مختارات اقتصادية

مراجعة كتاب وهْم السيطرة: لماذا تَحدُث الأزمات المالية

“هل هناك طريقة أفضل لمنع الأزمات المالية؟” يجيب عن هذا السؤال “جون دانييلسون” Jon Danielsson، أستاذ المالية في كلية لندن، والمدير المشارك لمركز المخاطر النظامية؛ وذلك في كتابه الذي يحمل عنوان: ” وهم السيطرة: لماذا تحدث الأزمات المالية، وما يمكننا (وما لا نستطيع) أن نفعله حيال ذلك” The Illusion of Control: Why Financial Crises Happen, and What We Can and Can’t Do About It.

 

عرض “دانيلسون” لإجابة السؤال في كتابه باستكشاف لطبيعة المخاطر المالية والغرض من التنظيم المالي. كما علّق على مفهوم “المخاطر” لدى النموذج المالي الحالي.

 

يركز “دانيلسون” على إدارة المخاطر النظامية بهدف تجنب الأزمات المؤثرة اقتصاديًا دون تقييد النمو الاقتصادي. ويرى “دانييلسون” أن النموذج الحالي للتنظيم المالي قد فقد رؤية هذا الهدف عندما ركز على محاولة قياس المخاطر وإرغام البنوك على اتباع مجموعة توجيهات استنادًا إلى نتائج تلك القياسات.

 

لكن هذه الاستراتيجية تعاني من مشكلات كبيرة. وتعرض مراجعة الكتاب إلى محاور وأسباب الاعتراض على هذه الاستراتيجية بالإضافة إلى البدائل المطروحة.

 


محاور وأسباب الاعتراض

 

– تعتمد مقاييس المخاطر على بيانات خلص إليها “دانيلسون” من تجارب وخبرات سابقة، لا يمكن الاعتماد عليها إلا إذا كان الماضي مؤشرًا حقيقيًا وموثوقًا للمستقبل.

 

– يمكن رؤية هذا بوضوح عند مراجعة  المؤشر الصادر عن البنك المركزي الأوروبي، والذي أفاد بأن خطر حدوث أزمة كان منخفضاً للغاية قبيل الأزمة الاقتصادية لعام 2008، في حين أنه كان مرتفعاً عندما انتهت الأزمة.

– يؤدي تنظيم البنوك الذي يتم بشكل مستقل إلى مغالطة في تكوينها. وينصب التركيز على ضمان سلامة الأجزاء المكونة للنظام.

 

– هنا جاءت المطالبة على نطاق واسع بتنظيم السياسات الاحترازية الكلية على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية.

 

– فمن وجهة نظر “دانيلسون” فإن هذا لم يطبق بشكل إيجابي، فهو يرى أن التنظيم المالي لا يزال يفتقر إلى التحوط “الكلي” من الناحية العملية.

– يكمن حل نموذج المخاطر في التنوع المنهجي الذي تنتهجه البنوك. وسيحقق ذلك  “القوة الأكثر فعالية للاستقرار المالي”.

 

– فنماذج المخاطر الموحدة التي تعمل عليها البنوك حاليًا تقودنا لحدوث الأزمات المالية. ففشل استراتيجية واحدة لإدارة المخاطر ستؤدي إلى انهيار النظام بأكمله نتيجة هذا التنظيم المالي الإلزامي، والذي سيكون تأثيره المعاكس محققا.

– أخيرًا، لا يؤخذ في الحسبان حقيقة أن “التنظيم المالي أمر داخلي المنشأ” عملية المراقبة والقياس والتشريع للمخاطر في النظام تؤثر بشكل كبير على المخاطر في هذا النظام.

 

– وبحسب القانون الذي صاغه الاقتصادي البريطاني “تشالرز جودهات” Charles Goodhart “عندما يصبح الإجراء هدفًا، فإنه يتوقف عن كونه مقياسًا جيدًا”.

– فغالبا ما تتوقف التدابير التي أثبتت جدواها فيما سبق عن إثبات فاعليتها عندما يبدأ التعامل معها كهدف.

 

– فعندما لا تقدّر الهيئات التنظيمية طبيعتها الخاصة، فإن التدابير الرامية إلى منع الأزمة من الممكن أن تجعل الأزمة أكثر احتمالا.

– للتوضيح. لنفترض أن التنظيم المالي يركز على “الحد من التقلبات”، وأن البنوك ستعمل على تقليلها امتثالاً للتنظيم. بالتالي سترسل الهيئات التنظيمية للبنوك ما يفيد أنه من الآمن تقديم المزيد من الائتمان، مما يزيد من المستوى الحقيقي للمخاطر النظامية في النظام.

 

البدائل المطروحة

 

– يقترح “دانييلسون” خمسة مبادئ أساسية:

 

1- يتعين على الهيئات التنظيمية أن تركز على المخاطر الداخلية الناجمة عن النظام المالي والسياسي ذاته. ومن المرجح أن تنجم الأزمات عن الإفراط في الاستدانة، أو الفشل التنظيمي، أو السياسات المضللة، وليس عن الفيروسات أو الحروب أو الكوارث الطبيعية.

 

2- يجب استخدام مقاييس المخاطر الكمية بحذر ووعي حاد بحدودها.

 

3- يجب أن تضع الهيئات التنظيمية أمامها هدفًا أساسيًا وهو تعظيم النمو الاقتصادي مع تقليل تكاليف الأزمات الشاملة إلى الحد الأدنى.

 

4- منع كل عنصر من عناصر التنظيم من الانعزال عن التنظيم ككل والتركيز على تحقيق هدف محدد ومشترك.

 

5- مقاومة التفكير الجماعي وتشجيع التنوع الأيديولوجي.

 

وختامًا، فبرغم من إغفال الكاتب لنقطة على درجة كبيرة من الأهمية. حيث لم يناقش بشكل مكتمل الحوافز والمسؤولية، وحقيقة أن البنوك سوف ترغب دائمًا في خوض قدر من المجازفة أكبر مما تسمح به الهيئات التنظيمية. فسيظل كتاب “جون دانييلسون” استثنائيًا على المستوى الأكاديمي والعملي.
 

المصدر: كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى