اقتصاد دولي

هل أضر دفع بكين المستثمرين التابعين لها إلى شراء الأسهم بسوق المال الصينية؟

تفوقت أكبر صناديق الاستثمار الكمي في الصين على السوق لأعوام من خلال تطبيق نماذج إحصائية معقدة لاختيار الأسهم، لكنها لم تشكل نموذجاً لعامل رئيس، ألا وهو الحكومة.

وأصبحت الصناديق الكمية أو صناديق الاستثمار الكمي التي تستخدم الخوارزميات لمضغ كميات كبيرة من البيانات واتخاذ قرارات التداول، قوة قوية في الولايات المتحدة، إذ تدير صناديق مثل “أي أو آر كابيتال مانيجمنت” و”رينيسانس” و”ميلينيوم مانيجمنت” وهي محافظ ضخمة توفر مصدراً مهماً للسيولة للشركات الصغيرة والمستثمرين، لكن الصناعة كانت مثيرة للجدل في بعض الأحيان، إذ اتهمت بسلوك القطيع الذي يؤدي إلى تفاقم فترات التقلبات.

وتواجه صناعة صناديق الاستثمار الكمي في الصين التي تبلغ قيمتها 200 مليار دولار اتهامات مماثلة، وقد تكون العواقب على هذا القطاع ضخمة، إذ خسرت هذه الصناديق مليارات الدولارات الشهر الماضي عندما فشلت رهاناتها على أسهم الشركات الصغيرة، لتجد نفسها في مرمى الأجهزة التنظيمية الصينية التي أصبحت عازمة على نحو متزايد على إنهاء انحدار سوق الأوراق المالية، مهما كانت الكلفة.

وفي أواخر فبراير (شباط) الماضي، أطلقت أكبر بورصتين في البلاد ومنظم الأوراق المالية حملة واسعة النطاق على المحللين الكميين، مما أدى إلى تشديد القواعد التي تحكم القطاع وحظر موقت على صندوقين من التداول، لكن المستثمرين والمحللين يقولون إن الفوضى في السوق الكمية لها جذورها في الحكومة نفسها.

ولدى الصين سجل في محاولات السيطرة على سوق الأوراق المالية، إلا أن الأمور لا تسير على ما يرام دائماً، ففي 2015 أدى تدخل ما يسمى “الفريق الوطني” من الشركات المرتبطة بالدولة لشراء الأسهم إلى خلق خطر أخلاقي وادعاءات بالتداول من الداخل، وكان الهدف من إدخال هذه الشركات في يناير (كانون الثاني) الماضي وقف التقلبات، ولكن الأمور زادت سوءاً عندما سارع المستثمرون إلى البيع.

وفي أغسطس (آب) 2023، لم يمنع الحظر المفروض على البيع من قبل كبار المساهمين في كثير من الشركات مؤشر (CSI 300) القياسي من الانخفاض لمدة خمسة أشهر أخرى على التوالي.

صناعة الاستثمار الكمي صنعت في أميركا

ويعود إطلاق الصناعة الكمية أو صناعة الاستثمار الكمي في الصين لعام 2010 تقريباً، عندما عاد جيل من المتداولين المولودين في الصين لديارهم بعد العمل لدى بعض أكبر صناديق التحوط الأميركية.

وفي أعقاب الأزمة المالية العالمية، عندما كان الاقتصاد الصيني مزدهراً في وقت يعاني الغرب، كان إنشاء الصناديق الكمية في البر الرئيس للصين خياراً طبيعياً لهؤلاء التجار.

وكان صندوق “ميلينيوم” الذي يتخذ من نيويورك مقراً له، بمثابة أرض خصبة قوية للمواهب، إذ انتقل وانغ تشن وياو كيكونغ اللذان عملا هناك إلى الصين للمساعدة في إنشاء شركة “يوبيكوانت إنفستمنت” عام 2012.

وغادر وانغ لتأسيس شراكة “نينغبو لينغجون إنفستمنت مانيجمنت بارتنرز” في 2014، ويعد الصندوقان الآن من بين أكبر المستثمرين الكميين في الصين، مع إدارة “يوبيكوانت” لأكثر من 7 مليارات دولار.

ومنذ أوائل عام 2023، حددت برامج كمبيوتر عدة نشرتها الصناديق الكمية الصينية استراتيجية بسيطة نسبياً تتمثل في شراء الأسهم الصغيرة ومتناهية الصغر وعقود البيع الآجلة على المكشوف المرتبطة بمؤشرات الشركات المتوسطة والشركات الكبيرة، وكان مصدر ربح كبير، إذ قفز مؤشر شعبي للأسهم الصغيرة بنسبة 50 في المئة عام 2023، في حين انخفضت العقود الآجلة المرتبطة بمؤشر (CSI 300) الممتاز بنسبة 12 في المئة، وفقاً لمزود البيانات المالية “ويند”.

لكن المحللين في الصين واجهوا بعض المشكلات التي لم يشاركهم فيها نظراؤهم في الولايات المتحدة، ولسبب واحد، كان الظهور السريع للبلاد كقوة اقتصادية يعني أن هذه الصناديق لم تكُن لديها عقود من البيانات لتعتمد عليها، وهو فشل كبير للشركات التي تعتمد على استخراج البيانات لتحديد الصفقات، في حين كانت المشكلة الكبرى هي الأصول غير الملموسة في الصين.

اضطرابات قطاع الصناديق الكمية

وقدمت الاضطرابات التي شهدها قطاع الصناديق الكمية في الصين الشهر الماضي، أحدث مثال على الكيفية التي يمكن أن تأتي بنتائج عكسية ومثيرة إذا حاولت بكين محاربة السوق، إذ تعمل الخوارزميات التي تستخدمها الصناديق الكمية على استيعاب كميات كبيرة من البيانات التاريخية والاستفادة من الأنماط القابلة للتكرار، وعلى رغم أن التدخلات في سوق الأوراق المالية في الصين أصبحت أكثر تواتراً خلال الأشهر الأخيرة، فإنها لا تزال غير متكررة الحدوث.

وتعليقاً على ذلك قال رئيس قسم الأبحاث في شركة إدارة الأموال “ريلاينت غلوبال أدفايزرز” فيليب وول لصحيفة “وول ستريت جورنال” إن “المحللين الكميين لا يتأقلمون سريعاً عندما يتغير شيء ما فجأة”، مضيفاً أنه “إذا كان لديك تدخل سياسي يغير قواعد اللعبة، فإن هذه النماذج ليست قابلة للتكيف وأصبح ذلك واضحاً في وقت سابق من هذا العام عندما فقدت بكين صبرها أخيراً إزاء الانخفاض المطول في أسعار الأسهم”.

الفريق الوطني

وفي يناير (كانون الثاني) الماضي، أصبح رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ صوتاً بارزاً على نحو غير عادي في الدعوة إلى بذل مزيد من الجهد لتعزيز أسواق رأس المال المتدهورة في البلاد، وغيرت هيئة تنظيم الأوراق المالية في الصين القواعد لتجعل من الصعب على المساهمين البيع، بعد استبدال رئيس الهيئة التنظيمية يي هويمان.

في المقابل، تحولت بكين مرة أخرى إلى “الفريق الوطني” (مجموعة من المستثمرين المرتبطين بالدولة الذين يشترون الأسهم وصناديق الاستثمار المتداولة لرفع أسعار الأسهم) لشراء الصناديق المتداولة في البورصة التي تستثمر في سوق الأسهم، إذ أظهرت بيانات من شركة الأبحاث “زد بن أدفايزرز” أن خمسة صناديق صينية رئيسة متداولة في البورصة تتبع مؤشرات كبيرة تلقت 34.8 مليار دولار من التدفقات الداخلة في الشهرين الأولين من هذا العام، متجاوزة تدفقاتها طوال عام 2023، ويقول المحللون إن “هذه علامة على شراء الفريق الوطني للأسهم”.

لكن “الفريق الوطني” ركز في البداية على الصناديق التي تستثمر في أسهم بعض أكبر الشركات في الصين، ومن ثم تم استبعاد الأسهم الصغيرة من فورة الشراء، مما أدى إلى عمليات بيع واسعة النطاق في هذه الأسهم وتسبب على الفور في معاناة المحللين الكميين.

وفي الأسبوع الأول من فبراير (شباط) الماضي، ارتفع مؤشر (CSI 300) بنسبة 5.8 في المئة، وانخفض المؤشر الشائع للأسهم الصغيرة بنسبة 17 في المئة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى