اقتصاد دولي

لماذا عزف المصريون في الخارج عن «مبادرة استيراد السيارات»؟

الفتور المصحوب بالكتمان كان رد فعل المصريين العاملين بالخارج، منذ أن بادرتهم حكومة بلادهم في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، بطرح مبادرة جديدة تستهدف وتدعم أبناء الوطن من العاملين بالخارج الذين حلموا لسنوات طويلة بإمكانية اصطحاب سياراتهم من بلاد الغربة (العمل) لسنوات طويلة إلى داخل الوطن الأم.
استقبل العاملون بالخارج مبادرة الحكومة المصرية مع اللحظات الأولى بسعادة كبيرة وحماس أكبر، ولكنها كانت مجرد لحظات، إذ أفاقوا على شروط المبادرة الوليدة التي اعتبروها من وجهة نظرهم إنها «مجحفة»، بل إن بعضهم اعتقد أن المبادرة تستهدف جمع أموالهم بالعملة الصعبة (الدولار الأميركي) فحسب، دون بذل عناء يذكر من جانب المسؤولين عن المبادرة عن أفضل ما يناسب العاملين الكادحين لسنوات خارج البلاد بعيداً من ذويهم، بحسب ما ذكره مصريون عاملون بالخارج لـ»اندبندنت عربية».
وتمكن المبادرة المصريين العاملين في الخارج من استيراد سيارة للاستخدام الشخصي من دون أي جمارك أو رسوم، ولكنها في الوقت نفسه اشترطت إيداع قيمة الجمارك والرسوم في حساب وزارة المالية بالعملة الصعبة على أن يستردوا تلك القيمة بعد خمس سنوات بالجنيه المصري، بسعر صرف الدولار في تاريخ الاسترداد في نهاية السنوات الخمس.
كما اشترطت المبادرة أن يكون المقيم بالخارج مصرياً أو يحتفظ بالجنسية المصرية في تاريخ سداد المبلغ النقدي المستحق، ولا يقل عمره عن 16 سنة، ويتمتع بإقامة قانونية سارية بالخارج حتى لو لم يكن مقيماً بالفعل، ولديه حساب بنكي ببلد الإقامة مضى على فتحه ثلاثة أشهر على الأقل، وبه المبلغ النقدي المستحق قبل تاريخ التحويل بثلاثة أشهر في الأقل، كما أكدت المبادرة أن هذه السيارات المستوردة للاستعمال الشخصي فحسب، ولا يجوز استخدامها في نشاط تجاري، ولكنها غير محظورة البيع، ولا تتضمن أيضاً عربات النقل أو نصف النقل.
10 مليارات دولار حصيلة مستهدفة:- البداية تعود إلى ما قبل أكتوبر الماضي ببضعة أشهر، عندما واجهت القاهرة مأزقاً اقتصادياً صعباً مع بدء الهجوم الروسي على الأراضي الأوكرانية في نهاية فبراير (شباط) 2022، إذ كان هذا التاريخ موعداً لبدء تعثر الاقتصاد المصري بصورة غير مسبوقة، مع خروج أكثر من 20 مليار دولار من خزائن البنك المركزي المصري مع تخارج المستثمرين الأجانب في أدوات الدين السيادية، فضلاً عن ارتفاع فاتورة استيراد السلع الأساسية من الخارج بعد اضطراب سلاسل الإمداد والتوريد، خصوصاً أن القاهرة تعتمد على دولتي النزاع في استيراد معظم السلع الأساسية، وهو ما انعكس على قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار الأميركي، بعد أن فقدت العملة المصرية أكثر 100 في المئة من قيمتها مقابل العملة الخضراء الأميركية حتى الآن، وهو ما دفع القاهرة للبحث عن مصادر دولارية من خارج القنوات الأساسية التي قل منسوبها نوعاً ما، فأطلقت عدة مبادرات من بينها تلك التي خاطبت العاملين بالخارج.وعلى رغم أن الحصيلة المستهدفة من طرح المبادرة لم تحدد قيمة بعينها، فإن وزير المالية المصري محمد معيط أعلن عند إطلاق المبادرة رسمياً قبل أربعة أشهر، أن «حكومة بلاده تستهدف حصيلة قد تصل إلى 10 مليارات دولار بحلول موعد انتهائها المحدد في 14 مارس (آذار) المقبل».
لكن، في المقابل توقع المتخصص في شؤون الاقتصاد هاني توفيق عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، تزامناً مع إطلاق المبادرة آنذاك، إجمالي القيمة التي تستهدفها القاهرة من تلك المبادرة بنحو 12.5 مليار دولار، قائلاً إنه «بحسبة بسيطة، وبافتراض أن عدد المصريين في الخارج الذين سيستفيدون من هذا القانون مليون شخص فحسب، وأن متوسط جمرك السيارة 250 ألف جنيه (8150 دولاراً)، فإن الحصيلة التي ستدخل الخزانة المصرية تقدر بـ12.5 مليار دولار».
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) أعلنت مصلحة الجمارك المصرية أن «مبادرة تيسير استيراد سيارات الاستعمال الشخصي للمصريين المقيمين بالخارج بدأت من 15 نوفمبر 2022، وتستمر لمدة أربعة أشهر تنتهي في 14 مارس 2023».
في تلك الأثناء، كشف وكيل لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب المصري مصطفى سالم في تصريحات إعلامية عن أن «عدد المسجلين على المنصة الخاصة بمبادرة استيراد المصريين بالخارج، بلغ حتى الآن 39 ألفاً و633 طلباً»، مشيراً إلى أن «هناك أوامر دفع صدرت بنحو 11 ألفاً و304 أوامر دفع تتخطى قيمتها الـ186.13 مليون دولار»، لافتاً إلى أن «هناك طلبات سارية بنحو تسعة آلاف طلب قيمتها 147.74 مليون دولار»، مؤكداً أن «تحويلات تمت بالفعل للبنوك المصرية بلغت نحو 3591 طلباً، بقيمة 39 مليون دولار، لعدد 3063 طلباً».
تعديلات جديدة تحت قبة البرلمان:- في غضون ذلك، وافقت لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب المصري على مشروع قانون بتعديل بعض أحكام القانون رقم 161 لسنة 2022 في شأن منح بعض التيسيرات للمصريين المقيمين في الخارج، إذ نصت التعديلات الجديد في المادة الأولى من مشروع القانون المقدم، على استبدال نص المادة (4) فقرة أولى، على نحو يربط بين فترة السنوات الخمس المنصوص عليها بالمادة (1) وصلاحية الموافقة الاستيرادية، ونظراً إلى أن فترة العمل بأحكام القانون وتحويل المبلغ النقدي أوشكت على الانتهاء، وفقاً لما تضمنته المادة (9)، ولكي يتسنى للمصريين المقيمين في الخارج الاستفادة من التعديل فقد رؤي مد الفترة المنصوص عليها بالمادة (9) شهرين إضافيين لتصبح ستة أشهر.
وبعيداً من التصريحات الرسمية في القاهرة، تواصلت «اندبندنت عربية» مع عدد من المصريين بالخارج من روؤساء الجاليات أو من العاملين بالخارج، إذ أجمعوا على أن المبادرة الجديدة هدفها نبيل، ولكنها طبقت بالطريقة الخاطئة والتوقيت غير المناسب.
مخيبة للآمال:- وقال عضو اتحاد المصريين في أوروبا عن دولة إيطاليا، علي ربيع، إن «المصريين بالخارج، وخصوصاً في أوروبا، بحت أصواتهم مناشدة للحكومة المصرية في النظر بعين الاعتبار إلى المصريين بالخارج، على أساس أنهم قوة اقتصادية ناعمة قوامها يزيد على الـ12 مليون مصري، يمكنها بكل بساطة دعم الاقتصاد المصري بكل قوة، كما نادوا بإعلان تيسيرات عديدة منها تسهيل استيراد السيارات معهم عن العودة إلى القاهرة، سواء للإجازات أو العودة النهائية»، مستدركاً أن «المبادرة أو القانون الذي صدر جاء مخيباً لآمال السواد الأعظم من العاملين بالخارج».
شروط مجحفة – وأوضح عضو اتحاد المصريين في أوروبا عن دولة إيطاليا، أن «المبادرة بها كثير من الثغرات وشروط مجحفة منها مدة المبادرة والمطالبة بحساب بنكي يتضمن المبلغ المطلوب كقيمة الضرائب والرسوم الجمركية بالدولار قبل إطلاق المبادرة بثلاثة أشهر».
بعيدة من مصالحنا:- في الجانب نفسه، قال المتحدث باسم المصريين في أووربا، ولاء مرسي، إن «المبادرة لم تلق القبول المرتقب من جانب المصريين بالخارج، لشعورهم أن الدولة تبحث عن جمع الدولارات فحسب، بعيداً من مصلحتهم الشخصية»، مضيفاً أن «شرط فتح حساب بنكي بالدولار الأميركي قبل انطلاق المبادرة بثلاثة أشهر أمر يدعو إلى الغرابة».

وكشف عن أن «هناك نسبة لا تقل عن الخمسة في المئة من المصريين في أوروبا هجرة غير شرعية ولا يمكن التعامل مع البنوك الرسمية، فهؤلاء مبدئياً خرجوا عن المبادرة تماماً، إلى جانب التغاضي عن ضرورة فتح الحساب بالدولار الأميركي»، متسائلاً، «لماذا لا يحول المصريون بالدول العربية بعملات الدولة المقيمين بها، وكذلك تمكين العاملين في بريطانيا بتحويل المبالغ المطلوبة بالجنيه الاسترليني للتخفيف عنهم».

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى