اقتصاد دولي

«أموال غريبة» ترفع أسعار عقارات بغداد إلى مستويات قياسية

تواصل أسعار العقارات في العاصمة العراقية بغداد وبعض المدن الأخرى ارتفاعها الكبير لتصل إلى مستويات قياسية أثارت الشكوك حول الأموال التي تقف وراء عمليات الشراء الكبيرة والمُبالَغ في تقدير أسعارها بشكل لافت.
وعلى رغم سلسلة الأزمات الاقتصادية التي مر بها العراق منذ بدء جائحة كورونا وحتى الآن، إلا أن هذا الأمر لم يؤثر في سوق العقارات، ليحقق عمليات بيع وشراء كبيرة جعلته الأكثر جذباً لرجال الأعمال والأموال غير الشرعية التي تأتي من عمليات تهريب السلع والنفط وتجارة المخدرات وعمليات الفساد الإداري.
وتوجهت شريحة واسعة من الأثرياء الجدد، الذين هم نتاج تعاملات اقتصادية مختلفة مع مؤسسات الدولة العراقية تؤشر عليها الكثير من الشبهات في الآونة الأخيرة، إلى شراء عقارات وبمبالغ كبيرة في أحياء راقية داخل العاصمة مما تسبب بارتفاع الأسعار إلى عدة أضعاف خلال العام الواحد.
ضوابط جديدة
وأعلن البنك المركزي العراقي في بيان، قراره الإشراف على بيع العقارات عبر المصارف بالتنسيق مع دوائر التسجيل العقاري لمنع غسيل الأموال.
وذكر البنك المركزي أن عملية بيع أي عقار تتجاوز قيمته 500 مليون دينار عراقي (378 ألف دولار)، ستكون مشروطة بوضع الأموال في المصارف وإعطاء إشعار لدائرة تسجيل العقاري قبل البدء بمعاملة نقل الملكية، مبيناً أن هذه الخطوة ستشمل جميع عمليات البيع والشراء في العقارات خلال الأشهر المقبلة.
ودعا البنك المصارف العراقية إلى عدم تسهيل هذه العمليات وعدم استقطاع مبالغ كبيرة من تجار العقارات.
18 ألف دولار:- وقال علي عبد الكريم، وهو صاحب مكتب لبيع وشراء العقارات أن «أسعار العقارات في بعض مناطق بغداد وصلت إلى 18000 دولار للمتر المربع الواحد»، عازياً السبب إلى «غسيل الأموال». وأوضح عبد الكريم أن «في بعض مناطق بغداد وصل سعر المتر المربع الواحد إلى أسعار خيالية جداً، ففي منطقة الجادرية مثلاً يتراوح من 10 آلاف الى 15 ألف دولار، كما وصل السعر في منطقة المنصور غرب بغداد إلى 15 ألف دولار»، مبيناً أن «سعر المتر المربع الواحد في حي القادسية بلغ 4000 دولار، فيما وصل سعره في الشارع التجاري في حي الجامعة غرب بغداد إلى 10 آلاف دولار». أرقام كبيرة:- وأضاف عبد الكريم أن «بعض المناطق باتت مركزاً تجارباً ومقراً للمسؤولين كما هي الحال في منطقة الحارثية التي تضم عيادات طبية، حيث بلغ سعر المتر المربع الواحد في منطقتها التجارية إلى 15000 دولار»، مشيراً إلى أن «مناطق أخرى من العراق تركزت بها الطبقة المتوسطة وفوق المتوسطة مثل منطقة السيدية جنوب العاصمة بغداد، يتراوح فيها سعر المتر المربع بين 2000 و3000 دولار».
وعزا المتحدث ذاته «زيادة أسعار العقارات إلى غسيل الأموال والهجرة من بقية المحافظات إلى العاصمة، كون أن بغداد باتت مركزاً للعمل بعكس مناطق أخرى من العراق».
ويمثل استمرار الهجرة من مناطق الوسط والجنوب وشرق العاصمة بغداد عاملاً آخر لارتفاع أسعار العقارات، خصوصاً أن هذه المناطق تعاني من مشاكل خدمية وبطالة كبيرة وانتشار الجماعات المسلحة التي تتحكم بأغلب مقومات الحياة فيها.
الرصافة ارتفعت
من جانبه، تحدث مصطفى حسين، وهو صاحب مكتب للتوسط في بيع العقارات في منطقة بغداد الجديدة، عن ارتفاع كبير في جانب الرصافة من بغداد خصوصاً في مناطق شارع فلسطين وزيونة. وقال حسين إن «سعر المتر المربع الواحد في المنطقة التجارية بمنطقة زيونة شرق بغداد وصل إلى نحو 10 آلاف دولار، بينما سعر المتر السكني يتراوح ما بين 3000 إلى 3500 دولار وبحسب الموقع»، مبيناً أن «سعر المتر الواحد السكني في شارع فلسطين الملاصق لمدينة الصدر شرق بغداد يتراوح بين 2500 و3000 دولار، والمتر التجاري ما بين 8000 إلى 10 آلاف دولار».
تبيض أموال
ويرى الباحث الاقتصادي باسم جميل أنطوان أن «الارتفاع غير الطبيعي في أسعار العقارات سببه الإقبال على العقار من قبل أصحاب الكسب غير المشروع لتبيض أموالهم»، داعياً إلى «تفعيل قانون من أين لك هذا؟». وقال أنطوان إن «الارتفاع غير الطبيعي يحتاج إلى سيولة نقدية كبيرة مما يوحي بأن مَن يشتري عقارات بهذه الأسعار هم المضارون والدلالون أو ذوي المكاسب غير المشروعة الذين يلجأون إلى هذا الأمر في إطار تبييض الأموال وتخليص العقارات من المحاسبة الضريبية»، مبيناً أن «هؤلاء مثلاً يشترون أرضاً تبلغ مساحتها 1000 متر بسعر مليون دولار ويتم إنشاء مبانٍ عليها بـ 5 ملايين دولار لتشكل مأوى لدفن كثير من المبالغ».
أسعار خيالية:- وتابع أنطوان أن «أسعار العقارات في بعض مناطق بغداد مثل المنصور وشارع الأميرات باتت أسعاراً فوق الخيال وذلك لأن من يشتري في هذه المناطق هم الأثرياء فقط. ومن الممكن السيطرة على عمليات غسيل الأموال من خلال بيع وشراء العقارات، بحال تم تفعيل قانون من أين لك هذا»، مبدياً تفاؤله بمنهاج رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الذي تضمن محاربة غسيل الأموال.
مناطق غسل الامول
من جهة أخرى، اعتبر الباحث الاقتصادي صفوان قصي أن «شراء تلك العقارات هدفه تجنب الكشف عن الأموال القذرة»، فيما أشار إلى أن «بعض المناطق باتت حيوية في مجال جلب المستثمرين». أضاف قصي أن «هذه العقارات باتت جزءاً من غسيل الأموال بعيداً من رقابة البنك المركزي، فمكتب مكافحة غسيل الأموال حاول توسيع دائرة النشاط لكن هناك تلكؤ في عملية الاستجابة له»، مبيناً أن «العراق يعاني من شح في قطاع السكن وسوء توزيع قطع الأراضي على المستحقين وعدم وجود سياسة واضحة لعملية استيعاب النمو السكاني وارتفاع تكاليف المواد الإنشائية».
ورأى قصي أن «ارتفاع سوق العقارات سببه زيادة الطلب لوجود أموال قذرة تحاول أن تغسل هذه الأموال من خلال نافذة سوق العقارات وكذلك سوق الذهب»، معرباً عن أمله في أن تكون هناك «مراجعة لمن قام بشراء عقارات بعد عام 2020، كون أن الارتفاع وصل إلى نحو 100 في المئة خلال السنتين الأخيرتين».
سرقة القرن
وأوضح قصي أن «سرقة القرن كانت أحد أسباب زيادة سعر العقار خلال السنتين الاخيرتين وربما بعض الدول المجاورة تحاول شراء العقارات بالدينار وإعادة بيعها بالدولار للحصول على الدولار من العراق». ودعا قصي إلى أن تقوم الدولة بفرض ضرائب على العقارات غير المستغَلة، لإجبار استغلالها بسبب وجود العديد من الأراضي التي تُركت بعد سنوات من شرائها». وتابع أن «هناك رغبة من السكان للانتقال إلى مناطق أكثر تنظيماً كون أن بعض المناطق وشوارعها الداخلية أصبحت تجارية وارتفعت أسعارها»، داعياً أمانة بغداد إلى عدم السماح باستثمار الأفرع وأن يقتصر الاستثمار على المناطق التجارية فقط.
تحول اليرموك
واعتبر الصحافي باسم الشرع أن «أكبر عملية غسيل للأموال كانت واضحة للعيان حدثت في حي اليرموك غرب العاصمة بغداد، وخصوصاً في منطقة الأربع شوارع ومحيطها، حيث جرت منذ نهاية عام 2020 عمليات شراء واسعة حولت الشارع السكني الذي يبلغ طوله عدة كيلومترات إلى منطقة تجارية بالكامل»، مشيراً إلى «ارتفاع سعر المتر الواحد في المنطقة من 5000 و6000 دولار إلى 16 أو 17 ألف دولار حالياً في بعض أجزائها». وأضاف الشرع أن «الغريب هو أن المشترين جلبوا استثمارات واسعة وكبيرة بمئات مليارات الدنانير تم بواسطتها تحويل المنازل الفخمة إلى مطاعم ومقاهٍ ومراكز تجارية ضخمة وكليات أهلية خلال عامين وتحولت الشوارع الفرعية إلى مرأب للسيارات»، مستغرباً أيضاً «الموافقات السريعة التي صدرت من الدوائر البلدية على إنشاء هذه المرافق التجارية، على رغم أن القانون العراقي يمنع تحويل جنس المناطق إلا بقرار يصدر من أمانة بغداد أو الدوائر البلدية وينشر في الجريدة الرسمية للاطلاع عليه».

سرقة القرن جزء من العملية

وأوضح الشرع أن «الاعترافات المسربة لنور زهير بطل سرقة القرن بينت أنه اشترى بقسم من الأموال التي سرقها من أموال أمانات الضرائب منازل عدة في حي اليرموك وأيضاً حي الأميرات في المنصور»، لافتاً إلى أن «أي تحقيق رسمي بسيط في ما جرى في حي اليرموك سيثبت أن ما جرى هو أكبر عملية لغسيل الأموال جرت أخيراً في بغداد».
وسرقة القرن في العراق هي عملية استحواذ على الأمانات الضريبية التي تمت سرقتها بحيلة قانونية من قبل رجل الأعمال نور زهير وعدد من شركائه، وقاربت قيمتها الـ 3 تريليونات ونصف تريليون دينار عراقي (2.5 مليار دولار) عبر صكوك صدرت من صرف الرافدين الحكومي ودائرة الضرائب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى