اقتصاد دولي

بنوك عالمية تراهن على صعود أكبر في أسعار الذهب

رفعت بنوك عالمية توقعاتها لمتوسط أسعار الذهب خلال عام 2024 متجاوزة بذلك تقديراتها السابقة بالنظر إلى المستجدات الأخيرة والمستويات المرتفعة التي سجلها المعدن الأصفر منذ بداية العام مقترباً من 2000 دولار للأوقية (الأونصة) وتوقعات مواصلة الطلب من قبل البنوك المركزية وقطاع التكنولوجيا وصناديق الاستثمار.

من بين تلك البنوك يأتي “غولدمان ساكس” معززاً الرهانات على ارتفاع أسعار الذهب، إذ زاد في مذكرة بحثية للعملاء، من تقديراته لمتوسط سعر الأونصة إلى 2180 دولاراً من 2090 دولاراً خلال العام الحالي، في وقت يدور المعدن في فلك 2160 دولاراً حالياً، و2195.15 دولار في جلسة الجمعة الماضية.

ومع ارتفاع الذهب إلى طليعة أسواق السلع، وضع من قبل بنك “جيه بي مورغان تشيس” كأفضل اختيار لهم، حين وصل المعدن الثمين إلى أعلى مستوى جديد له على الإطلاق الجمعة، مما أثار مناقشات حول إمكانية ارتفاعه إلى مستويات أعلى.

سعر الذهب سيصل 2500 دولار

وتوقعت رئيسة قسم أبحاث السلع في “جيه بي مورغان”، ناتاشا كانيفا أن يصل الذهب إلى 2500 دولار للأونصة هذا العام، ويتوقف هذا التوقع على استمرار الاعتدال في معدلات التضخم وبيانات التوظيف الأميركية إلى جانب التحول المتوقع من بنك الاحتياط الفيدرالي نحو خفض أسعار الفائدة.

ويعد تحول بنك الاحتياط الفيدرالي نحو سياسة نقدية أكثر مرونة عاملاً حاسماً يدعم جاذبية الذهب، وبما أن الأصول المدرة للعائد مثل السندات أصبحت أقل جاذبية في مثل هذه البيئة، فمن المتوقع أن يستفيد الذهب بصورة كبيرة، ومع ذلك أشار صناع السياسة في بنك الاحتياط الفيدرالي إلى الحاجة إلى مزيد من الأدلة على أن التضخم يتحرك نحو هدفه البالغ اثنين في المئة قبل أن يفكروا في خفض كلفة الاقتراض.

وتشير رئيسة قسم أبحاث السلع في “جيه بي مورغان” إلى أن تحقيق سعر 2500 دولار لأونصة الذهب يتطلب مجموعة من مؤشرات الاقتصاد الكلي المواتية والقرارات السياسية، علاوة على أن ميل السوق إلى “الإثارة المفرطة” يمكن أن يلعب دوراً في دفع الذهب إلى هذا المستوى، ومع ذلك يجب أن يرتكز هذا التفاؤل على تطورات ملموسة، مثل الاعتدال المستمر في أرقام التضخم والعمالة، إضافة إلى إشارات واضحة من بنك الاحتياط الفيدرالي بأن تخفيضات أسعار الفائدة تلوح في الأفق، ومن شأن هذه العوامل مجتمعة أن تعزز جاذبية الذهب مقارنة بخيارات الاستثمار الأخرى، مما قد يدفع سعره إلى المستوى المتوقع.

توقعات بارتفاع السعر

ويأتي رهان آخر على ارتفاع أسعار الذهب خلال 2024 من مجموعة أستراليا ونيوزيلندا المصرفية المحدودة “ANZ” على خلفية ارتفاع الأونصة، الجمعة الماضي، إلى 2195 دولاراً، متوقعة أن يتجاوز المعدن 2200 دولاراً في المتوسط خلال العام الحالي.

وتشير المجموعة المصرفية إلى أن سعر الذهب قد يتراجع إلى مستوى 2100 دولار في حال التصحيح، في حين أن العوامل الصعودية للمعدن تشمل تزايد عدم اليقين في شأن التوقعات الاقتصادية والتوترات الجيوسياسية، وموصلة موجة الشراء من قبل البنوك المركزية، والطلب المرتفع من قطاع التكنولوجيا.

2250 دولاراً للأونصة في 2024

وينظر الاقتصاديون في بنك “سوسيتيه جنرال” الفرنسي إلى مستويات الذهب الأخيرة باعتبارها توافقاً مع توقعاتهم السابقة، متوقعين في مذكرة تحليلية، مواصلة صعود المعدن الأصفر خلال الأسابيع المقبلة، صوب 2250 و2360 دولاراً للأونصة، على خلفية تجاوزه الذروة المحققة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

في مؤتمر جمعية المنقبين في كندا (PDAC)، قال كبير استراتيجيي السوق في مجلس الذهب العالمي جون ريد إن عام 2023 كان عاماً قوياً بالنسبة للذهب على رغم الرياح المعاكسة لأسعار الفائدة المرتفعة، إذ لم يصل المعدن إلى مستوى قياسي جديد في أواخر هذه الفترة فحسب، بل تفوق أيضاً على معظم فئات الأصول.

وأضاف ريد أن هناك عديداً من العوامل التي لعبت دوراً في هذا الأمر منها تمتع الطلب على المجوهرات بالمرونة على رغم من كونه قطاعاً حساساً لارتفاع الأسعار، وأن ارتفاع المعدن خلال السنوات الأخيرة، يظهر اهتماماً قوياً للغاية بالذهب، يأتي في غالبه من الأسواق الناشئة، بخاصة الهند والصين. ولفت ريد إلى أن الطلب المستمر على الذهب يشير إلى تسامح أوسع داخل السوق مع سعر 2000 دولار للأونصة، في حين أسهم قطاع التكنولوجيا في الطلب القوي على المعدن في عام 2023، إذ استهلك 300 طن من المعدن الأصفر بعد سنوات من الضغط في أعقاب جائحة “كوفيد-19”.

الاستثمار في السبائك

وينظر ريد إلى الاستثمار في السبائك والعملات الذهبية باعتباره أكبر فئة طلب، ويرى أنه على رغم وجود 244 طناً من التدفقات الخارجة من الصناديق المتداولة في البورصة (ETF) في عام 2023، وهو ما يمثل انخفاضاً سنوياً ثالثاً على التوالي، فإن الطلب على السبائك والعملات المعدنية ظل قوياً، بنحو 1200 طن، بانخفاض قدره ثلاثة في المئة على أساس سنوي، وهذا الانخفاض الطفيف في الطلب على السبائك والعملات يمكن أن يعزى إلى انخفاض الشراء في الأسواق الغربية، وخصوصاً ألمانيا.

البنوك المركزية لا تزال قوية

وسلط ريد الضوء أيضاً على شراء البنوك المركزية للذهب، ووصفه بأنه “القصة الأكبر” على جانب الطلب، فبعد عمليات بيع الذهب على مدار 22 عاماً التي سبقت الأزمة المالية العالمية في عام 2008، بدأت البنوك المركزية في الأسواق الناشئة في شراء 500 طن من الذهب سنوياً بين عامي 2010 و2021، ويمثل هذا 10 في المئة من سوق تضم خمسة آلاف طن سنوياً.

وبالنظر إلى سبب تخزين البنوك المركزية للمعدن الثمين، يلفت محلل مجلس الذهب العالمي، إلى التضخم كأحد الأسباب، إضافة إلى مخاوف البنوك المركزية في الأسواق الناشئة من التهديدات المحتملة لوضع الدولار الأميركي كعملة احتياط في العالم، إضافة إلى الحرب الروسية – الأوكرانية، ولجوء موسكو إلى الذهب كاحتياط تجنباً للعقوبات.

انتكاسات متواضعة وقصيرة الأجل

من جانبه، يعتقد بنك “يو بي أس” السويسري أن سعر الذهب في طريقه إلى 2250 دولاراً دون أن تخلو من انتكاسات متواضعة وقصيرة الأمد، وهو ما يجعل المعدن وسيلة جيدة للتحوط ضد ارتفاع الأخطار، بحسب مذكرة البنك، موصياً بتخصيص خمسة في المئة للمحافظ الاستثمارية.

ووفق مذكرة البنوك السويسري سيظل الطلب على الذهب مرتفعاً لعديد من العوامل، أولها تأجيل خفض أسعار الفائدة الأميركية بحسب إفادة جيروم باول أمام الكونغرس الأسبوع الماضي، وسط توقعات بخفض بمقدار 75 نقطة أساس على مدار عام 2024، بدءاً من يونيو (حزيران) المقبل.

ومن بين العوامل التي أشار إليها البنك السويسري، مواصلة البنوك المركزية شراء الذهب، بعد مشتريات تجاوزت 1000 طن في كل من العامين الماضيين، وهي أعلى المستويات منذ الستينيات، إضافة إلى اتساع التوترات الجيوسياسية المتزايدة والحرب بين روسيا وأوكرانيا وما قد يتبعها من تحولات غير المتوقعة، إلى جانب حرب إسرائيل و”حماس”، واستمرار الهجمات على ممرات الشحن في البحر الأحمر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى