اقتصاد دولي

لماذا تراجعت أسعار العقارات في بريطانيا لأدنى مستوى منذ 2009؟

بعض التنبؤات المتعلقة بأسعار المنازل التي تم إجراؤها بعد الميزانية المصغرة لرئيسة الوزراء السابقة ليز تراس ووزير خزانتها آنذاك كواسي كوارتنغ لم تكن مروعة تماماً، إذ برزت توقعات “كريدي سويس” بأن أسعار المنازل “يمكن أن تنخفض بسهولة” بنسبة 15 في المئة، على رغم أن “البنك” خفض توقعاته في النهاية بعد ترك تروس وكوارتنغ منصبهما.

ولم يكن البنك الوحيد الذي تنبأ بحدوث انخفاض من رقمين في الأسعار، إذ اعتقد عديد من الاقتصاديين أنه سيكون هناك تصحيح كبير للأسعار.

ليس هناك شك في أن سوق الإسكان في بريطانيا سقطت في حالة ركود، فعدد المنازل التي تم شراؤها وبيعها بين أبريل (نيسان) ويونيو (حزيران) الماضيين توضح ذلك، فخلال هذه الفترة كان هناك 249920 معاملة سكنية، وهو أقل بخمس مما كان عليه في الفترة نفسها من العام الماضي وما يقرب من نصف ما كان عليه في عام 2021، عندما كانت عطلة رسم الدمغة لا تزال مطبقة.

إلا أن السوق انقلبت رأساً على عقب بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، الأمر الذي أدى بدوره إلى ارتفاع كلف الرهن العقاري وفرض قيود على ما هو في متناول المشترين المحتملين.

ومع ذلك، صمدت الأسعار بشكل أفضل مما توقعه معظم الناس، وكان الإجماع بين الاقتصاديين في نهاية عام 2022 هو أنه بحلول نهاية هذا العام، ستنخفض أسعار المنازل بنحو 10 في المئة عن الرقم القياسي المسجل في أغسطس (آب) الماضي، أي قبل شهر من الميزانية المصغرة لتروس وكوراتنغ في سبتمبر (أيلول) 2022.

ولا يبدو الأمر كذلك اليوم، فعلى رغم قطع ثلثي الطريق لعام 2023، تقدر “نيشن وايد” للوساطة العقارية، أن الأسعار قد انخفضت، في المتوسط، بنسبة 4.5 في المئة منذ ذروة أغسطس الماضي، في حين تعتقد “هاليفاكس” أحد أكبر مقرضي الرهن العقاري في المملكة المتحدة، أن الانخفاض يقترب من ثلاثة في المئة.

وكان كبير الاقتصاديين في بنك “بيرنبرغ” كالوم بيكرينغ أحد أولئك الذين توقعوا بثقة انخفاضاً بنسبة 10 في المئة في الأسعار هذا العام، قال “أسواق العمل المرنة والميزانيات العمومية للأسر حدت من عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى بيع منازلهم”.

أسعار المنازل والانكماش الاقتصادي

كانت أسعار المنازل الجديدة محصنة بشكل خاص من الانكماش الاقتصادي، على رغم أنها لا ترتفع بالوتيرة التي كانت عليها من قبل، فإنها لا تزال تتزايد. ويبيع “تايلور ويمبي”، أحد أكبر المطورين في البلاد، منازل أقل بمقدار الثلث أسبوعياً عما كان عليه قبل عام، بحسب صحيفة “التايمز”، لكن متوسط أسعار البيع ارتفع بنسبة سبعة في المئة تقريباً منذ الصيف الماضي، ويتوافق هذا مع أرقام “هاليفاكس”، التي تظهر أنه في حين انخفضت قيمة المنازل القائمة بنسبة 3.5 في المئة العام الماضي، ارتفعت أسعار المباني الجديدة بنسبة 1.9 في المئة.

من المحتمل أن يتمكن المطورون من الاستمرار في دفع أسعارهم إلى أعلى لأنهم كانوا يبنون عدداً أقل بكثير من المنازل، مما يحافظ على توازن العرض والطلب في صالحهم.

وقالت الرئيسة التنفيذية لـ”تايلور ويمبي” جيني دالي هذا الأسبوع “يتعلق الأمر بتلبية الطلب، ولكن ليس الإفراط في إمداد السوق. نريد أن نضمن أنه من خلال عدم المبالغة في العرض، لا يتعين علينا الخصم”.

وكشف “تايلور ويمبي” عن زيادة في عدد المشترين لأول مرة الذين يأخذون قروضاً عقارية من أجل شراء منازلهم، مما سيساعد أيضاً في دعم الأسعار، وقبل عامين، كان هناك واحد من كل 10 ممن وصلوا إلى سوق العقارات لأول مرة يحصل على قروض عقارية بشروط تزيد على 36 عاماً للقيام بذلك، والآن يستخدم أكثر من ربع المشترين لأول مرة هذا الأسلوب، والذي يسمح لهم باقتراض ما يحتاجون إليه مع تقليل أقساط السداد الشهرية.

تفاوت في أسعار المنازل

لا يوجد تفاوت بين أسعار المنازل الجديدة والقديمة فحسب، بل هناك أيضاً تفاوت بين أسعار المنازل الكبيرة والصغيرة، إذ انخفض متوسط سعر الوحدة بنسبة 3.1 في المئة منذ الصيف الماضي، بحسب تقديرات “هاليفاكس”، بينما انخفضت أسعار المنازل المنفصلة بنسبة تزيد قليلاً على واحد في المئة، إذ يبحث الأشخاص عن منازل ذات حدائق أكبر ومساحات مكتبية منزلية.

وعلى رغم أن أسعار المنازل لم “تتصحح” بعد بالقدر المتوقع، فإنها تتراجع بوتيرة سريعة، إذ تشير أرقام “نيشن وايد” إلى أن الأسعار تراجعت بنسبة 3.8 في المئة في العام المنتهي في يوليو (تموز) الماضي، وهو أكبر انخفاض سنوي منذ يوليو 2009، قرب نهاية الأزمة المالية العالمية.

ويجادل الاقتصاديون بأنه لا يزال هناك ما يكفي من “أخطار الهبوط” للالتزام بتوقعاتهم الأصلية. وقال كبير الاقتصاديين في بنك “بيرنبرغ” كالوم بيكرينغ “حتى الآن، لم تتسبب الصدمات في كثير من الضرر، لكن الأخطار تتصاعد مرة أخرى”.

ويصر بيكرينغ على توقعاته بأن الأسعار ستنخفض بنسبة 10 في المئة عما كانت عليه في نهاية الصيف الماضي، على رغم أنه يوافق على أن الأمر سيستغرق وقتاً أطول مما كان يعتقد في البداية للوصول إلى هذا القاع. وقال “نتوقع أن تنخفض الأسعار إلى أدنى مستوياتها خلال ثلاثة إلى ستة أشهر”، مشيراً إلى أن الشتاء القادم سيشكل القاع لهذه الأسعار، ويستند اقتناعه بأن الأسعار ستنخفض أكثر على معدلات الرهن العقاري، والتي من وجهة نظره ستصل إلى “الذروة أعلى والبقاء مرتفعة لفترة أطول مما كنا نعتقد في السابق”.

ارتفاع الفائدة وتراجع سريع لأسعار المنازل

من جانبها، توقعت “كابيتال إيكونوميكس” انخفاضاً من الذروة إلى الحضيض بنسبة 12 في المئة. وكررت المحللة الاقتصادية المساعدة في شركة الاستشارات إيموجين باتيسون هذا الأسبوع أن “انخفاض أسعار المنازل من المرجح أن يتسارع خلال الأشهر المقبلة”.

وقالت باتيسون إن هذا سيحدث لأنه من غير المرجح أن تبدأ معدلات الرهن العقاري بالتراجع حتى الصيف المقبل على أقرب تقدير، ونتيجة لذلك ستستمر القدرة على تحمل الكلف الممدودة للغاية في تثبيط الطلب، وهناك دلائل على أن عدد المنازل في السوق أصبح طبيعياً، بعد أن كان عند مستويات منخفضة للغاية خلال الوباء. وتتوقع بانيسون أن تنخفض الأسعار بنسبة سبعة في المئة، علاوة على التراجع البالغ 4.5 في المئة الذي سجلته “نيشن وايد” حتى الآن.

وتتمسك شركة استشارات الأبحاث الاقتصادية “بانثيون ماكروإيكونوميكس” بتوقعاتها الأقل تشاؤماً بانخفاض بنسبة ثمانية في المئة في الأسعار من ذروة أغسطس الماضي. وقالت كبيرة الاقتصاديين في المملكة المتحدة في “بانثيون” غابرييلا ديكنز “لا تزال ثقة المستهلك أقل بكثير من متوسطها على المدى الطويل، والتوقعات بأن أسعار المنازل ستنخفض أكثر، وبناءً على ذلك، نعتقد أن أسعار المساكن يجب أن تنخفض بنحو ثمانية في المئة من ذروتها قبل أن يعود الطلب والعرض إلى التوازن”.

ومن الواضح أن هذا لن يكون رائعاً لأصحاب المنازل، ولكن من الجدير بالذكر أنه حتى إذا تحققت توقعات “كابيتال إيكونوميكس” لانخفاض الأسعار بنسبة 12 في المئة، فإن الأسعار ستعود إلى ما كانت عليه في ربيع عام 2021، ولا تزال أعلى بنسبة 12 في المئة تقريباً مما كانت عليه قبل اندلاع الجائحة.

وبالنسبة لأولئك الذين يحاولون الوصول إلى السلم العقاري، فقد يبدو أن انخفاض الأسعار فات موعده. وقال كبير الاقتصاديين في “نيشن وايد” روبرت جاردنر، إن المشتري لأول مرة الذي يحصل على متوسط الأجر مع وديعة بنسبة 20 في المئة، بالتالي يمكن أن يتوقع دفع 43 في المئة من راتبه الإجمالي على مدفوعات الرهن العقاري الشهرية. ويقارن ذلك بنسبة 36 في المئة قبل عام، ولا تزال أعلى من المتوسط طويل الأجل البالغ 29 في المئة.

ويعتقد بيكرينغ أن الأسعار ستصل إلى أدنى مستوياتها “قبل تعزيز الاقتصاد في 2024 وزيادة نشاط رفع القوة الشرائية الحقيقية والأسعار في النصف الثاني من عام 2024 وما بعده”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى