العملة الموحدة للاتحاد الأوروبي في 1999. ويتابع تيمر «حتى مع تلك الانخفاضات فإن تواجد الدولار كأصل يعتمد عليه من قبل البنوك المركزية الكبرى حول العالم لهو دلالة واضحة على الارتباط الوثيق بين الدولار كأصل استثماري وكملاذ آمن في نفس الوقت. لا أحد يستطيع الاستغناء عنه.»
وتتأثر الاقتصادات الناشئة من الدولار القوي مع تراجع قيمة أصولها المقومة بالعملات المحلية في مشهد عادة ما ينتهي بأزمات اقتصادية كبرى في تلك الأسواق، إذ تسبب الدولار القوي على سبيل المثال لا الحصر في تخلف أزمة ديون خانقة أميركا اللاتينية في ثمانينيات القرن الماضي فيما أطلق عليه لاحقا «العقد المفقود» في إشارة إلى تراجع النمو لنحو 10 سنوات بسبب قوة الدولار.
ويقول «جورين تيمر» إن الاقتصادات الناشئة بوجه عام تسعى للتخلص من هيمنة الدولار وفك ارتباط عملاتها مع تصاعد الحمائية القومية في خضم الاضطرابات التي تشهدها الساحة الدولية. ويضيف تيمر «لا حظنا كيف أن دول على غرار الهند والصين باتت تدخل في اتفاقات تجارية بالعملة المحلية رغبة منها في دفع الطلب على عملتها مع تأثرها السلبي من قوة الدولار». وتراجع مؤشر مورغان ستانلي الذي يقيس أداء عملات الأسواق الناشئة بنحو 10% على مدار تعاملات العام الماضي، فيما قدمت ديون الأسواق الناشئة عوائد سلبية للربع الخامس على التوالي في وقت شهدت فيه أسواق الأسهم تراجعات عنيفة، بحسب بيانات مورغان ستانلي. «عملتنا.. ولكن مشكلتهم»
بتلك العبارة تحدث وزير الخزانة الأمريكية جون كونالي في سبعينات القرن الماضي إبان تعويم الدولار للمرة الأولى وتأثر الاقتصادات الكبرى من ارتفاع الدولار، ما أثار في حينها بداية لحرب عملات تدور رحاها في الخفاء حتى اتفاقية «بلازا» في 1985 والتي أرست الأسس لنظام صرف عالمي يشمل الدولار القوي. وعادة ما تتدخل البنوك المركزية حول العالم في السوق من خلال إضعاف عملتها المحلية في خطوة لتعزيز صادرتها ما يجعل هناك حرب عملات خفية وهو الأمر الذي يثير غضب وزارة الخزانة الأميركية التي تجهز قائمة دورية بالدول التي يشتبه تلاعبها في سعر الصرف.

 

ومنذ أن اتخذ الدولار مسارا صاعدا، أعلن عددمن البنوك المركزية في دول على غرار شيلي والسويد عن خطط لزيادة المعروض من الدولار في السوق المفتوحة في خطوة تهدف بالأساس إلى تخفيف الضغط على عملاتها المحلية في خضم موجة تضخم كاسحة.

 

وتتهم الولايات المتحدة صراحة دول على غرار فيتنام وسويسرا بالتدخل في أسعار الصرف، ولكن تلك المرة بصورة عكسية إذ عمدت بعض البلدان على إضفاء بعض القوة على عملتها أمام الدولار في محاولة منها لاحتواء التضخم.

 

وقال مصرف دويتشه بنك الألماني في مذكرة للعملاء الأسبوع الماضي «نحن في لحظات مثيرة حينما يتعلق الأمر بالخيط الرفيع الذي تحاول البنوك المركزية السير عليه ما بين التدخل في سوق الصرف وما بين التلاعب في أسعار الصرف».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى